هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عقد الكنيست الإسرائيلي الثاني والعشرون يوم أمس، اجتماعه الأول، وهو اجتماع احتفالي، يلقي فيه عادة رئيس الدولة خطابا وكذلك رئيس الكنيست، ثم يتبادل الأعضاء المحتفون بوصولهم للبرلمان بعد معركة انتخابية، الصور التذكارية، وذلك بعد نحو خمسة شهور فقط من الاحتفاء السابق بانتخاب الكنيست الواحد والعشرين، الذي سرعان ما تم فضه، بسبب عجزه عن تشكيل حكومة تستند إلى الأغلبية البرلمانية حتى لو كانت بسيطة.
لا أحد يمكنه أن يتوقع ماذا سيكون مصير هذا الكنيست، وإن كان سيتم حله هو الآخر كما حدث مع سابقه، أم إنه سيبقى ولو إلى حين، لكن لا بد من ملاحظة مقاطعة النواب العرب الثلاثة عشر، الذين يمثلون القائمة المشتركة التي فازت بثالث أعلى الأصوات بعد المتنافسين على تشكيل الحكومة، حزبي "كاحول لافان" و"الليكود"؛ وذلك احتجاجا على تزايد العنف داخل المجتمع العربي في إسرائيل.
لا بد من ملاحظة أن تزايد حدة التمييز على الأساس العنصري كانت واحدة من الأسباب التي دفعت
الجمهور العربي/الفلسطيني داخل إسرائيل للتلاحم ضمن إطار القائمة المشتركة، والتصويت بقوة، والتوجه إلى الانتخابات بممثلين وطنيين للكنيست، حيث لوحظ أن التمثيل العربي من خلال الأحزاب الصهيونية في انحسار، حتى وصل في هذا الكنيست إلى أدنى مستوى له، بعضوين فقط، وقد كانت مطالب أو شعارات القائمة تركز على مواجهة التمييز العنصري المتزايد ضد العرب من مواطني الدولة، بعد تفشي اليمين المتطرف في إسرائيل.
ولعله من الضروري هنا، استعراض مسار التحول الداخلي منذ توقيع اتفاقات أوسلو التي جاءت نتيجة الانتفاضة داخل حدود دولة فلسطين المحتلة، أي مناطق الـ67، وبعد انتهاء الحرب الباردة وحرب الخليج الثانية، حيث فرضت تلك التطورات في حينه انكفاء مؤقتا أو عابرا على صعود اليمين، الذي كان يحكم في إسرائيل بشكل متواصل، منذ عام 1977، لكن بعد وقت قصير، هاج اليمين ومارس التحريض ضد اليسار وصولا إلى مقتل إسحق رابين، وعودة اليمين إلى الحكم، حيث قاد عملية "قتل" أوسلو، وإغلاق الأبواب أمام التوصل لحل تاريخي للصراع بين إسرائيل وفلسطين، على أساس حل الدولتين.
بتقديرنا، فإن بقاء إسرائيل حتى اللحظة، دون ترسيم لحدودها الخارجية، كذلك دون تأكيد لطبيعتها الداخلية، يبقي عليها كدولة في "طور النشأة والتشكيل"، ويفعل هذا اليمين بالتحديد لاعتقاده بأنه يمكن تحقيق أكبر قدر من المكاسب الخاصة، على ضوء حالة النظام العالمي ما بعد الحرب الباردة، دون أن يدرك بأن هذه الحالة ليست إلا حالة عابرة ومؤقتة، ولا يمكنها أن تبقى طويلا على هذه الشاكلة.
يترافق، إذا، الموقف الخارجي مع السياسة الداخلية، ذلك أن أيدولوجيا نفي الآخر، لا يمكنها أن تستقيم وأن تظفر بدولة نقية، إلا عبر العزلة الخارجية، واتباع سياسة داخلية عنصرية، ولم يقتصر الأمر على قطع الطريق على تحول السلطة الفلسطينية الناجمة عن أوسلو، إلى دولة مستقلة تقوم إلى جوار دولة إسرائيل، بل إن اليمين وكان هذا بالضرورة، قد اتبع سياسة التمييز ضد العرب من مواطني الدولة في الداخل.
