صحافة دولية

FP: هل يمكن لتركيا استضافة اللاجئين السوريين إلى الأبد؟

فورين بوليسي: لا تستطيع تركيا استضافة اللاجئين السوريين إلى الأبد- جيتي
فورين بوليسي: لا تستطيع تركيا استضافة اللاجئين السوريين إلى الأبد- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لطالب الدكتوراة في جامعة براون سليم سازاك، يتحدث فيه عن وضع اللاجئين السوريين في تركيا.

 

ويبدأ سازاك مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول إن الحرب الأهلية في سوريا وامتدادها إلى العراق تسببت بنزوح الملايين من الناس عن بيوتهم، وقامت تركيا بتجربة جريئة عام 2011 وبعدها لتصبح أكبر مستضيفة للاجئين في العالم، حوالي 4 ملايين لاجئ مسجل، وحوالي مليون آخر غير مسجلين خلال سنوات قليلة. 

 

ويقول الكاتب: "لا يمكن المبالغة في وصف الجرأة والكرم اللذين اظهرتهما دول مثل تركيا: فقد فتحت أبوابها لملايين المحتاجين في وقت لم يحرك فيه العالم ساكنا، وفي تركيا وحدها كلف التعامل مع أزمة اللاجئين 35 مليار دولار، معظمها دفعته تركيا".

 

ويشير سازاك إلى أنه "بعد حوالي ثماني سنوات، يبدو أن التجربة وصلت إلى نهايتها، ففي تركيا وغيرها من البلدان، بينها لبنان وكولومبيا، التي تركت لتحمل على عاتقها العبء الأخلاقي والعملي -الذي يجب أن يحمله العالم- فإن المزاج أصبح سيئا وبدأت الشكاوى المكتومة بالانفجار". 

 

ويفيد الكاتب بأن "أنقرة أصبحت في مأزق، فلا هي قادرة على فتح طريق التجنيس؛ لأن الشعب لن يصوت لصالحه، وفرضه من رأس السلطة سيكون عملية انتحارية لأي شخص يفعله، لكنها لا تستطيع القيام بترحيل ملايين اللاجئين أيضا، ففعل ذلك سيكون كارثة أخلاقية وفضيحة عالمية".

 

ويلفت سازاك إلى أن "أنقرة تجنبت هذا الخيار بالرهان على الوقت لأطول فترة ممكنة، لكنها لم تعد قادرة على ذلك، ومع أن أردوغان لا يزال سياسيا قويا، إلا أن الرئيس التركي محاصر، فمعارضوه يتقدمون بخطوات غير مسبوقة، وأصدقاؤه السابقون يتمردون وحلفاؤه الحاليون لا يعتمد عليهم، وأردوغان الذي عرف عنه حسه السياسي واهتمامه الشديد بالاستطلاعات يدرك تماما ما الذي يحصل: فموجة المعاداة للاجئين في تركيا أصبحت الآن حركة تنتظر قائدا ويجب عليه التصرف قبل أن تجد ذلك القائد".

 

ويقول الكاتب: "يجب ألا تفاجئ ردة الفعل الحالية أحدا لأنها كانت متوقعة منذ سنوات، وقد حذر العديد من العلماء لسنوات من مشكلات نظام اللجوء في العالم، وسارعوا إلى البحث عن طرق للتعامل معها، فالنظام الحالي هو مثال للنفاق المنظم: فمن ناحية نظرية تقوم الدول المستضيفة للاجئين بواجب المجتمع الدولي كاملا، لكن الواقع هو أن بقية العالم يستغل تضحياتها".

