صحافة دولية

فورين بوليسي: ما حقيقة انتصارات روسيا في الشرق الأوسط؟

فورين بوليسي: نجاحات السياسة الخارجية الروسية مبالغ فيها- جيتي
فورين بوليسي: نجاحات السياسة الخارجية الروسية مبالغ فيها- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لأستاذ العلوم السياسية في جامعة سيتي في نيويورك، راجان مينون، يتحدث فيه عن حقيقة انتصارات روسيا وحجم التأثير الروسي في منطقة الشرق الأوسط والعالم. 

 

ويرى الباحث في مقاله، الذي جاء تحت عنوان "لا تصدقوا المبالغات.. روسيا تخسر في الشرق الأوسط ةالعالم"، أن انتصارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الواضحة في نشر النفوذ الروسي هي سراب، وبعضها كان باهظ الثمن.

ويبدأ مينون مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول إن "الغرب، ليبراليين ومحافظين، يبدون متفقين على أن روسيا عادت قوة عظمى ذات نفوذ عالمي، وفي روسيا نفسها، يؤكد خبراء السياسة الخارجية بأنه من الأفضل للغرب أن يعتادوا على عودة بلدهم الى الساحة مجددا".

 

ويستدرك الكاتب بأن "تلك التقديرات، التي يميل بعضها للتخويف، لا تصمد أمام الأدلة، فمن ناحية فإن إجمالي الناتج المحلي في روسيا أكبر بقليل من إسبانيا، وهي بلد عدد سكانها أقل من ثلث عدد سكان روسيا، وميزانية روسيا العسكرية أقل من عشر الميزانية العسكرية لأمريكا، وخمس ميزانية الصين العسكرية، وأقل من ميزانية اليابان العسكرية".

 

ويجد مينون أن "نجاحات السياسة الخارجية الروسية مبالغ فيها، فمثلا في سوريا فإن الرواية السائدة هي أن بوتين استغل عام 2015 تردد أوباما، وقام بالدخول إلى سوريا للتدخل عسكريا، وهو ما أعطاه اليد العليا في الصراع الدائر".

 

ويؤكد الكاتب أن "تحركات بوتين لا علاقة لها بأوباما، فقد كانت سوريا الشريك الاستراتيجي لروسيا منذ عام 1956، حين بدأت مبيعات الأسلحة من الكتلة السوفييتيه في ذلك العام، وبدأ تدريب الضباط السوريين والطيارين في تشيكوسلوفاكيا وبولندا الحليفتين، كما أن سوريا طلبت نشر القاذفات السوفييتيه والمقاتلات -وهو ما رفضه الكرملين- في ذلك العام بعد أزمة السويس، وللموازنة مع إسرائيل وتركيا، وخلال عقود الحرب الباردة كان الاتحاد السوفييتي هو المصدر الرئيسي للمساعدات الاقتصادية والسلاح، وفي عام 1971، بدأت السفن الحربية والغواصات السوفييتية تستخدم ميناء طرطوس، وفي 1980 وقعت دمشق وموسكو اتفاقا تضمن بنودا للتعاون الاستراتيجي".

 

ويقول مينون: "إذا نظرنا إلى تحرك بوتين بناء على هذه الخلفية فإننا سنرى أن مناورته هذه تتعلق أكثر بحماية استثمار استراتيجي طويل الأمد بدا أنه في خطر من منافسة أمريكا، فنظر إلى أن سقوط بشار الأسد سيؤدي إلى فوضى لفترة طويلة أو انتصار للمجموعات الإسلامية الراديكالية، وكلا الحالين ليسا في صالح روسيا".

 

ويجد الكاتب أنه "مع ذلك فإن القوة الروسية الجوية لم تكن كافية لتمكين الأسد من استرداد السيطرة على سوريا، حيث لا يمكن السيطرة على الأراضي إلا باستخدام قوات برية، ومع أن روسيا استخدمت مرتزقة قاتلوا في سوريا، إلا أن معظم القوات البرية كانت مقدمة من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله".

 

ويفيد مينون بأن "قرار إيران وحزب الله القتال في سوريا لم يكن تقسيما روسيا للجهود، فهما دعما الأسد لأسباب خاصة بهما، ورؤيتهما لمستقبل سوريا لا علاقة لها بالرؤية الروسية، بالإضافة إلى أنهما لم يقدما تلك الدماء ليسمحا لروسيا بأن تصيغ السياسة في سوريا وحدها، أي أن روسيا لم تنتصر حقيقة في سوريا، وعلى أي حال فإن سوريا ليست تلك الجائزة المهمة".

 

ويبين الكاتب أن "ثمن إعادة إعمار سوريا، التي تحول معظمها إلى أنقاض، يقدر بـ250 مليار دولار، وهو أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسوريا عام 2010، بحسب بيانات البنك الدولي، وذلك المبلغ هو أكثر بكثير مما يمكن لروسيا أن تقدمه، أما بالنسبة لصفقات الأسلحة المربحة المستقبلية لسوريا، فإن هناك إشكالية بسيطة، وهي من أين سيدفع الأسد ثمنها".

