هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا لكل من محمد علي كاديفار وصابر خاني وأبو الفضل سوتوده، يقولون فيه إن موجة احتجاجات عمت إيران الأسبوع الماضي، حين قامت الحكومة برفع أسعار البنزين فجأة، وذلك لموازنة العجز في الميزانية، في وقت تعاني فيه البلد من تضخم عال ونمو اقتصادي سلبي.
ويشير الكتّاب في مقالهم، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن المتظاهرين الغاضبين اشتبكوا مع قوات الأمن، وقاموا بإضرام النار في البنايات الحكومية والبنوك وأغلقوا الشوارع، فيما ردت الحكومة بقبضة حديدية، فقتلت أكثر من 200 متظاهر، واعتقلت الآلاف، وأغلقت الإنترنت في انحاء البلد لمدة أسبوع.
ويقول الكتّاب إنه "في بلد لا يسمح فيه بالتظاهر ضد الحكومة، فإن قيام مظاهرات على نطاق واسع تهتف ضد النظام يصبح أمرا مهما، لكن لفهم معنى هذه المظاهرات، ولمعرفة ما الذي حرك المتظاهرين ولماذا، فإن هذا أمر غاية في الصعوبة، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار القيود على حرية التعبير والاتصالات الدولية التي تنتشر الآن في إيران، وهويات وأجندات المتظاهرين مهمة لأجلهم، ومهمة لأن إيران بلد في دائرة الضوء دائما، وكثيرا ما يساء فهمها".
ويلفت الباحثون إلى أنه "ليس بالإمكان سؤال المتظاهرين كلهم، أو استطلاع آرائهم، لكن بيانات ذات معنى حول إيران متوفرة، ويمكن الاستفادة منها بمقارنتها مع خريطة المظاهرات، فحددنا المناطق التي شهدت على الأقل يوما من الاحتجاجات، بناء على الفيديوهات التي قام الناشطون بتحميلها على المواقع المحلية والعالمية، ثم قمنا بدراسة البيانات السياسية وبيانات الاقتصاد الاجتماعي لتلك المناطق، وباستخدام الانحدار اللوجستي البسيط استطعنا تقدير أثر تلك العوامل على المشاركة في الانتخابات والتطوير والثراء وعدد السكان ونسب البطالة عند اندلاع المظاهرات".
ويقول الكتّاب: "تظهر دراستنا أن الموجة الحالية من المظاهرات موزعة جغرافيا، وفي الغالب يحركها أكثر من مجرد الآلام الاقتصادية، ووجدنا أن 20.5% من المناطق الإيرانية شهدت على الأقل يوما من المظاهرات (89 من 429)، وكانت المشكلات الاقتصادية بمثابة الشرارة التي أشعلت المظاهرات، لكن بمجرد بداية المظاهرات يبدو أنها أيقظت استياء عميقا من الجمهورية الإسلامية بشكل عام، وفي الواقع تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أنه بالرغم من أن النظام اكتسب دعما بعد الانتخابات الأخيرة، وبالذات انتخابات 2017 الرئاسية، إلا أن ذلك التأييد تآكل منذ ذلك الحين".
ويبين الباحثون أن "التوزيع الجغرافي للمظاهرات يوفر فكرة عما حصل، فالمناطق التي قاومت ارتفاع سعر البنزين هي ذاتها المناطق التي كانت الأكثر استفادة من برامج التنمية الحكومية، وأصرت الحكومة على أن المظاهرات هي مؤامرة ضد الجمهورية الإسلامية، لكن تحليلنا يظهر أن إيران من خلال برامجها التنموية والاجتماعية طويلة الأمد جعلت المواطنين يقاومون السياسات النيوليبرالية، مثل رفع الدعم عن المحروقات، ويؤيد تحليلنا أن الشباب في إيران أصبحوا مصدر احتجاجات ضد الحكومة، وما دامت الحكومة لا تتعامل مع حاجات ومطالب هذا المكون الديمغرافي فإن المزيد من الاضطرابات ممكنة".
وينوه الكتّاب إلى أن "الزعيم الروحي الإيراني آية الله علي خامنئي يروج لفكرة أن التصويت في الانتخابات هو ما يثبت تأييد الجمهورية الإسلامية، وبالنسبة للمواطنين فإن التصويت هو واحد من الوسائل القليلة المتوفرة لهم للتعبير عن خياراتهم، لكن كما هو الحال في أي انتخابات في نظام استبدادي يتساءل الناخبون الإيرانيون إن كان التصويت حقا يوفر لهم وسيلة للتعبير عن خياراتهم: فهل يمكنهم مثلا التصويت لمرشح معتدل دفع النظام كله نحو الديمقراطية أو الليبرالية، أو على الأقل منع المتطرفين من المزيد من إحكام قبضتهم، أو إن كان التصويت أصلا يعطي شرعية للنظام".
ويقول الكتّاب إنه "لهذه الأسباب شعرنا بأن بيانات التصويت والخيارات الانتخابية كنز مهم لفهم مواقف المواطنين من الدولة، واستخدمات بيانات المشاركة في الانتخابات الرئاسية عام 2017 لمحاولة فهم مدى اعتقاد المواطنين في منطقة ما أن بإمكانهم متابعة مظالمهم ومطالبهم خلال مؤسسات الجمهورية الإسلامية، والمواطنون الذين لا يشاركون في الانتخابات في الغالب لا يعتقدون أن القنوات التي يوفرها النظام لذلك يمكن أن تكون فعالة بالنسبة لهم، ووجدنا أن المناطق التي كان فيها مستوى المشاركة في الانتخابات متدنيا هي الأكثر احتمالا للمشاركة في المظاهرات، وكان معدل المشاركة في الانتخابات في المناطق التي شهدت مظاهرات 13% أقل من المناطق التي لم تتظاهر، واستنتجنا أن المشكلات الاقتصادية هي الأكثر احتمالا لأن تلهم مظاهرات في المناطق التي تعاني من إحباط كبير من النظام برمته، ويمكن تفسير هذه النتيجة بأن المشكلات الاقتصادية حولت حالة الإحباط من النظام إلى أنشطة احتجاج".