 

وينوه سازاك إلى أن "هناك مسؤولية قانونية وأخلاقية في عدم طرد اللاجئين أو إعادتهم إلى بلدهم الأصلي عندما يصلون إلى حدود دولة، وهو ما يعرف بمبدأ عدم الإعادة القسرية والمنصوص عليه في المادة 33 من اتفاقية اللجوء، لكن ليست هناك قاعدة تحكم إبعادهم قبل الوصول إلى حدود الدولة كما تفعل أوروبا، أو إبقاءهم عالقين في أراض لا تتبع لأحد كما تفعل أستراليا في مراكز الاحتجاز في ناورو، وكما تفعل بابوا غينيا الجديدة في جزيرة مانوس، أو الولايات المتحدة في مراكز احتجاز اللاجئين بالقرب من الحدود مع المكسيك".

 

ويقول الكاتب إن "كثيرا من البلدان المتسببة بخلق مشكلة اللاجئين تستخدم سلاحا للضغط على الجيران والأعداء، من فيدل كاسترو في كوبا، إلى إريك هونيكر في ألمانيا الشرقية، إلى معمر القذافي في ليبيا، إلى عيدي أمين في أوغندا، استخدم الكثيرون هذا التهديد، ووجدت كيلي غرينهل، التي أجرت أول تحليل منهجي للتهجير سلاحا أنه في ثلاثة أرباع الحالات التي استخدم فيها هذا السلاح حصل مستخدموه على جزء على الأقل مما يريدون، ومع ذلك فلا توجد هناك آلية لحد الآن لمحاسبتهم، ولا توجد حتى الآن مؤسسة خيرية مسؤولة عن حل أزمات اللاجئين أو كيف يمكن مشاركة عبئهم".  

 

ويجد سازاك أنه "بالتالي فإن العبء يقع في الغالب على كاهل أولئك الأقل استطاعة لتحمله، فنصف لاجئي العالم يعيشون في 10 دول فقط: تركيا ولبنان والأردن وكذلك باكستان وأوغندا وإيران وإثيوبيا، وكلها ما عدا واحدة من العالم النامي، حيث يصل الناتج المحلي الإجمالي للفرد بالكاد 3800 دولار (في العام)، وتعهدت بريطانيا وبكثير من التطبيل والتزمير بأن تقبل 20 ألف لاجئ سوري بحلول أيار/ مايو 2020، وتلقى إقليم كلس في تركيا، وهو الأقل عددا سكانيا، حيث يصل عدد سكانه 142 ألف مواطن، 116 ألف لاجئ سوري، وهو ما يمثل حوالي ستة أضعاف ما وافقت على استقباله المملكة المتحدة، التي يصل تعداد سكانها إلى 65 مليونا".

 

ويؤكد الكاتب أن "تضحية تركيا لا تبرر السياسات غير المسؤولة التي جرت تركيا إلى المستنقع السوري منذ البداية، ولا تقلل من شأن المخاوف المشروعة حول حاضر اللاجئين ومستقبلهم هناك، ولا تبرئ الذين يستغلون الوضع لتقوية حظوظهم السياسية ويستخدمونه مبررا لآرائهم العنصرية، التي تقوم في العادة على أكاذيب ينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تنتشر كالنار في الهشيم، لكن كثيرا من النقاش الآن يخطئ قلب القضية: لقد تم دفع تركيا إلى حد الكسر وبدأت تتصدع". 

 

ويشير سازاك إلى أن "دراسة عام 2018 أجريت في مركز أبحاث الهجرة في جامعة بيلجي في إسطنبول أظهرت التأييد في الأحزاب جميعها لإعادة اللاجئين السوريين، ووجدت أن أكثر من 85% من الشعب التركي يفضل ذلك، وحتى بين مؤيدي حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، الذي هو أكثر الأحزاب يسارية في القضايا الاجتماعية، فإن دعم فكرة إعادة اللاجئين وصل إلى 75%، ومع أن لدى الحزب لجنة خاصة باللاجئين إلا أنه يعارض بشدة إعادة توطين اللاجئين السوريين؛ خشية احداث تغيير ديمغرافي في المناطق التي يقطنها الأكراد على جانبي الحدود".

