هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أقل ما يمكن أن يقال في انتخابات الكنيست الإسرائيلي الثاني والعشرين، رغم أن النتائج الرسمية لم تعلن _حتى كتابة هذا المقال_ هي أنها جاءت مخيبة لآمال حزب الليكود واليمين الإسرائيلي وزعيمه بنيامين نتنياهو، وأنها جاءت مثيرة للارتياح لأضلاع مثلث الخصم السياسي المكون من كل من حزب أزرق _أبيض، وحزب إسرائيل بيتنا، وكذلك القائمة العربية المشتركة، هذا على الرغم من أن هؤلاء غير موحدين في إطار ولا في خطوط سياسية عامة.
ويمكن القول أكثر من ذلك بأن النتائج الأولية تشير إلى ما هو أسوأ بكثير مما كان يتوقع نتنياهو واليمين عموما، فالمعسكر الحاكم في إسرائيل منذ عقود، وزعيمه، ذهبا للانتخابات وهما يأملان بأن تأتي نتيجتها على شاكلة انتخابات العام 2015 للكنيست العشرين، أي أن يتجاوزا فارق المقعد البرلماني الواحد، الذي كانا يحتاجانه لتشكيل حكومة أغلبية ضيقة، خاصة وأن ذلك المعسكر قد حاز على60 مقعدا في انتخابات نيسان للكنيست الحادي والعشرين السابقة وعلى 61 في انتخابات الكنيست العشرين، وذلك دون حزب إسرائيل بيتنا بزعامة اليميني المشاكس افيغدور ليبرمان، الذي حاز في الجولتين تباعا على ستة ثم خمسة مقاعد.
أي أن نتنياهو ذهب لهذه الجولة الانتخابية من أجل الحصول على هذا المقعد، لكن ما حصل هو أنه لم يفشل فقط في الحصول على مقعد إضافي، بل إنه تراجع بنحو أربعة مقاعد أخرى، وهذا أغلق أمام نتنياهو بالتحديد بوابة عادة ما يفكر في ولوجها من أجل تحقيق أهدافه بالبقاء في الحكم، وهي "اقتناص" أحد نواب الكتل الأخرى عبر وسائل الإغراء الحكومية العديدة.
وأكثر من ذلك، وبما يشير إلى أن حلقات سلسلة التراجع لم تنته بعد، نشير إلى ما يمكن أن يتحقق بعد الإعلان النهائي عن النتائج، حيث أن معظم من أجروا اختبار العينات الأولى للمقترعين أشاروا إلى أن حزب أزرق_أبيض، إن لم يحقق نفس عدد مقاعد الليكود، كما حدث في الانتخابات السابقة، فإنه على الأرجح سيتفوق عليه، بما يعني بأن رئيس الدولة سيكلف بني غانتس أولا بتشكيل الحكومة، بما يفقد نتنياهو مجددا واحدة من أوراق التكتيك التي استخدمها في المرة السابقة، حين فشل في الحصول على تأييد الأغلبية الضيقة، خلال المهلة المحددة، فسارع إلى حل الكنيست.
لسنا هنا في صدد استعراض سيناريوهات تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة، بل ولا حتى بصدد البحث عن إمكانية تشكيلها من عدمه، وبالتالي في احتمال ذهاب إسرائيل مجددا إلى جولة انتخابية ثالثة دون النجاح في تشكيل الحكومة الطبيعية، لكننا، مهتمون بمناقشة مستقبل أو مصير الحالة السياسية الخارجية التي ارتبطت بحكم اليمين أولا في إسرائيل وثانياً بوجود بنيامين نتنياهو بالتحديد كرئيس للحكومة.
