هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تناقض بين إملاءات صندوق
النقد الدولي وإرادة صندوق الاقتراع
الأخذ بوثيقة المنتدى التونسي السبيل للإنقاذ
من العجز التجاري والخلل الاقتصادي
استمرار الهوة وتوسعها بين الطموحات الشعبية
والاختيارات الواردة في ميزانية تونس 2020
مشروع الميزانية العمومية لسنة 2020 وقع طبخه
وإعداده في ظروف اتسمت بانكباب الطبقة السياسية على الاستعداد لمواجهة محطات
انتخابية رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها، والميزانية في كل دولة تعتبر العمود
الفقري للسياسات العامة للدولة والمجسد الحقيقي للخيارات الاقتصادية والاجتماعية
المتفق عليها للتقدم سنويا بمعيشة الشعب نحو الأفضل من حيث توفير التعليم والأمن
والصحة والرعاية الاجتماعية ووسائل النقل العمومي وتنقية المناخ العام من
التجاذبات والصراعات الطبقية والمشاحنات السياسية والتوزيع العادل للثروة الوطنية
فهي إذن العاكسة لإرادة الدولة التي هي من إرادة الشعب لممارسة الحكم العادل.
وأصدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية
والاجتماعية يوم 25 أكتوبر الماضي تقريرا حول ميزانية تونس لسنة 2020 بعد انتخاب
تونس لرئيسها وبرلمانها وقعه رئيس المنتدى الأستاذ عبدالرحمن الهذيل، وأعتبره
شخصيا وثيقة أساسية حررها خبراء المنتدى الذين يتمتعون بعمق فكري وإستراتيجي
متميز، وأنا أنصح الحكومة القادمة التي هي بصدد التشكل بأن تستفيد من مجهود
المنتدى ومن التوجهات الكبرى التي تقترحها هذه الوثيقة لإنقاذ تونس من العجز
التجاري والخلل الاقتصادي والعنف الاجتماعي الراهن.
ويستخلص التقرير القيم أن نتائج الانتخابات
كشفت القطيعة العميقة بين هذه الطبقة والمجتمع، هذه القطيعة تبرز بصفة جلية عبر
التباين الشاسع والصارخ بين محتوى مشروع ميزانية يعكس بالأساس اختيارات وإملاءات
صندوق النقد الدولي من جهة وبين الإرادة الشعبية القوية والصارخة التي أفرزتها
نتائج صندوق الاقتراع للقطع مع السياسات والخيارات القائمة التي فشلت في تحقيق
مطالب واستحقاقات الثورة من جهة أخرى، يؤكد المنتدى أن هذه الإرادة وقع التعبير
عنها على مستوى الانتخابات التشريعية وبالخصوص على مستوى الانتخابات الرئاسية من
خلال الفارق الهام بين نسبة الإقبال الضعيفة على الانتخابات التشريعية والنسبة
العالية المسجلة في الانتخابات الرئاسية بجانب التعبئة الهامة والاستثنائية للفئات
الشبابية التي اختارت تدعيم مرشح للانتخابات الرئاسية ينادي بثورة جديدة عبر إرجاع
السلطة للشعب بعد فشل الطبقة السياسية في تحقيق وعودها، ومقاومة الفساد والإقرار
بعلوية القانون ورد الاعتبار للدولة لإقامة العدل والنهوض بالمسألة الاجتماعية مع
التشبث بالقيم الأخلاقية ونظافة اليد في العمل السياسي.
وقد أكدت نتائج الانتخابات فقدان الثقة في مجلس الشعب وفي النظام السياسي القائم ورفض الممارسات الحزبية المخجلة والصراعات السياسية العقيمة حول قسمة الغنيمة والاختيارات الاقتصادية والاجتماعية اللاشعبية والفاقدة لكل بعد تنموي واعد.
أما الإقبال الهام للشباب على الانتخابات
الرئاسية لحسم الدور الثاني تحت شعار "الشباب يريد الثورة من جديد" فقد
عبر عن رغبة عارمة للرجوع إلى نقاوة اللحظة الثورية الأولى لتكريس استحقاقاتها
وطموحاتها وقيمها. فبعد أن عبر الشعب بصفة حضارية وسلمية عبر نزوله إلى الشارع سنة
2011 عن رغبته في التحرر وفي الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ها هو يعبر مرة
أخرى سنة 2019 بنفس الطريقة السلمية عبر صندوق الاقتراع عن نفس الرغبة، لكن
بالرجوع إلى ميزانية 2020 نلاحظ استمرار الهوة وتوسعها بين الطموحات الشعبية
والاختيارات الواردة في هذه الميزانية، يخلص هذا التحليل الأمين للوضع التونسي إلى
أن مثل هذا المشروع لميزانية 2020 يؤكد مواصلة السلطة القائمة على الاكتفاء بتطبيق
إملاءات وشروط المؤسسات المالية العالمية والاقتصار على تصريف الأعمال في قطيعة
تامة مع الانتظارات الشعبية وطموحاتها في تحقيق تنمية بديلة ببعديها الوطني
والاجتماعي.
(العرب القطرية)