هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار الكشف عن وثائق مسربة من الاستخبارات الإيرانية، تلقي الضوء على شبكة عملاء ونفوذ طهران في العراق، ضجة كبيرة، الاثنين، واستثار تصريحات وتعليقات من مستويات مختلفة في بغداد، ما يطرح تساؤلات حول جديد التسريب عما هو معروف عن المعادلة السياسية في العراق.
ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" وموقع "الانترسبت" تقريرا مطولا، ترجمته "عربي21"، يلقي الضوء على أبرز ما ورد في نحو 700 صفحة، هي عبارة عن برقيات وتقارير مسربة من الأرشيف السري للاستخبارات الإيرانية.
اقرأ أيضا: وثائق استخباراتية مسربة تكشف شبكة عملاء إيران بالعراق
وتعود تلك الوثائق إلى الفترة بين عامي 2014 و2015، وتظهر مدى سيطرة طهران على مختلف مستويات الحكم في جارتها الشرقية، وصولا إلى محاولة تجنيد عملاء للولايات المتحدة وموظفا في خارجيتها.
ما الجديد؟
في حديث لـ"عربي21"، قال المحلل السياسي والخبير بالشأن العراقي، عمر المشهداني، إنه لم يتفاجأ بأي من التفاصيل الواردة في التقرير.
وأوضح "المشهداني" أن الجديد والمهم في التسريب هو "التوقيت"، مؤكدا أنه "مقصود بذاته لزيادة زخم الضغط على الحكومات المرتبطة بإيران".
كما شدد على اعتبار التسريب بأنه موجه، وبأن الجهة المعنية انتقت الوثائق والبرقيات، لافتا إلى أن بعض الأسماء تم الكشف عنها، فيما أخفيت أسماء أخرى.
"ضعف أمريكي متواصل"
بدوره، قال المحلل السياسي والأكاديمي "علي أغوان" إن التسريب "مدبر من الإدارة الأمريكية"، معتبرا أنه يظهر استمرار ضعف واشنطن على الساحة العراقية، وعجزها عن مواطهة طهران بشكل مباشر.
وأضاف أن الولايات المتحدة أرادت تحقيق هدفين رئيسيين من التسريب، يتمثل الأول في محاولة توسيع الهوة بين الشارع العراقي والطبقة السياسية، وبين أبناء الأحزاب والتيارات وقادتها، في وقت تشهد فيه البلاد موجة احتجاجات شعبية غاضبة.
وتابع أن الهدف الثاني يكمن في زيادة الشرخ بين شيعة العراق، بالتحديد، وإيران، وامتدادات "ولاية الفقيه" بشكل خاص.
خطوات أمريكية محتملة.. ولكن "حذرة"
ولم يستبعد "أغوان" أن تترتب على التسريب خطوات أمريكية ضد سياسيين عراقيين، لكنه أكد أن تلك الخطوات ستكون حذرة، تفاديا لفقدان واشنطن ما بقي لها من نفوذ وهيمنة على بغداد.
وأوضح، في حديث لـ"عربي21": "إذا شعرت واشنطن بوجود فرصة لتنفيذ خطوات، تحظى باحتمالية نجاح كبيرة، نحو تقليص نفوذ طهران، فإنها ستتخذها على الفور".
وشدد أغوان على أن النفوذ الأمريكي في العراق انهار بشكل متسارع منذ الانسحاب العسكري عام 2011، ومن ثم لم يعد لواشنطن مساحة كبيرة للمناورة، لافتا أن ذلك يشمل جميع الأوساط، بما في ذلك إقليم كردستان.
بدوره اعتبر "المشهداني" أن التفاصيل الواردة في التقرير معروفة داخليا إلى حد كبير، ولكن نشرها على الساحة الدولية، لا سيما عبر صحيفة كنيويورك تايمز، سيشكل إحراجا للطبقة السياسية في البلاد.
في التفاصيل
وبشأن بعض التفاصيل الواردة في التسريبات، لا سيما المتعلقة بطبيعة علاقة شخصيات سياسية وازنة بطهران، قال المشهداني: "لا يوجد سياسي ليست لديه تواصلات مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة على الساحة العراقي".
وأضاف أن العملية السياسية بالبلاد "مستباحة وليست رصينة لتمنع التدخلات الأجنبية".
وتابع أن إيران "لديها ذكاء وقدرة ورغبة باحتواء جميع الأطراف العراقية.. وإن بتفاوت في مستوى العلاقة".
وفي هذا السياق، لفت أغوان إلى تأكيد التسريبات على تفضيل طهران لـ"الولائيين"، الذين يؤمنون بولاية الفقيه وضرورة "الاقتداء" بمرشد "الثورة الإسلامية"، علي خامنئي، على حساب الأطراف الشيعية الأخرى، ولكن مع احتواء لمختلف الأطراف.
اقرأ أيضا: 4 سيناريوهات.. تقرير بريطاني يستشرف مشهد العراق في 2020
كما اعتبر أن الإسلام السياسي السني لم تكن لديه مشكلة أيضا، خلال تلك المرحلة، مع حزب الدعوة، الممثل الرئيسي لفكر ولاية الفقيه بالبلاد.
وبشأن حديث التسريبات عن قلق إيران، لدى تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة في بغداد، عام 2014، قبل أن تطمئن على استقرار نفوذها في حكومته، قال المشهداني إن العبادي لم يكن بعيدا عن دوائر طهران، حيث كان نائبا لسلفه "نوري المالكي" في قيادة حزب الدعوة.
بدوره قال أغوان إن رئيس الوزراء السابق سقط ضحية تشكيك من طرفي المعادلة، حيث كان يخشى الإيرانيون أن يكون أقرب إلى الولايات المتحدة، فيما كانت تعتبر الأخيرة أنه يبقى من رجال طهران في نهاية المطاف.
تجدر الإشارة إلى أن العبادي أصدر بالفعل بيانا بهذا الخصوص، انتقد فيه التسريبات، لكنه اعتبر أنها تثبت "وطنيته".
ووفقا لإحدى البرقيات الاستخباراتية المسربة، فإن رئيس الوزراء العراقي الحالي، عادل عبد المهدي، الذي كان يعمل في المنفى مع إيران ضد نظام صدام حسين، "يتمتع بعلاقة خاصة مع الجمهورية الإسلامية".
وسلطت الوثائق الضوء على دور قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ودوره الأساس في نفوذ طهران الذي يشمل جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والدينية في العراق، بحسب "الإنترسبت".
وأوضح تقرير الإنترسبت أن إيران تعتبر العراق ولبنان وسوريا عمقا حساسا لأمنها القومي، ومن ثم فإن شؤون هذه المنطقة يعهد بها، بشكل خاص، لسليماني وفيلقه "النخبوي" بالحرس الثوري.
وأضاف أن سفراء طهران لدى تلك الدول يتم اختيارهم من الرتب العليا بالحرس الثوري، وليس من وزارة الخارجية، ويعملون بالتنسيق مع وزارة الاستخبارات.
ويشير، استنادا للوثائق المسربة، إلى أن "زراعة المسؤولين العراقيين كانت جزءا أساسيا من عملهم، وقد سهلت عملهم التحالفات التي أقامها العديد من القادة العراقيين مع إيران أثناء نشاطهم في تنظيمات معارضة تقاتل صدام. العديد من كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين في العراق أقاموا علاقات سرية مع طهران".