 

ويؤكد مينون أنه "تم تضخيم مكاسب روسيا في الشرق الأوسط، فموسكو طبعا كانت نشيطة في الصراع في ليبيا، لكن إحلال النظام في ليبيا ناهيك عن تحقيق نفوذ في بلد تمزقها الحرب يعد مهمة سيزيفية (أسطورة سيزيف الإغريقية)، وقد قامت إحدى حكومتي ليبيا بشجب استخدام روسيا للمرتزقة هناك، بالإضافة إلى أن روسيا هي واحدة من الدول التي تسعى لتحقيق نفوذ هناك، ومن بين داعمي حفتر الرئيسيين مصر والسعودية مثلا، وهما أقرب ولهما مصالح أكبر في مسار ليبيا".

 

ويشير الكاتب إلى أن "الحنكة الدبلوماسية الروسية في إسرائيل والسعودية ومصر لفتت الانتباه، وقد لعب بوتين أوراقه بشكل جيد، لكن في وقت الجد فإن تلك الدول كلها ستبقى تعتمد على أمريكا وهي مرتبطة بشكل أوثق، ولن يستبدل أي منها علاقته بأمريكا بالرغم من عدم مثاليتها للخيار الروسي".

 

ويلفت مينون إلى أن "الوضع في أفريقيا ليس أفضل بالنسبة لروسيا، فصحيح أن بوتين قام بعقد قمة حظيت بضجيج لرؤساء 43 دولة في سوتشي في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، والمثير للإعجاب أن ذلك العدد الكبير حضر القمة، لكن ليس من الواضح ماذا سيحقق ذلك الاجتماع لروسيا أكثر من الرمزية، فأمام روسيا طريق شاق إن هي أرادت أن تصبح لاعبا رئيسيا في أفريقيا، حيث من ناحية التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر تغطي على حضورها أمريكا وأوروبا والصين وتركيا والهند".

 

ويقول الكاتب: "صحيح أن موسكو حققت بعض المكاسب في القارة الأفريقية، خاصة في التجارة، فالواردات الأفريقية من أمريكا مثلا زادت بنسبة 7% فقط بين عامي 2006 و2016، في الوقت الذي تراجعت فيه الصادرات بنسبة 66%، وبالنسبة لروسيا زادت تلك النسب 142% و 168% بالترتيب، لكن تلك الزيادة هي لأرقام منخفضة أصلا، فمثلا التجارة مع أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وصلت قيمتها إلى 3 مليارات دولار عام 2017 مع روسيا مقارنة مع 55 مليار مع الصين، أما بالنسبة للاستثمارات الأجنبية فإن موسكو لا تخطط حتى لتكون من أكبر عشرة مستثمرين".

 

ويستدرك مينون بأن "وضع روسيا أفضل من ناحية مبيعات الأسلحة، ففي شمال أفريقيا تعد روسيا أكبر مورد للسلاح للجزائر، مع أن نصيبها من السوق تراجع من 90% خلال الفترة 2009 – 2013 إلى 66% خلال الفترة من 2014- 2018، إلا أن المغرب، وهو المستورد الرئيسي الآخر للأسلحة، فإنه يستورد 98% من أسلحته من أمريكا، وغطت روسيا 28% من حاجات أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من الأسلحة بين عامي 2014- 2018 و35% من حاجة نيجريا، أكبر مستورد في المنطقة للأسلحة".

 

ويقول الكاتب إنه "حتى في منطقتها المباشرة لم تحقق روسيا إنجازا، فمثلا ضم القرم عام 2014، ودعم المتمردين في شرق أوكرانيا، حول البلد، التي تعد الأهم بالنسبة لموسكو تاريخيا واستراتيجيا وثقافيا من دول الاتحاد السوفييتي السابق، إلى عدو لدود، وستبقى كييف منحازة إلى الغرب حتى لو لم يتحقق حلمها في الانضمام إلى حلف الناتو، ومع أن القومية الأوكرانية لها وجوه متعددة، إلا أن أحدها هو كراهية روسيا". 

 

ويبين مينون أن "التطورات في آسيا الوسطى تكشف عن مدى سطحية تصور روسيا في عهد بوتين تزحف من نصر إلى آخر، ففي ذلك الجزء من العالم، الذي كان ذات مرة جزءا من الإمبراطورية الروسية ثم الاتحاد السوفييتي، زعزعت الصين ما كان تاريخيا الثقل الروسي، إن لم تكن حلت محله، والتغير واضح في المجال الاقتصادي، حيث أصبحت الصين هي الشريك التجاري الرئيسي ومصدر الاستثمار، وإحدى علامات التحول: تدفق النفط والغاز من وسط آسيا شرقا إلى الصين بدلا من الشمال إلى روسيا – ومن خلال خط أنابيب صيني الصنع". 

 

ويؤكد الكاتب أن "روسيا مهمة، فهي بلد عدد سكانه 144 مليونا، وتمتلك الآلاف من الرؤوس النووية، ومليون جندي، وكميات ضخمة من الغاز والنفط، ومقعدا دائما في مجلس الأمن الدولي، وستكون لها أهمية دائما، ويجب على المراقبين ألا يستغربوا عندما تسعى خلف مصالحها في الخارج بطرق تتحدى الغرب".

 

ويختم مينون مقاله بالقول: "لكن فطنة موسكو الاستراتيجية ومكاسبها الملموسة ليست بالحجم الذي يتم الإجماع عليه، وفهم ذلك يحتاج إلى النظر بعين مفتوحة على جانبي دفتر الحسابات".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)