مدونات

ألا نكتب عنك سيدتي في الشهر الوردي؟

زهرة خدرج - كاتبة فلسطينية
زهرة خدرج - كاتبة فلسطينية
اعتذر لنزار قباني ومحبيه قبل أن أحرِّف كلماته وأقول:

أنا عنك ما أخبرتهم.. لكنهم لمحوك تثورين في أعماقي

أنا عنك ما حدثتهم.. لكنهم شهدوا ظلك في كتاباتي

أُدرك جيداً بأن الجهات المسؤولة عن الصحة العالمية قد جعلت من شهر تشررين الأول/ أكتوبر شهراً للتوعية بسرطان الثدي لدى النساء، وأسمته بالشهر الوردي، وهنا سأستعير التسمية فقط.. حيث سأبقى أدور في فلكك سيدتي ولكني سأكتب عن أشياء أخرى تخصك بعيداً عن الصحة ومرض السرطان.

قلبي لا يطاوعني بأن أدع الشهر الوردي يمضي مقفراً دون أن أكتب عنكِ وإليك.. أكتب عن آلامك.. أوجاعك.. عواطفك.. همومك.. الأخطار التي تتعرضين لها.. الانتهاكات التي تنال منك ليل نهار دون أن يرف جفن لسجانٍ أو جانٍ أو طاغٍ.

أكتب يا سيدتي عن ما يؤرقك.. فاقبلي مني هذه الكلمات القليلة الهزيلة، التي أبذلها على محرابك لأني لا أملك الآن سواها.. فاقبلي اعتذاراتي.

أعلم أنكِ لا تبحثين عن من يكتبك أشعاراً ووصفاً لجمال عينيك وفتنة جسدك.. أشعارا تموت في قلب الورق.. أو تغرق في بحر الأحبار.. كلمات تجف ما إن تولد حتى قبل أن تنطلق تحت ضوء الشمس وظل المطر..

أراكِ يا من تسابقكِ دموعكِ وتهيج عواطفكِ مثل بركان لا يخمد، تتعطشين لقلوب صافية، كريمة، شهمة.. تحبك وتضحي من أجلك.. تساندك في لحظات ضعفك.. تشد من أزرك حينما تتوالى عليك الأرزاء.. تؤمن بحريتك جزء لا يتجزأ من حرية الأوطان.. تثق بك وتعينك في حمل المسؤوليات التي تثقل كاهلك.. دون أن يغيب عن خاطرها بأنك مربية الأمم ومصنع الأبطال والرجال والقادة.. قلوب يعجبها أن تكوني المثقفة الواعية القوية التي تدافع عن نفسها وحقها دون أن تُلصق بها تهم شتى مُغرضة.

قد يكون لكل امرأة عربية خصوصيتها التي تنفرد بها عن غيرها من النساء، برغم الهمِّ العامِّ الذي يلمُّ شعث جميع نساء العرب.. ولكن اسمحوا لي أن أولِّي المرأة الفلسطينية ها هنا اهتمامي، وأتناولها بالتفصيل.. ولتسامحني بقية النساء في بلادنا الممتدة من المحيط إلى الخليج وهن صاحبات الهموم التي لا تنضب، والآلام التي لا تسكن.

في الشهر الوردي ترابط نساء فلسطين على أبواب المسجد الأقصى يذدن عنه نيابة عن أمة المليار فيتعرضن للسحل والشتم والضرب والإهانة والاعتقال.. وتهتف حرائر فلسطين في مسيرات العودة الكبرى وتنتفض أمام الأسلاك الشائكة وأمام فوهات بنادق المحتل الغاشم رفضاً للحصار والاحتلال.. وخلف قضبان الزنازين تُعتقل نساء فلسطين وتُعذب وتُحاكم على تهم باطلة هدفها كسر إرادتها وتطويعها لتتنازل عن حقوقها.. وتجد نساء فلسطين في حقول القمح والزيتون وبيارات البرتقال وكروم العنب بسواعد مشمرة، يدَّهنَّ بأشعة الشمس حتى يصبح لونهنَّ بلونها.. وفي المواجهات ترى الواحدة منهن بعشرة رجال!

في فلسطين تُهدم البيوت ويستشهد الرجال ويُعتقل الأبناء فتصمد النساء وتكمل المسير في الدرب الوعر وحيدة فريدة، لا تمل من سرد حكاية فلسطين على أسماع الصغار حتى تصبح جزء من تفكيرهم وخيالهم وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم..

وفي فلسطين أيضاً تبقى النساء شامخات برغم ما يثقل عواتقهن من أعباء ينوء تحتها أشد الرجال، فهموم الأسرة وتربية الأبناء وملء الفراغ الذي يتركه استشهاد الزوج أو أسره وتدبير الشؤون الاقتصادية للبيت وتنظيم الوقت بين العمل في الخارج وتلبية احتياجات جميع الأفراد، تتحرك المرأة  مثل مولد الطاقة الذي لا يكلُّ ولا يملُّ ولا يسمح لنفسه بقليل من الراحة والهدوء.. يصبرن ويصابرن دون أن يخالج الاستسلام قسمات أرواحهن.

فأين من يكتبون الشعر والمعلقات؟؟ فليكتبوا أشعارهم في هاتيك المرأة.. وليسألوا أنفسهم: هل ما زالت المرأة هي ذات المرأة المتجمدة في الصورة التي يحملها فكرهم عنها؟ هل ما زالت هي العورة التي عليهم إخفاؤها خلف ورقة التوت؟؟ هل ما زال الرجل العربي يتمناها بلهاء خرساء أمية ضعيفة؟؟ وهل تستطيع امرأة بهذه الصفات أن تربي مجتمعاً بأكمله وتنهض به؟؟

تحية إلى كل امرأة عظيمة في الشهر الوردي..
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم