هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للمتخصص في تاريخ أمريكا الديني بيتر مانسيو، يتحدث فيه عن تحول الكاثوليكية، الذي كان يحلم به والداه عندما تزوجا قبل 50 عاما.
ويبدأ مانسيو مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول: "عندما تزوج والدي قبل 50 عاما.. أحدث زواجهما ضجة حول العالم، بالرغم من كونهما غير مشهورين بأي شكل من الأشكال، ولم يكن زواجهما باذخا، ويمكن اختصار الاهتمام الزائد بزفافهما بما عنونت به صحيفة في فانكوفر على بعد آلاف الأميال من مكان الاحتفال في بيت جدتي المتواضع في بوسطن، فكان العنوان (قسيس يتزوج راهبة)".
ويعلق الكاتب قائلا: "لم يكن العنوان دقيقا، فأمي كانت راهبة معلمة لمدة 10 سنوات، لكنها تركت الراهبات في الصيف السابق لزواجها، وأبي كان قسيسا لثماني سنوات حينها، وكان يوم الزفاف في إجازة من أبرشيته القريبة، وبحسب قانون الكنيسة فقد طرد مباشرة لزواجه دون أن يعفى من التزاماته الكهنوتية، وكما قال للمراسلين الذين ينتظرون في الخارج إنه يعرف أنه خرق قوانين الكنيسة لكنه فعل ذلك لمصلحتها".
وقال: "نؤمن بأهداف الكنيسة ونحب الكنيسة كثيرا.. فقد وهبنا حياتنا للكنيسة، ونعتقد أننا نفعل هذا لمصلحة الكنيسة".
ويبين مانسيو أنه "بالنسبة له فإن الزواج بشكل علني بصفته قسيسا كاثوليكيا كان يهدف إلى الاحتجاج، ولدفع روما نحو إعادة النظر في فرض التبتل على رجال الدين ونظرة الكنيسة للجنس بشكل عام، إعادة نظر توقع أن تكون لا بد منها بعد إصلاحات مجلس الفاتيكان الثاني في أوائل الستينيات، وقال: (أشعر حقا بأنه لأكون صادقا مع الإنجيل يجب علي أن أدخل في أعمق علاقة ممكنة بالكنيسة)، ولم يقصد بذلك عمله الديني القائم على التبتل، بل الزواج والعائلة والعلاقات المعقدة المرتبطة بذلك كلها".
ويقول الكاتب: "بالنسبة لأمي، مع أنها شاركته هذه المشاعر، فإن الزواج كان بالنسبة لها أن تكون عروسا أكثر من أن تكون مارتن لوثر حديثا، وقالت لأحد التقارير الإخبارية: (خططنا هي ببساطة أن نعيش بسعادة إلى الأبد)".
ويرى مانسيو أن "عناوين الصحف قد لا تكون احتوت على المعاني الدقيقة، لكنها نقلت الجوهر: كان زواج والدي يستحق أن يكون خبرا لأنه كسر القالب، وبالنسبة لمحرري الصحف فإن عنوان (قسيس يتزوج راهبة) كان عنوانا لا يقاوم، حيث هو تحوير كنسي للعنوان (رجل يعض كلبا) الذي يستخدمه المحررون مقياسا لما يمكن اعتباره خبرا، بالإضافة إلى أن القصة بقيت مستحقة للتغطية، حيث بقيت الصحف، بما فيها هذه الصحيفة، تكتب عن حياتهما لسنوات".
ويقول الكاتب: "لم يكن والدي الوحيدين اللذين تلقيا هذا الاهتمام، فخلال عام 1969، كانت هناك زيجات في تكساس ونيويورك وكاليفورنيا وصلت أخبارها لعناوين الصحف: (قسيس محتج يتزوج راهبة متخلية) و (قسيس سابق يتزوج راهبة سابقة) و(قسيس سيتزوج راهبة قابلها في حرم جامعة)، وكان هناك تقارير مشابهة في السنوات التي سبقت وتلك التي لحقت".
ويشير مانسيو إلى أنه "عادة ما تطرح الأخبار حول زواج القساوسة والراهبات على أنها تجارب فردية، لكن بالنظر للخلف نجد أن أهمية هذه الزيجات لا تكمن في غرابتها، لكن في تكرارها، وما لم يكن معروفا لوالدي هو أنهما تزوجا في بداية مغادرة جماعية ورفض للنظام الكاثوليكي القائم، وهو ما لا تزال الكنيسة تحاول التعافي منه".
ويلفت الكاتب إلى أنه "بعد عقود من النمو، بدأت صفوف رجال الدين الكاثوليك بالتراجع في حوالي وقت زواج والدي عام 1969، وتراجع عدد القساوسة (الكاثوليك) بين عام 1969 واليوم بحوالي 40%، وتراجع عدد الراهبات بحوالي ثلاثة أرباع، وكانت هناك أسباب مختلفة لدى أولئك الذين غادروا: رغبة في الحصول على عمل علماني، أو الرغبة في تشكيل عائلة، أو رغبة في الحياة بشكل آخر، وإضافة إلى هذه النواحي العملية كان العديد من القساوسة والراهبات من جيل والدي يعرفون مواقع الضعف في الكنيسة -ميلها للسرية وثقافة الطاعة وتاريخها في المساعدة على الاعتداء- قبل أن يعلم عنها الناس من الخارج بكثير".
ويقول مانسيو إنه "كونهما مراهقين عانى كل من والدي من ملامسة جسدية غير مرغوب بها من القساوسة الذين كان من المفروض أن يكونوا مربين روحيين لهما، وهم الرجال أنفسهم الذين وجهوهما نحو الحياة الدينية، وتتضمن ذكريات والدتي عن الدير استخدام آلة من القرون الوسطى لجلد الذات كانت تسميها الراهبات (التهذيب) وكان ممن درسوا مع والدي في المدرسة الدينية عدد من رجال الدين الأسوأ سمعة في الاعتداء على الأطفال في بوسطن، فهل هناك غرابة في أنهم بدأوا في التفكير فيما تطمح إليه عقيدتهم؟".
ويضيف الكاتب: "ذكرى زواج والدي تاريخ عشوائي للنظر إلى نصف قرن من التاريخ الكاثوليكي، لكنه تزامن مع لحظة من إعادة تقييم موقع القساوسة والراهبات في الثقافة الأوسع في أمريكا وحول العالم".
وينوه مانسيو إلى أنه "على غلاف عدد حزيران/ يونيو من مجلة (أتلانتيك) دعا الكاتب جيمس كارول، وهو قسيس سابق من بوسطن، إلى إلغاء الكهنوت، متهما ثقافتها الأكليروسية (تطبيق المبادئ التي تفرضها الكنيسة) بأنها السبب الجذري في أزمة الكنيسة المستمرة، بالإضافة إلى أن آخر مسلسل كوميدي لأمازون/ بي بي سي (فليباغ) وهي علاقة غرامية بين ملحد وقح مع ما تسميه الإنترنت (قسيس حار)، وتتم فيه أكثر مناقشة صراحة لفكرة التبتل في كوميديا رومانسية".
ويفيد الكاتب بأن "الإعلان عن أن فلم الرعب "الراهبة" ستكون له تتمة يعني أن صرخة واحدة على الشاشة الكبيرة لم تكن كافية، والتجربة الاجتماعية الحديثة Nuns and Nones التي تقوم على حوار بيت راهبات كاثوليكيات كبار مع شباب وشابات من جيل الألفية غير المرتبطين دينيا.. هذه معا تعكس ازدواجية عميقة: فيمكن تصوير القسيس على أنه أساس فشل الكنيسة أو الاستجابة لدعوات العلمانيين، وكذلك الراهبية يمكن أن تكون مادة للكوابيس أو قدوة محتملة لمن يريدون النظام في حياتهم".
ويؤكد مانسيو أن "إعادة تقييم القساوسة والراهبات ليست ظاهرة أمريكية فقط، فعندما يلتقي قادة الكنيسة من جنوب أمريكا في روما هذا الخريف لاجتماعهم الذي يشمل منطقة الأمازون، سيدرسون إمكانية تعيين الرجال المتزوجين قساوسة، لحل مشكلة النقص في رجال الدين الكاثوليك في منطقة تضم عشرات ملايين الناس، وقد يتوقع البعض بأن الفاتيكان قد تتبنى هذا الحل بصفته قالبا في المناطق الأخرى، حيث يزداد حجم الكنيسة ولكن يتناقص عدد رحال الدين، إلا أن رجال الدين المتزوجين لا ينتظرون الموافقة الرسمية، فالقساوسة في الكنيسة الكاثوليكية الكينية العالمية المتجددة مثلا، حريصون على إبقاء هويتهم الكاثوليكية دون التخلي عن الزواج، أو الاضطرار للزواج سرا، الذي يقولون إن العديد من القساوسة يلجأون إليه".
ويشير الكاتب إلى أن "هناك نظرة جديدة للراهبات الكاثوليكيات في أنحاء العالم، فالفضائح التي تتضمن الاعتداء الذي كان يرتكب في ملاجئ ماجدلين لونديريس في إيرلندا (نهاية القرن الثامن عشر وحتى أواخر القرن العشرين) إلى الاعتداءات التي عانت منها الراهبات على أيدي القساوسة والأساقفة، الأمر الذي اعترف به البابا فرانسيس حديثا، سمحت لشخصيات كاريكاتورية بأن تكون مفهومة بشكل واضح".
ويجد مانسيو أنه "من المبكر الحكم على ما ستفضي إليه هذه التحركات وهذه الكشوف بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، لكن من الواضح أنه في القرن الحادي والعشرين فإن قضية الجنس وتبعاتها بالنسبة للكنيسة، التي كانت دائما قضية تغلي تحت السطح، خرجت إلى العلن كما لم تفعل في الماضي".
ويورد الكاتب نقلا عن الممثل الذي يؤدي دور القسيس في مسلسل "فليباغ"، أندرو سكوت، الذي نشأ كاثوليكيا في أيرلندا، قوله في مقابلة مع مجلة نيويورك: "إن كانت الكنيسة قابلة للتحرك قليلا في السماح للقساوسة والراهبات بالزواج، سيكون ربما هناك أناس أكثر من جيلنا سيرغبون بالدخول للكنيسة".
ويرى مانسيو أنه "مع أن هذه الوصفات يقدمها الذين تركوا الكنيسة الكاثوليكية أكثر من أولئك الذين لا يزالون ينتمون لها، إلا أن النظرة ليست غريبة، وكون فكرة التخلي عن ياقة القسيس وغطاء رأس الراهبة كانت تعد قبل خمسين عاما فضيحة يعني أن من فعلها حينها قد قام بعمل ثوري صامت.. فبالرغم من تحضيرهم للخدمة في كنيسة ترى نفسها أنها ثابتة، إلا أنهم تخيلوا إمكانية التغيير".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "قد لا يرى والدي التغير الذي حلما فيه عندما تزوجا في حياتهما، لكن بعد خمسين عاما، فإنهما يمثلان طريقا لم يسلك، طريقا يرغبان أن تتبعه الكنيسة التي أحباها بالرغم من كل شيء".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)