صحافة دولية

فورين بوليسي: هذه قصة نهاية شركة أمنية روسية قاتلت بسوريا

فورين بوليسي: "واغنر" لم تعد الشركة الرئيسية في سوق التعهدات الأمنية- جيتي
فورين بوليسي: "واغنر" لم تعد الشركة الرئيسية في سوق التعهدات الأمنية- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا أعده الصحافي الكندي المقيم في العاصمة الأرمنية يريفان، نيل هوير، تحت عنوان "صعود وسقوط جيش المرتزقة الروسي"، يتحدث عن الهزيمة القاتلة في سوريا، التي وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شركة التعهدات الأمنية "واغنر" فيها هناك. 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن هذه الشركة السرية التي تقوم بمهام نيابة عن الكرملين في سوريا وأوكرانيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، تبدو وكأنها شيء خارج من روايات توم كلانسي (كاتب الروايات البوليسية).

ويفيد هوير بأن شركة "واغنر" جاءت نتيجة رغبة روسية لإنكار أي دور لها في العمليات العسكرية في خارج البلاد، مشيرا إلى أن الشركة كانت على الخط الأمامي من العمليات في شرقي أوكرانيا وسوريا، ولعدة سنوات، قبل أن تصبح موضوعا لعناوين الأخبار في العملية الجريئة ضد القوات الأمريكية وحلفائها الأكراد في شمال شرقي سوريا، شباط/ فبراير 2018.  

وتلفت المجلة إلى أن شركة "واغنر" كانت قبل ذلك تعلم واقعا جديدا تشكل من خلال سياسة روسية عدوانية في الخارج، لكن الشركة كانت أقل تأثيرا مما بدت أو كشفت عنه العملية. 

وينوه التقرير إلى أنه كشف في الأشهر الأخيرة عن تراجع في حظوظ الشركة، ففي 28 تموز/ يوليو كشف تحقيق قامت به المجلة المستقلة "نوفايا غازيتا" عن أن مرتزقة ثلاثة قتلوا في وسط سوريا لم يكونوا أفرادا في شركة "واغنر"، بل كانوا جزءا من شركة أخرى اسمها "شيلد". 

ويعلق الكاتب قائلا إن حقيقة مقتل الثلاثة في صحراء سوريا يعني أنهم كانوا يعملون في منطقة تعد مركزا لعمليات "واغنر"، التي أدت دورا في استعادة مدينة تدمر عام 2016، ثم استعادتها مرة أخرى عام 2017. 

 

وتذكر المجلة أن تقريرا آخر لموقع "ميدوزا" تحدث مع أحد المتعهدين الأمنيين الذين تم نشرهم في فنزويلا، عندما وصلوا إلى هناك في كانون الثاني/ يناير، حيث اعتقد المراقبون أنهم مرتزقة تابعون لشركة "واغنر" أرسلوا لدعم نظام نيكولاس مادورو، الذي يواجه عقوبات واحتجاجات، فيما اعتقد بعض المراقبين الغربيين أن هذا التحرك دليل على التأثير الذي باتت تمارسه الشركة في سياسة الكرملين، وتعزيز وضع الحلفاء في الخارج. 

ويستدرك التقرير بأن تقرير "ميدوزا" يشير إلى أن المجموعة التي أرسلت إلى فنزويلا كانت جزءا في مهمة استمرت عاما لحراسة المنشآت التابعة لشركة النفط الروسية "روسنفط" في العاصمة كراكاس، مشيرا إلى أن موظفا يعمل مع الشركة منذ وقت طويل أكد في مقابلة معه أن الشركة لم تؤد دورا في الوضع الحالي في فنزويلا. 

ويقول هوير إن عددا من مقاتلي الشركة تم تسربوا إلى شركات أخرى، مثل "باتريوت" و"شيلد"، وفقدت استقلالية القرار، ولم تعد تشارك في مهام قتالية، بل واجبات حراسة في سوريا، مشيرا إلى أن "واغنر" لم تعد الشركة التي كانت قبل عملية شباط/ فبراير 2018، فتم قصقصة أجنحة الشركة نظرا لخسارتها أهم جنودها في تلك العملية الفاشلة.

وتشير المجلة إلى أن مواجهة "واغنر" مع القوات الأمريكية في دير الزور، في شباط/ فبراير كانت بداية النهاية لها، ففي ذلك الشهر قام حوالي 600 من مرتزقة "واغنر"، وبدعم من المصفحات والمدفعيات، بالهجوم على مواقع لقوات سوريا الديمقراطية، ذات الغالبية الكردية، لافتة إلى أن ما لم تكن "واغنر" تعرفه هو وجود المستشارين الأمريكيين مع المقاتلين الأكراد.  

ويستدرك التقرير بأن الشركة استطاعت مواصلة الهجوم لمدة 4 ساعات أمام وابل من القصف المدفعي والصاروخي والمروحيات، وحتى طائرة إي سي- 130، وعندما انجلى غبار المعركة تبين أن 300 من 600 مرتزق قتل أو جرح في أول مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا منذ حرب فيتنام. 

 

ويجد الكاتب أن الجانب الأكثر إثارة للدهشة في هذه المواجهة أنها تمت دون معرفة أو توجيه واضح من الكرملين، مشيرا إلى أن المكالمات التي جرت بين مدير الشركة يفغيني بريغوجين المعروف بطاهي بوتين، تظهر أنه قرر الهجوم بعد محادثات مع رجال أعمال في سوريا.