لابد من الإشارة أولا إلى أنه رغم أهمية غياب نتنياهو وإخراج اليمين من الحكم أو على الأقل مزاحمته عليه أو حتى مشاركته في الحكم، حيث هناك أحد احتمالين لا ثالث لهما: إما تشكيل حكومة ليبرالية من ليكود وازرق أبيض مع ليبرمان أو دونه ومع نتنياهو أو دونه، لكن الأهم دون الحريديم، أو الفشل في تشكيل الحكومة، وما يعكسه ذلك من آثار سلبية على مستقبل صفقة العصر، بل على استمرار سياسة ترامب والبيت الأبيض العدائية بهذا القدر من الحدة تجاه الحقوق الفلسطينية، إلا أن انعكاس نتائج الانتخابات على الوضع الداخلي وتحديدا على الأقلية العربية _ الفلسطينية جاء مهما جدا، وهذا ما يفسر شعور قادة المشتركة بالنصر.
فمعروف بأنه في ظل معسكر أو تحالف مثلث التطرف في إسرائيل المكون من اليمين التقليدي_الليكود، واليمين المتطرف _البيت اليهودي ومن تحالف أحزاب اليمين ومن ثم" يمينا"، والأحزاب الدينية : شاس ويهودوت هتوراه، تم الدفع بسياسة "يهودية الدولة" وصولا إلى إقرار قانون القومية، وقد ظهر ذلك جليا في خطاب نتنياهو رأس هذا التحالف غير المقدس التحريضي المتواصل ضد العرب، والذي توج في الانتخابات إن كان بمحاولة فرض قانون الكاميرات أو بما نطق به رأس تحالف اليمين العنصري من خلال تخويف جمهوره من حكومة تستند إلى دعم العرب المعادين للدولة حسب وصفه، لذا فان معاقبة العرب لليمين تعني وقف هذه السياسة.
أول الإشارات الخارجية جاءت بإعلان عدم مشاركة نتنياهو في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وذلك لأن تكليف رئيس الدولة سيكون يوم الأربعاء القادم، أي في نفس الوقت الذي كان يجب أن يكون في نيويورك ليلقي كلمة إسرائيل في الاجتماع السنوي للمنظمة الدولية.
ثم جاءت الاجتماعات المتتالية لنتنياهو مع أحزاب اليمين، بهدف تحصين نفسه، ومحاولة الاستناد إلى صفة لا يتمتع بها خصومه، وهي وحدة أحزاب اليمين المستمدة من الجلوس المشترك على مقاعد الحكم منذ سنين طويلة مضت، لكن ما يبقى هو السؤال المتجدد المرتبط بإعلان واشنطن عن أن إعلان الصفقة سيكون بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية وهو نفس الإعلان الذي جاء إزاء الانتخابات السابقة.
من الواضح بأن فشل اليمين الإسرائيلي ونتنياهو في الانتخابات ربما يكون قد أطلق رصاصة الرحمة الأخيرة على صفقة ترامب المتعثرة، ومن الواضح بأن ترامب سيذهب إلى انتخابات الرئاسة الأميركية على الأغلب دون واحدة من الأوراق التي أعدّ لها جيدا وبشكل مستمر لتكون ورقته الرابحة فيها، وهي علاقته مع نتنياهو، لذا ومع كل المشاكل الداخلية والسياسية الخارجية، حتى مع كثرة الأعداء والخصوم في الداخل والخارج، قد لا نبالغ بالقول، بأن فشل نتنياهو المحنك والأكثر خبرة من ترامب في أصول الحكم، سيشجع خصوم ترامب من المرشحين على الجانبين، أي ليس في الجانب الديمقراطي فقط، بل وفي الجانب الجمهوري، على الترشح ورؤية بريق الفوز من بعيد، وفي كل الأحوال فإن لقاء ترامب_نتنياهو الذي كان مقررا على هامش اجتماع الجمعية العمومية للبحث في عقد معاهدة دفاع مشترك لتعزيز التحالف الخاص بين الولايات المتحدة وإسرائيل، قد ألغي، فيما قد يجد ترامب نفسه وحيدا دون صديقه الإسرائيلي، هذا في حال نجح هو في الفوز بولاية ثانية، فيما على الأرجح ان صديقه سيذهب إلى البيت أو إلى السجن، كما قال احمد الطيبي أحد قادة "العربية المشتركة".
عن صحيفة الأيام الفلسطينية