ويجد الباحثون أن "هناك مفارقة عندما نقارن مظاهرات 2017- 2018، حيث لم ترتبط خارطة المظاهرات حينها بخارطة المظالم السياسية، وأحد الاحتمالات هو أن الإنترنت وقتها ساعدت على انتشار المظاهرات، في الوقت الذي تم فيه قطع الإنترنت في المظاهرات الأخيرة".
ويقول الكتّاب: "كما أردنا أن نعرف بالنسبة لمظاهرات هذا العام إن كانت لها علاقة أيضا باختيار الناخبين في الانتخابات بين الذين شاركوا، وفي انتخابات 2017 كان الرئيس روحاني هو المرشح المدعوم من الإصلاحيين، في الوقت الذي كان فيه إبراهيم رئيسي هو مرشح المتشددين، وتلك المناطق التي شهدت مظاهرات كانت قد صوتت بشكل أكبر لروحاني، فمعدل الأصوات التي حصل عليها روحاني في المدن التي خرجت فيها مظاهرات كان 59%، في الوقت الذي كان فيه معدل الأصوات التي حصل عليها في المدن التي لم تتظاهر 51%".
ويبين الباحثون أن "هذه النتيجة تشير إلى أن خيار المصوتين لروحاني كان براغماتيا، ولا يعكس اعتقادا أكثر عمقا بشرعية النظام كما يحب خامنئي أن يدعي".
ويشير الكتّاب إلى أن "روحاني وعد خلال حملته الانتخابية وعودا لم يحققها، مثل الإصلاحات السياسية وتحسين الوضع الاقتصادي الإيراني، وقد يكون بعض الناخبين محبطين بسبب عدم تمكنهم من معالجة المشكلة من خلال صناديق الاقتراع، فقرروا الخروج للتظاهر للتعبير عن غضبهم وإحباطهم".
ويلفت الباحثون إلى أن "ارتفاع الأسعار التي تسببت بإشعال المظاهرات له أسباب اقتصادية مباشرة: العقوبات الأمريكية، وسوء إدارة الحكومة وفسادها، كلها أدت إلى انكماش اقتصادي، لكن هناك عاملا أعمق يتعلق بالتنمية الإيرانية على المدى الطويل قد يكون ساعد على جعل ارتفاع أسعار المحروقات مسألة متفجرة بهذا الشكل".
ويفيد الكتّاب بأن "المظاهرات وقعت في أكثر الأماكن تطورا في إيران، فقمنا بقياس التطور في كل منطقة من نسبة المتعلمين، ونسبة طلاب الجامعات، وعدد أسرة المستشفيات العامة لكل 1000 نسمة، ونسبة البيوت التي تصلها الكهرباء، وكون زيادة التطور ترتبط بقوة مع زيادة الاحتجاج تتطابق مع حجة اكتسبت أهمية في دراسة التطور والحركات الاجتماعية، فقد وجد العلماء أن المواطنين في البلدان التي تقوم بالتطوير التي تستثمر في البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية، يحصلون على التمكين الذي يجعلهم يطالبون بمزيد من المشاركة السياسية، وعندما تقوم هذه الدول بانعطافة نيوليبرالية، وتحاول رفع الدعم اوالخصخصة، يصبح أولئك المواطنون هم المعارضة، فقال كارل ماركس ذات مرة إن الطبقة البرجوازية هي من تنتج من يحفر القبور لها، فيمكن القول إن الدول التي تسعى للتطوير تخلق معارضتها".
ويقول الباحثون إن "إيران دولة تطويرية استثمرت الكثير في التعليم والصحة والبنية التحتية على مستوى البلد، والمناطق التي تظاهرت هي تلك المناطق التي كانت الأكثر استفادة من هذا الدعم الحكومي، حيث الناس أكثر احتمالا لمعارضة سحب ذلك الدعم، ووصف المسؤولون الإيرانيون المتظاهرين بأنهم بلطجية، وصوروا الحراك في أنحاء البلد بأنه مؤامرة ضد الدولة موجهة من الخارج، لكن النتائج التي توصلنا إليها تثبت أن الجمهورية الإسلامية هي من مكنت المواطنين من معارضتها في الشارع".
وينوه الكتّاب إلى أن "المظاهرات قامت اليوم في مناطق تشترك في أنها متطورة ومأهولة ومتمدنة وفيها نسبة عالية من الشباب، وهي مناطق اختار غالبية الناخبين فيها عدم الانتخاب أو انتخاب المرشح المعتدل، ويتوقع أن تبقى هذه المناطق هي رأس حربة المعارضة السياسية في إيران".
ويختم الباحثون مقالهم بالقول: "كما أظهرت دراستنا فإن الممتنعين عن التصويت والمصوتين للمرشح المعتدل توحدوا في تلك المظاهرات، ويتوقع أن يولد قمع النظام لمظاهرتهم وحدة أكثر قوة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)