 

وتلفت المجلة إلى أن بريغوجين يدير بالإضافة إلى عمله في مجال الطعام، شركة نفط وغاز في المنطقة، وتعرض لعقوبات أمريكية بسبب التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية عام 2016، وآخر مرة فرضت فيها عليه عقوبات كانت في 30 أيلول/ سبتمبر. 

ويفيد التقرير بأن الرد المفكك من روسيا كان يشير إلى أن الكرملين لم يكن على علم بالعملية، فبعد أسبوع أقرت الحكومة بمقتل عدد من المقاتلين الروس غير الجنود في سوريا، وقالت إن عددهم خمسة ثم زاد العدد إلى "عشرات". 

وينوه هوير إلى أنه بحسب مصادر مقربة من وزارة الدفاع نقل عنها موقع "بيل"، فإن المسؤولين شعروا بالصدمة، وكان على بريغوجين التذلل أمام الكرملين، مؤكدا أن هذا لن يحدث مرة أخرى. 

وتبين المجلة أنه في الوقت ذاته تم نقل عمليات الشركة إلى أفريقيا، في محاولة من الكرملين البحث عن فرص تشبه أوكرانيا وسوريا، وفي دول مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق وجنوب السودان. 

ويجد التقرير أن البحث عن فرص لتدريب أعداد من المليشيات في جمهورية أفريقيا الوسطى، ومنافسة إريك برينس مدير شركة "بلاكووتر" سيئة السمعة، غير الدور القتالي الذي كانت تقوم فيه في سوريا وبدعم من الطيران الروسي، وبوجود منافسين، مثل "باتريوت" و"شيلد" المرتبطتين بوزارة الدفاع الروسية، و"فيغا"، فإنه من المحتمل أن تكون أيام "واغنر" بصفتها متعهدا رئيسيا قد قاربت على النهاية. 

ويقول الكاتب: "يبدو أن نهاية (واغنر) لم يكن مدعاة للحزن عند الكرملين، وتم إضعاف الشركة دون أي ضجة، ووزع العاملون فيها إلى عدد من الشركات الأخرى، ولم يظهر بريغوجين في الضوء مرة أخرى، ولم يحاول تعقيد الأمور خشية تعريض منصبه للخطر، ولم تكن لنهاية دور (واغنر) آثار على الدور الروسي في سوريا، فموسكو لم تعد بحاجة لقوات غير نظامية هناك، بل إنها خففت من مستوى حضورها هناك بعدما انتهت العمليات الرئيسية، ونهاية تنظيم الدولة عام 2017". 

وتفيد المجلة بأن الوضع ذاته كان في أوكرانيا، حيث استقر الوضع في شرقي البلاد بمواجهات متفرقة لم يكن لـ"واغنر" أي حاجة للقتال فيها، مؤكدة أن صعود الشركة كان مثيرا للقلق؛ لأن الجيوش الخاصة في روسيا ممنوعة في القانون، والشركات الأمنية كلها غير موجودة في الواقع، فيما لم تنجح كل محاولات تنظيمها قانونيا؛ لأن الكرملين يريد أن يظل متحكما بها. 

ويشير التقرير إلى أن "واغنر" تطورت في هذا الفراغ من مجرد مشروع مؤقت على يد موظفين طامحين، من مجموعة "موران" الأمنية، الشركة الأمنية الروسية، إلى شركة تعهدات خاصة بأسلحة ثقيلة، وأكثر من خمسة آلاف مقاتل، وأصبحت من أقوى البنى الأمنية الخاصة في مجال المواد والمقاتلين، خارج البنى الأمنية الخاصة، وأقوى من جهاز الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف، الذي يدير جيشا خاصا قوامه عشرات الآلاف من الجنود. 

ويقول هوير إن "القوى الخاصة ستمثل تحديا لروسيا في نهاية ولاية فلاديمير بوتين عام 2024، بعيدا عن صورة الزعيم القوي الذي يقود من خلال سلسلة من التنازلات مع القوى السياسية والعسكرية ورجال الأعمال، وأهم من هذا كله القوى الأمنية". 

وتجد المجلة أنه في الوقت الذي يظهر فيه نظام بوتين مستقرا، ويبدو منسجما للمراقب الخارجي، فإنه نظام قائم على فرد واحد، وتعاني المؤسسة الأمنية من حرب فصائلية، يحاول كل فصيل فيها السيطرة على بنية معينة من البلاد. 

ويلفت التقرير إلى أن "بوريس يلتستين وجد صعوبة في السيطرة على مؤسسات الدولة الأمنية والحرب في الشيشان، وازدهار تجارة وتهريب النفط لمنفعة رجال الأمن، طبعا يظل الأمر مرتبطا ببوتين وإن كان سيترك السلطة بحلول عام 2024، لكنه يظل شخصا ليس أبديا، وهذا يعني أن السباق على خلافته سيبدأ عاجلا أم آجلا، وفي روسيا التي تنتشر فيها الجيوش الخاصة يتبع أفرادها لمن يقودها تظل المشكلة قائمة". 

ويذكر الكاتب أن شركة "واغنر" لا تزال تؤدي دورا مساعدا، وظهر رجالها في ليبيا لتقديم الدعم للجنرال خليفة حفتر، وإنعاش حملته للسيطرة على العاصمة طرابلس، فيما هناك تقارير تحدثت عن وجود مقاتليها في إدلب، رغم عدم وجود فيديو أو صور تؤكد هذه المزاعم. 

وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن ما يهم هو أن "واغنر" لم تعد الشركة الرئيسية في سوق التعهدات الأمنية، وأجبرت على العمل في وحدات صغيرة إلى جانب شركات منافسة جديدة وقديمة.

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)