ولعل هذه الظاهرة تكشف مفارقة الدولة "الديمقراطية" على الطريقة الإسرائيلية، التي تقتصر على "النخبة العرقية" من مواطنيها، وعلى انقلاب اليمين على ما يفعله اليسار، أو ما يعقده من اتفاقيات باسم الدولة، فلا يلتزم بها، روحا أولا ثم نصا ثانيا، في ظل ضعف دولي في مجال المحاسبة والإلزام بما تعقده الدولة من اتفاقيات دولية، وهنا لا بد لنا أن نلاحظ وجه الشبه بين بنيامين نتنياهو _القائد التاريخي لليمين الإسرائيلي بعد مناحيم بيغين_ وبين دونالد ترامب، حيث تنكر الأول لما أبرمه إسحق رابين مع منظمة التحرير من اتفاقيات أوسلو، وتنكر الثاني لما أبرمه باراك أوباما من اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي .
يقينا، إن معظم التوترات الإقليمية التي نشهدها اليوم، وحتى التوترات الدولية، مبعثها أو أحد جوانب أو أسباب حدوثها يعود إلى طبيعة الدول التي هي طرف فيها، حيث نلاحظ بأن معظمها محكوم من قبل أنظمة مستبدة، أو من قبل أحزاب شمولية، أو أحزاب يمينية متطرفة، لا تساوي بين البشر في الحقوق والواجبات، ولعله بات أمرا مكرورا القول مجددا، بأنه لن يتم قبول دولة إسرائيل في المنطقة وحتى العالم وهي على طبيعتها الحالية كدولة تمييز عرقي.
وحقيقة الأمر أن اليمين الإسرائيلي يدرك جيدا بأن وضع الحد للصراع الخارجي، يعني دفع استحقاقات التطرف والتمييز التاريخي على الصعيد الداخلي، وحدث هذا مباشرة بعد عام 1994، لكن التصاعد المتواصل للتطرف، وصل إلى حدود المطالبة بإعلان إسرائيل كدولة دينية لليهود فقط، مع منع إقامة الدولة الفلسطينية بالجوار.
وكما أن الوصول إلى نقطة متقدمة بهذا الاتجاه، يفتح الباب على تصدعات داخلية، فإن هذا حدث مع اليمين الإسرائيلي نفسه، حين انفجر الخلاف بين يمين علماني ويمين ديني، وفي الوقت نفسه يصل الأمر بالديمقراطيين الأمريكيين إلى التفكير بعزل ترامب، لإخفاء وجهه العنصري القبيح، كما يحدث مع إسرائيل عبر محاولة التضحية بنتنياهو للحفاظ على بقاء اليمين الأقل حدة في الحكم .
بذلك نقول إن الحرب ضد التطرف والعنصرية، لا تنفصل حلقاتها بعضها عن بعض، ففي الوقت الذي يواجه فيه فلسطينيو دولة فلسطين المحتلة الاحتلال الذي ينكر عليهم الاستقلال، يواجه فلسطينيو دولة إسرائيل التمييز العرقي، ولا مناص من فرض تغيير جوهري على طبيعة دولة إسرائيل، حتى يمكن التعايش معها، يكمن ذلك التغيير في نزع الاحتلال عنها، والتمييز بين مواطنيها من داخلها، أي تحويلها إلى دولة لكل مواطنيها، إلى دولة مدنية، لا دولة عسكرية ولا دينية يهودية، وفي ذلك يمكن لكل البشر الذين يؤمنون بالمساواة_ عربا كانوا أم يهودا، إسرائيليين وفلسطينيين ومتضامنين دوليين_ أن ينخرطوا في هذا الكفاح المدني والإنساني من أجل الخير للجميع.
(صحيفة الأيام)