شواهد عديدة تشير إلى تدعيم الدول الغربية لرؤساء مصريين رغم استبدادهم، بداية بالسادات ومرورا بمبارك وانتهاء بالجنرال المصري، طالما يحققون مصالحها، ويشترون غالب وارداتهم السلعية والخدمية والعسكرية منها، ويستثمرون أموال بلدهم في بنوكها، ويرتبطون مع إسرائيل بعلاقات جيدة.
وهكذا لم تتحرك دول الغرب تجاه ما تم ارتكابه من جرائم دموية متكررة من قبل النظام المصري تجاه المصريين، مثل عمليات التصفية الجسدية، وإعتقال الكثيرين دون محاكمات منذ سنوات ومنهم عشرات الإعلاميين، رغم أن تلك الدول نفسها تظل تندد بمجرد احتجاز إعلامي غربي بأحد مطارات إحدى الدول غير المتوافقة معها لساعات قليلة، وتظل تستدعي ذلك الأمر بين الحين والآخر كدلالة على غياب الحريات والقيود على الإعلام بتلك الدولة.
تتحرك دول الغرب تجاه ما تم ارتكابه من جرائم دموية متكررة من قبل النظام المصري تجاه المصريين، مثل عمليات التصفية الجسدية، وإعتقال الكثيرين دون محاكمات
ورغم قيام فلسفة النظام الغربى على الحرية الاقتصادية، ومنح القطاع الخاص الدور الأكبر في الاقتصاد، فقد تغاضت عن امتداد نشاط الجيش لمصري إلى كافة الأنشطة الاقتصادية، على حساب القطاع الخاص الذي تضرر كثيرا من تلك المنافسة غير المتكافئة، وهو الضرر الذى ينعكس على زيادة معدلات البطالة وارتفاع التضخم.
كما ساندت الدول الغربية النظام العسكرى بمصر منذ توليه في تموز/ يوليو 2013، من خلال دفع حلفائها في الخليج العربي لإمداده بالمعونات المادية والبترولية، ثم بالقروض الميسرة التي يتم تجديدها كلما حان موعد سدادها، وعندما تراجعت أسعار النفط وبدأت الدول الخليجية في السحب من احتياطياتها من العملات الأجنبية، تولى كل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي واللذين تملك الدول الغربي غالبية القوة التصويتية فيهما؛ إمداد النظام العسكرى بالمزيد من القروض.
الغرب يدعم النظم الاستبدادية بالمنطقة
ولا يقتصر الأمر على مصر. فرغم دعاوى الدفاع عن حقوق الإنسان التي تتشدق بها الدول الغربية، إلا أنها تعمل على تثبيت أركان النظم الاستبدادية في المنطقة، مثلما تفعل مع نظامي السعودية والإمارات، وتتجاهل المجازر التي يرتكبانها تجاه المدنيين باليمن وغيره، كما كان رد فعل هذه الدول ضعيفا تجاه المجازر التي ارتكبها الإنقلاب السودانى ضد المدنيين، وكذلك مع ما يقوم حفتر في ليبيا، وحتى عندما ساعدوا المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد، كانت مساعدة بمستوى لا يسمح لها بالتفوق عليه ولكن لإزعاجه فقط بعض الوقت.
فوجود حكم ديمقراطي في مصر تزداد معه إمكانية تعبير نظام الحكم عن مصالح البلاد، والتي تقتضى تواصلا مع تركيا وإيران كدولتين إقليميتين، ويمكن من خلال التعاون معهما إيجاد مصالح إقليمية مشتركة، وقد تقتضى علاقات اقتصادية وعسكرية أوسع مع الصين وروسيا وغيرهما من الدول غير الغربية، أو تحجيم العلاقات مع إسرائيل وزيادة فعاليتها مع الأطراف الفلسطينية.
