هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قبل أيام فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على مسؤولين حكوميين صينيين على خلفية انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في إقليم شينجيانج في غرب الصين. ووثقت تقارير مختلفة لانتهاكات واسعة يتعرض لها ما يقرب من 23 مليون مواطن صيني يدينون بالإسلام.
وتعد طائفة الأويغور أهم الطوائف الإسلامية الصينية، وطبقا لـ"بي بي سي" فقد سجنت السلطات الصينية أكثر من مليون شخص من هذه الأقلية العرقية في معسكرات تهدف إلى محو الهويتين العرقية والدينية.
وذكر وزير الخارجية مايك بومبيو في
تغريدة له عقب إصدار القرار الأمريكي "لقد احتجزت الصين بالقوة أكثر من مليون
مسلم في حملة وحشية ممنهجة للقضاء على الدين والثقافة في شينجيانج"، وأضاف
بومبيو "يتعين على الصين أن تضع حدًا لعمليات المراقبة والقمع الوحشية، وأن
تُفرج عن جميع من تم اعتقالهم بشكل تعسفي، وأن تكف عن ممارسة الضغط والإكراه على
المسلمين الصينيين في الخارج".
حكومة الحزب الصيني الشيوعي من جانبها ترى أن
هناك ثلاث قوى شريرة يجب استئصالها في مناطق غرب الصين وهي "التطرف والإرهاب
والنزعة الانفصالية".
وتحاول السلطات الصينية منذ عقود وقف انتشار
الإسلام من أجل الحفاظ على تأثيرها في شينجيانج. وتقول السلطات الصينية كذلك إن
المنطقة تتعرض لتهديد خطير من هجمات مسلمين متشددين يسعون لإثارة التوتر بين
الأقلية المسلمة وإثنية "هان" التي تشكل الأغلبية من السكان في هذا
الإقليم وفي بقية أقاليم الصين.
وترى الحكومة الصينية أن سياساتها قد أعادت الأمن
إلى شينجيانج، وأن هناك حفاظا على حقوق الإنسان الأساسية للأشخاص من جميع الجماعات
العرقية في الإقليم. وأنه لم يقع هجوم إرهابي واحد منذ ثلاث سنوات وأن الناس لديهم
إحساس أقوى بالسعادة والإنجاز والأمن.
ولا شك أن واشنطن تستغل هذه القضية لتحقيق
مكاسب في صراعها الأوسع مع الصين الذي أصبح له أوجه سياسية ودبلوماسية وعسكرية
وقبل ذلك اقتصادية. لم يقتصر التنديد بما يجري للمسلمين في غرب الصين على واشنطن.
ودخلت الأمم المتحدة على خط توجيه الانتقادات للصين عن طريق "لجنة الأمم
المتحدة للقضاء على التمييز العنصري" التي أشارت إلى أنها تلقت العديد من
التقارير "الموثوق بها" عن احتجاز الصين لحوالي مليون شخص من أقلية الأويغور
المسلمة بدعوى مكافحة التطرف.
ودعمت اللجنة موقفها بالتقارير التي تشير إلى أن نحو
مليونين من الأقلية المسلمة أجبروا على الدخول في "معسكرات تلقين سياسي
وثقافي" في منطقة شينجيانج ذاتية الحكم في غرب البلاد، وإلى وجود حوالي مليون
شخص في مراكز احتجاز "لمكافحة التطرف".
ومع توجيه انتقادات غربية وأممية واسعة للصين،
ضاعفت بكين جهودها في الاتجاه المقابل ونجحت في توجيه رسالة مؤيدة للسياسات
الصينية تم الإشادة فيها "بإنجازات الصين الملحوظة في مجال حقوق
الإنسان".
ووقفت 37 دولة إلى جانب الصين ووجهوا رسالة إلى الأمم المتحدة، وجاء في الرسالة "في مواجهة التحدي الخطير المتمثل في الإرهاب والتطرف اتخذت الصين سلسلة من إجراءات مكافحة الإرهاب والقضاء على التطرف من بينها إقامة مراكز التعليم المهني والتدريب".
ودعمت الصين دولا مثل روسيا وكوريا الشمالية
وكوبا وفنزويلا وميانمار وعددا من الدول الإفريقية، إلا أنه من المثير قيام دول
إسلامية وعربية بدعم الصين هي السعودية وسوريا وباكستان وسلطنة عمان والكويت وقطر
والإمارات العربية المتحدة والبحرين.
مثل دعم دول عربية إسلامية للسياسات الصينية
مفاجأة للكثير من الخبراء، إلا أن حجم المفاجأة يتلاشى مع إدراك حجم التوسع في
العلاقات الصينية مع دول الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة.
ولأسباب داخلية بالأساس لم ترحب الصين بثورات
الربيع العربي التي رفعت لواء الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
والصين
بصفة عامة لا تكترث بالسياسات الداخلية للدول إلا في إطار ما قد يؤثر على علاقاتها
الاقتصادية والتجارية بها، كذلك لا ترغب الصين في تصدير نموذج سياسي للحكم لتفرضه
على بقية دول العالم. وفي الوقت الذي عبرت دوائر غربية مختلفة عن ترحيبها بأحداث
الربيع العربي، تحفظت الصين واعتبرت ما يجري بمثابة مشكلة أو أزمة تتعرض لها الدول
العربية، من هنا لم تعتبر الصين سقوط نظام الرئيس حسني مبارك أو نظام معمر القذافي
أو نظام على عبدالله صالح أخبارا جيدة.
تتواصل الصين حاليا مع الشعوب العربية بصورة
مباشرة، فقد أنشأت الصين وسائل للاستفادة من قوتها الناعمة وأطلقت خدمات صحفية
وإعلامية باللغة العربية موجهة للمواطن العربي، وللمساعدة في التقرب من النخب
السياسية الحاكمة سواء النخب العربية الملكية أو الجمهورية التي تطلعت دوما
للنماذج الغربية الثقافية والتعليمية والاجتماعية.
من ناحية أخرى تظهر تقارير مختلفة تطور حجم التبادل التجاري بين الصين والعالم العربي بصورة كبيرة جدا لم تشهدها علاقات العرب بأي من الشركاء التجاريين الآخرين. وأصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية بعد مجموعة دول الاتحاد الأوروبي (27 دولة). وأصبحت الدول العربية أكبر مصدر نفط للصين وثامن أكبر شريك تجاري لها.
كذلك أظهر تقرير صدر مؤخرا عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات تخطي الصين الولايات المتحدة لتصبح أكبر مستثمر في الدول العربية بنسبة 32% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو ما قيمته 29.5 مليار دولار، في حين لم تتعد الاستثمارات الأمريكية 7 مليارات دولار أو ما نسبته 8% فقط.
وتعكس خطوات الصين
الاقتصادية بالاستثمار في مناطق حرة صناعية أو في إنشاء شبكات متنوعة من مشروعات
البنية التحتية طموحا كبيرا في علاقاتها المستقبلية بالدول العربية، وعلى سبيل
المثال أصبح هناك وجود بشرى صيني كبير في العالم العربي، إذ يوجد ما يزيد على ربع
مليون مواطن صيني في إمارة دبي الإماراتية وحدها.
موقف صعب تواجهه الدول العربية تجاه أزمة مسلمي
الصين، إلا أن التوازن في الجمع بين علاقات قوية متطورة مع الصين من ناحية، وحث
الحكومة الصينية من ناحية أخرى على احترام حقوق مواطنيها المسلمين هو المعادلة
الصعبة التي يجب أن تضبطها الدبلوماسية العربية.
(الشروق المصرية)