هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
«قالوا لفرعون: مين فرعنك؟ قال: ما لقيت حد يردني»، هذا هو حال محمد بن زايد نائب رئيس دولة «الإمارات العربية المتصالحة مع الاحتلال» وحاكمها الفعلي حتى منذ ما قبل إصابة أخيه الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة، بجلطة دماغية عام 2014، الذي تجددت بيعته مرة ثانية قبل أيام. لم يجد محمد بن زايد من يوقفه عند حده، فتمادى في أعماله وتصرفاته، إلى حد أنه يساعد دولة الاحتلال إسرائيل في محاولة لقلب المعادلة في الشرق الأوسط، وفقا لرؤية إسرائيل، بل اليمين المتطرف فيها ممثلا ببنيامين نتنياهو، الذي يأفل نجمه، وربما ينتهي به المطاف في السجن، مثله مثل سلفه أيهود أولمرت ورئيسه الأسبق موشيه قصاب، بعد إدانتهما بتهم فساد مالي وأخلاقي.
ويضرب ابن زايد عرض الحائط «مبادرة السلام العربية»، وهي المبادرة التي طرحها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، قبل أن تتبناها القمة العربية في بيروت عام2001 . ويتنكر لها الحاكم الفعلي في الرياض ولي العهد محمد بن سلمان، الذي كشّر هو الآخر عن أنيابه بالحديث، عبر مسؤولين سعوديين.
ولا يتعلم ابن زايد، كما يبدو من دروس غيره، فالوضع الأمني، الذي توفره له شركات أمن إسرائيلية، عبر وسطاء فلسطينيين، حسموا هم الآخرون أمورهم مقابل المال إلى جانب أعداء الشعب الفلسطيني. قد لا يكون كافيا لحماية نظامه، كما لم يكن كافيا أمن المؤسسات النفطية السعودية، الذي توفره لها أمريكا وشركاتها الأمنية، وعجزت بطاريات الباتريوت المضادة للصواريخ، التي تصل تكلفتها إلى مئات ملايين الدولارات، عن حمايتها من الصواريخ البالستية التي حطت أوزارها في المؤسسات النفطية وألحقت بها أضرارا كبيرة.
لقد أماط بن زايد اللثام عن وجهه الحقيقي البشع، ولم يعد بحاجة إلى المواربة ولا للتبريرات، بل أصبح يلعب على المكشوف، ولسان حاله يقول «واللي مش عاجبه يبلط البحر أو يشرب من البحر، واللي بيطلع بيده يطلع في مكان آخر». وبناء على هذا الاستنتاج حسم محمد بن زايد ـ «صاحب البسمة الساحرة، التي تغيظ الأعداء، كما يقول الصحفي الكويتي أحمد جار الله»ـ أخيرا موقفه بالانحياز الكامل إلى أعداء الشعب الفلسطيني ولا أسف عليه، وهذا اتهام لا يستهان به، صحيح أن الشعب الفلسطيني صبور، لكنه لا ينسى ولا يغفر لمن يسيء له، خاصة لمن يتطاول على قضيته ويخونها، أو حتى يحاول إلحاق الضرر بها، وسيحاسبهم جميعا حين يأتي يوم الحساب وهو ليس ببعيد، وإن غدا لناظره قريب.
ما استوجب هذه المقدمة الطويلة، ما كشفت عنه وسائل إعلامية إسرائيلية، قبل أيام ومفاده، أن دولة «الإمارات العربية المتصالحة مع دول الاحتلال» سمحت «للإسرائيليين» وخلافا لما كان الوضع عليه في الماضي القريب، بدخول أراضيها، بدون أي ترتيبات خاصة تتعلق بالحصول على تأشيرة دخول، لزيارة معرض «إكسبو 2020 دبي» وسيقيم فيه الإسرائيليون جناحا خاصا بهم في مدينة أبو ظبي، التي يؤمها الملايين سنويا، بتكلفة تصل إلى نحو20 مليون دولار، وسيتم فيه استعراض الابتكارات والتقنيات الإسرائيلية الأكثر تقدما وتطورا.
صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أوضحت، أن قرار «الإمارات المتصالحة مع دولة الاحتلال» بالسماح للإسرائيليين بدخول أراضيها، بجوازات سفرهم، كان يعد حلما للإسرائيليين، بأن تفتح إحدى الدول العربية أبوابها أمامهم. وها هو الحلم تحققه لهم «الإمارات المتصالحة مع دولة الاحتلال» وتكون المبادرة في فتح أبوابها للسياح الإسرائيليين حتى بعد المعرض. الإمارات تحب أن تكون دوما الأولى في كل شيء. ويؤكد نائب مدير السياحة في إمارة رأس الخيمة، محمد حاتم في تصريح لـ«يديعوت أحرونوت»، على أن مئات الإسرائيليين سيتمكنون من زيارة المعرض، كما أنهم سيتمكنون من زيارة الإمارات بعد انتهاء المعرض. وتتزامن خطوة فتح أبواب دولة الإمارات أمام الاسرائيليين، مع خطوة في الطريق الآخر لإغلاقه في وجه الفلسطينيين، وحتى المسؤولين الفلسطينيين المدعوين للمشاركة في مؤتمرات دولية، تستضيفها الإمارات، أو تقام فوق أراضيها، وهي الذريعة التي كانت تتحجج بها للسماح للمسؤولين الإسرائيليين بدخول أراضيها، كما حصل مع وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريغيف وغيرها التي استقبلت بحفاوة بالغة. فقد رفضت الإمارات منح قاضي قضاة فلسطين، بغض النظر عن رأي الكثيرين فيه، تأشيرة لدخول أراضيها للمشاركة في مؤتمر إسلامي، دعا إليه «مجمع الفقه الإسلامي» التابع لمنظمة التعاون الإسلامي. ليس هذا فحسب، فهي إمعانا في موقفها من الفلسطينيين، وجهت الدعوة لمفتي الديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين بصفة شخصية وليس بصفته الرسمية، وكأنها تسحب الاعتراف بدولة فلسطين. واعتبرتها القيادة الفلسطينية، التي تتابع بأعلى المستويات الأمر، بأنها تحمل إهانة شديدة للفلسطينيين، ولقامة دينية كبيرة مثل المفتي، وأنها خطوة تتساوق مع مخططات سلطات الاحتلال ضد مدينة القدس وقاماتها الدينية، الذين يدافعون عن المسجد الأقصى. وكشف النقاب أيضا عن أن العديد من المسؤولين الفلسطينيين الكبار، وبينهم وزراء، اشتكوا مؤخرا من المعاملة السيئة، التي تتسم بتعمد «الإهانة» خلال زيارتهم الأخيرة للإمارات للمشاركة في مؤتمرات دولية وعربية تعقد هناك. وتؤكد مصادر فلسطينية مطلعة، أن الخطوات الإماراتية هذه تأتي في سياق حملة مبرمجة تقودها السلطات هناك، للضغط على القيادة.
مشاركة شركات إلكترونية إسرائيلية في مشروع المدينة الجديدة «نيوم» على أراضي ثلاث دول هي السعودية ومصر والأردن
هذا الانحراف الإماراتي نحو دولة الاحتلال، لا يقتصر على محمد بن زايد، فولي العهد السعودي يسير على خطاه في التعامل مع دولة الاحتلال، ويشتري منها المعدات والبرامج الأمنية، التي تساعد النظام في التجسس على معارضيه في الداخل والخارج. وزاد بن سلمان في خطواته التطبيعية هذه بما يعكس ثقته الكبيرة بالإسرائيليين، وما هو مقبل، بإشراك شركات تكنولوجية سايبر إسرائيلية في التخطيط وبناء مدينة نيوم. فتحت عنوان: «إسرائيليون يشاركون في تخطيط «نيوم» السعودية»، نقلت «يديعوت أحرونوت» تأكيدا من مصدرين سعوديين، أن أصحاب مشاريع إسرائيليين في مجال التكنولوجيا والسايبر، يشاركون في التخطيط والبناء في المدينة السعودية المستقبلية، وهذا يعطي نوعا من المصداقية لما كشفت عنه «القناة 12» العبرية، حول توجه إسرائيلي مدعوم من الإدارة الأمريكية قائم على أساس الترويع والتخويف من البعبع الإيراني، لتوقيع اتفاق بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية، يشمل عدم شن «أعمال عدائية»، كخطوة نحو التطبيع الكامل المجاني مع «إسرائيل». وتقول الصحيفة إنه في غياب حكومة إسرائيلية مستقرة، وغياب الأرضية المناسبة لإطلاق صفقة القرن، سعت الإدارة الأمريكية للبحث عن قناة جديدة تتمثل في مبادرة أعدها وأشرف عليها وزير الخارجية الإسرائيلية.
وأخيرا، فإن العلاقات بين إمارات محمد بن زايد ودولة الاحتلال تعود لأكثر من عقد، ويعود الفضل فيها إلى فلسطينيين استغلوا الظروف وخبراتهم وعلاقاتهم مع رجال أمن إسرائيليين، وفتحوا أبواب إمارات بن زايد أمام شركات دولة الاحتلال الأمنية، إلى حد أنه أصبح لهذه الشركات نفوذ كبير، وأصبحت مسؤولة عن حماية الكثير من المؤسسات الرئيسية فيها. وجاء التقدم الإسرائيلي في تكنولوجيا التجسس والسايبر في السنوات الأخيرة ليعزز هذه العلاقات، عبر توفير أجهزة التجسس على الهواتف الذكية.
وأختتم بالقول لمن حرف أغنية «الأرض بتتكلم عربي، الأرض الأرض» للمطرب الراحل سيد مكاوي، بإضافة «يا خوفي تتكلم عبري»، نعم يا سيدي مخاوفك حققها إليك محمد بن زايد ووزارة سياحته التي تعد نفسها للمستقبل، فأصبح الخليج ممثلا بنائب مدير السياحة في إمارة رأس الخيمة، ينطق بالعبرية، مرحبا بالإسرائيليين الذين سيزورون الإمارات: «بروخيم هبائيم» (أهلا وسهلا)».
(القدس العربي)