وجود حكم ديمقراطي في مصر تزداد معه إمكانية تعبير نظام الحكم عن مصالح البلاد
ووجود نظام حكم ديمقراطى معناه تخفيف حدة الصراعات السياسية الداخلية، وتوجه الجهود بدرجة أكبر للإنتاج والتصدير، مما يؤدي لخفض الواردات، وهو ما يتعارض مع مصالح دول الغرب في الإستفادة من السوق المصرية الضخمة التي تضم 100 مليون شخص.
ووجود
الديمقراطية معناه توجه طاقات المصريين للإبداع بالمجالات المختلفة، في شكل مشروعات تستوعب مزيدا من القوى العاملة، وتركز على النشاط الإنتاجي على حساب الاستثمار المالي والمضاربات التي تضر بالاقتصاد، واتجاه الإنفاق الحكومي إلى المشروعات الخدمية، في مجالات الصحة التعليم والبحث العلمي، مما يحسن من قدرات البشر، وتوجيه جهود المجتمع المدني لتخفيف حدة مشكلة صعوبة الزواج والفقر، وتقليل الفوارق الطبقية ليزداد المجتمع تماسكا، وعودة جانب من أموال المصريين بالخارج للاستثمار في بلدهم، بدلا من إيداعها في البنوك الغربية أو توظيفها في الأسهم والسندات الغربية.
إشغال النظم الديمقراطية بالصراعات الداخلية
وفي ظل الحكم الاستبدادي تضيع الموارد في المشروعات الفاشلة، وفي العمولات والرشاوى والإتاوات، وينشغل المجتمع بالصراع مع السلطة الجائرة التي تعطل الاستفادة من قدرات وخبرات الآلاف من أفراد المجتمع، والذين يهجر الكثيرين منهم بلدهم للعمل في بلدان أخرى، وينشغل المجتمع بالصراعات الداخلية، وتزداد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك لترتفع قيمة الواردات.
فسّر البعض استجابة الكثيرين لدعوة المقاول والفنان المصري محمد علي بأن وراءها جهات غربية؛ ترغب في إيجاد غطاء شعبي لسعيها لتغيير الجنرال المصري بجنرال آخر،
وفي هذا السياق، فسّر البعض استجابة الكثيرين لدعوة المقاول والفنان المصري محمد علي بأن وراءها جهات غربية؛ ترغب في إيجاد غطاء شعبي لسعيها لتغيير الجنرال المصري بجنرال آخر، يستمر في تحقيق مصالحها في ضوء إدارك البديل أنها هي التي أتت به وتستطيع في أي وقت إقالته.
كما فسّروا عدم استخدام الشرطة الرصاص المطاطي تجاه المتظاهرين في العشرين من أيلول/ سبتمبر الحالي، كعادتها في بعض الأماكن، بأنه يأتي في هذا السياق.
وحتى لو تحقق هذا السيناريو، فسيظل البديل بعيدا عن تحقيق الديمقراطية الحقيقية مهما وعد بها، حيث سيتم كسب الوقت في الوعود والمناورات، وكسب المؤيدين حتى يثبت البديل أركانه مدعوما بدول الغرب. وحتى في حالة الضغط الشعبي لتحقيق الديمقراطية، يمكن تكرار ما حدث مع الرئيس محمد مرسى، باستخدام الأتباع في اصطناع المشاكل الداخلية، واستخدام وسائل الإعلام الموالية لتضخيم الصورة وإثارة الجماهير سعيا نحو إفشال التجربة.
وهو أمر يتم اتباعه مع تركيا، من خلال محاولة التأثير على العملة التركية وتخويف المستثمرين من الاتجاه لتركيا، وتم اتباعه مع التجربة الديمقراطية بتونس؛ لتشتيت الجهود الحكومية في مواجهة الاضطرابات الداخلية، ومع عمران خان في باكستان؛ كي يستمر النظام مشغولا باضطراب الأوضاع الداخلية، بخلاف اصطناع المشاكل الخارجية لتشتيت الجهود، ودفع التجربة الديمقراطية للفشل وعودة حكم العسكر.