 

ويجد الكاتب أن "محاولة أنقرة كانت مستحيلة، فقد استقبلت من اللاجئين أكبر مما بإمكانها استيعابه، واستضافتهم لفترة أطول مما تستطيع تحمل تكلفته، فعدد المسجلين ويحق لهم الحماية من الدول 4 ملايين، وهناك مليون آخرون غير مسجلين، وهذا عدد يصل تقريبا إلى عدد سكان إيرلندا، وإن بقي الوضع الراهن قائما فسيبقى هؤلاء في تركيا لأجيال، ففي كينيا معسكر داداب للاجئين يضم نصف مليون لاجئ على مدى ربع قرن، وفي لبنان بلغ الجيل الثالث من اللاجئين الفلسطينيين سن الرشد، وكما استنتج الان ماكوفسكي من مركز التقدم الأمريكي فإن هذا السيناريو محتمل أن يحصل في تركيا".

 

ويرى سازاك أن "هذا الاحتمال يثير عددا من الأسئلة الصعبة، فأولا كيف يمكن لتركيا استيعاب هذا العدد الكبير وتعليمهم اللغة التركية وإدخالهم إلى سوق العمل؟ فبعد ثلاثين عاما من الوحدة الألمانية لا تزال عملية الدمج جارية، مع أنه كانت لدى حكومة ألمانيا الغربية الإمكانيات والدعم الشعبي لعملية الاندماج والوحدة مع ألمانيا الشرقية، بالرغم من أن سكانها لديهم اللغة والثقافة والهوية ذاتها، فكيف يمكن لتركيا بإمكانياتها الأقل أن تنجح حيث فشلت ألمانيا مع شعب مختلف الهوية واللغة".

 

ويقول الكاتب إن "توقع أن تحل المشكلة نفسها عندما يغادر بشار الأسد، أو يتقدم العالم ليساعد في حمل العبء، أو أن يصبح اللاجئون دينامو اقتصاديا عندما يستقرون، فهذه مجرد آمال لن تتحقق.. فماذا ستفعل تركيا؟".

 

ويضيف سازاك: "حتى لو نظرنا إلى ما هو أبعد من التحديات العملية، فهناك سؤال سياسي، فعلى عكس الاستخدام العام للمصطلح فإن ملايين اللاجئين الذين تستضيفهم تركيا ليسوا (لاجئين) بالمعنى القانوني، وكانت أنقرة قد وقعت على اتفاقية اللاجئين عام 1951، والبروتوكول الإضافي مع ملحق يعرف بـ (الاستثناء الجغرافي)، الذي يحدد الحقوق والحماية الموفرة لطالبي اللجوء من خارج أوروبا، وبدلا من ذلك فإن هؤلاء اللاجئين يعدون قانونيا تحت (حماية مؤقتة)". 

 

ويبين الكاتب أنه "لهذا يشير إليهم أردوغان بأنهم (ضيوف) وليسوا (لاجئين)، وقد استوردت أنقرة هذا من الاتحاد الأوروبي، الذي جعله قانونا عام 2001، وقد حدد الاتحاد الأوروبي فترة الحماية لهؤلاء بثلاث سنوات، لكن القانون التركي لا يضع حدا زمنيا لفترة الحماية، لكن إن كان يمكن لهذه الحماية أن تستمر إلى ما لا نهاية فقد يبدأ الناخب التركي في التفكير إن كان وجود هؤلاء أصبح أمرا واقعا ينتهك حق المجتمع التركي في تقرير مصيره، وهذا يفتح الباب أمام السياسيين الذين يكرهون الأجانب والشعبويين لاستغلال هذا الوضع حتى في بلدان بنسبة لاجئين أقل مقارنة بعدد السكان مثل السويد".

 

ويلفت سازاك إلى أن "بعض الناقدين يقولون بأن هناك مجتمعا واحدا هو المجتمع الإنساني، لكن فكرة أن واجباتنا ومسؤولياتنا تجاه مواطنينا ليست متساوية مع تلك الواجبات والمسؤوليات تجاه أشخاص من خارج البلد -وأن لدى المجتمعات الحق الأخلاقي في تقرير من تدخل ومن تستثني- هي أيضا تقليد فلسفي قائم، يضم المنادون به مفكرين مؤثرين مثل تشارلز تايلور ومايكل ويلزر، ففي نظرهم، يمكن لأعضاء مجتمع -مثل مجتمع قومي- أن تكون له قيم مشتركة ومسؤوليات متبادلة نحو بعضهم، تستثني الآخرين، ويرون أن هذا الحق المجتمعي لا يتنافى مع الأخلاق".

 

ويعلق الكاتب قائلا إن "مثل هذا الادعاء لا يعني أنه لا يوجد واجب لمساعدة الأشخاص الذين هم بحاجة لمساعدة ضرورية، أو أن بعض الناس لا يملكون الحق في العيش الكريم، أو أنه يحق للدول أن تتخلى عن التزاماتها عندما يناسبها الأمر، لكنه يعني أن محدودية إمكانيات أي بلد يجب أن تجعل هناك محدودية لمسؤولياتها، ويمكن للشخص أن يعارض هذا، وكثير من الناس يفعلون، لكن لا كما يصوره الناقدون لمن يرون أن على أنقرة أن تنهي سياسة الأبواب المفتوحة، الذين يعارضون الإقامة الدائمة للاجئين، فهذا موقف لا يمكن الدفاع عنه أخلاقيا".

 

ويفيد سازاك بأن "حكومة أردوغان ليست هي فقط التي تقول بأنه لا يمكن للسوريين البقاء إلى الأبد، فالنجم العلماني الصاعد في إسطنبول أكرم إمام أوغلو ينتقد أردوغان دائما بخصوص هذه القضية، ويتحدث عن منع التوظيف غير الشرعي، ويقول إن اللاجئين ضيوف مرحب بهم، لكن ليس إلى الأبد".

 

وينوه الكاتب إلى أن "المعارضة القومية تقف كذلك على مفترق طرق، ففي المؤتمر السنوي للحزب الجيد الذي تقوده ميرال إكسينر، لم تذكر زعيمته في خطابها قضية اللاجئين، بالرغم من موقفها المتشدد منها".

 

ويؤكد سازاك أن "معارضة سياسة الأبواب المفتوحة هي الشيء الوحيد الذي يوحد مؤيدي أردوغان ومعارضيه، ويتوقع أن تصبح أسوأ عندما يتكثف القتال في إدلب، ما يزيد من احتمال موجات لاجئين جديدة يصلون إلى الحدود التركية، وإن بقيت أنقرة ملتزمة بالاستمرار في هذه السياسة، كما أكد كبير مستشاري الرئيس أردوغان حديثا في مجلة (فورين بوليسي)، فإنها ستواجه معارضة شديدة من الرأي العام".

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه "في وجه هذه التضاريس السياسية ليس لدى أردوغان إلا طريق واحد، وهو جيب تسيطر عليه تركيا في شمال سوريا، وتحويل عدد كبير من اللاجئين السوريين إلى تلك المنطقة عبر الحدود، كما تخطط أنقرة، فتضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، الأول تحل مشكلة أردوغان المحلية في وقت تتزايد فيه الإشاعات عن انتخابات مبكرة، والثاني تجنب إرسال اللاجئين إلى حتفهم -كما فعلت أمريكا بعد أن رفضت استقبال سفينة مليئة باللاجئين اليهود عام 1939- لأنهم سيكونون تحت حماية تركيا، وستقوم أنقرة بضمان سلامتهم، وثالثا قد يضطر ذلك أوروبا وأمريكا لإعطاء أنقرة بعض المساحة للتحرك، لأنهم سيعتمدون عليها لدرء نظام الأسد حتى تعود الأمور إلى طبيعتها". 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)