هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم يحتمل إياد خبر استشهاد ابن خالته محمد برصاص الاحتلال وبدم بارد؛ فهما رفيقان وصديقان منذ الصغر حتى لو فرقتهما السجون مرارا، فمع وصول خبر استشهاده رد إياد سريعا برشق أحد السجانين الإسرائيليين بالماء الساخن أثناء اعتقاله في سجن النقب الصحراوي.
هذه بداية حكاية الأسير الفلسطيني
إياد ابزيع (26 عاما) من سكان مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة، حينما تلقى نبأ
استشهاد قريبه محمد في نيسان/ أبريل الماضي، وكان كالصاعقة عليه، ليحمل دلوا من
الماء الساخن ويرشقه تجاه أحد السجانين، متسببا له بحروق في الوجه، وعلى الفور
هاجمه عشرات الجنود دفعة واحدة وانهالوا عليه ضربا، بكل ما حملوا من عصي وبنادق
وأحذية عسكرية.
ويقول والد إياد لـ"عربي21"
إن "الخبر كان مفاجئا للعائلة على الرغم من معرفتهم بطبيعة نجلهم ذي الشخصية
القوية العنيدة التي لا تقبل الظلم، ولكنهم لم يتخيلوا أنه سيقوم بالانتقام من
داخل سجنه، فهو يقبع في الاعتقال الإداري المتجدد منذ تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2017".
ويشرح الوالد معاناة إياد التي بدأت
بعد ذلك؛ حيث تعرض لضرب مهين ومستمر وتعذيب وحشي نفسي وجسدي، كما تعرض للحرمان من
النوم فضلا عن نقله لزنازين العزل الانفرادي التي لا تزيد مساحة الواحدة منها على 160
سم طولا و80 سم عرضا.
ويضيف: "الزنزانة مفصلة على أن
تتسع للجسد فقط دون القدرة على الحراك، وهذا أسلوب تعذيب بحد ذاته، ورغم ذلك بقي
إياد مقيدا من يديه وساقيه وحُرم من النوم، وفي أفضل الحالات كان يتم نقله إلى
زنزانة بطول مترين".
الظروف القاسية التي وُضع فيها
الأسير إياد جعلته يعلن إضرابه المفتوح عن الطعام بجسد هزيل احتجاجا على استمرار
عزله، وبعد 18 يوما من ذلك وافقت إدارة سجون الاحتلال على إنهاء العزل في سبتمبر
القادم، بينما تمت إضافة حكم فوق اعتقاله الإداري يقضي بسجنه لثمانية أشهر أخرى
وغرامة مالية تفوق 1700 دولار.
اقرأ أيضا: الاحتلال يشن حملة اعتقالات ومداهمات في الضفة والقدس
ويتابع الوالد بالقول: "بعد جهد
جهيد من المؤسسات الحقوقية تمكنّا في شهر حزيران/ يونيو الماضي من زيارته في العزل
وتفاجأنا من شكله، حيث فقد جميع أسنانه الأمامية نتيجة الضرب وبدت على وجهه آثار
الكدمات من الاعتداء المستمر، كما فقد من وزنه الكثير".
ورغم استمرار معاناة إياد من آثار
الضرب وعدم قدرته على النوم من شدة الألم إلا أنه يتعرض لسياسة إهمال طبي ممنهجة
بحسب ما تقول عائلته، حيث يخبر إدارة السجون دائما أن بطنه وخاصرته يؤلمانه بشدة
ولا يتلقى أي اهتمام.
كل هذه الحزمة من التعذيب والتي أصبح
الأسرى الفلسطينيون مطلعين عليها بكل تفاصيلها؛ لم تمنع موجة "الثأر
للكرامة" داخل السجون كما تحلو لهم التسمية، فالكثير من الأسرى يلجأون إلى
تنفيذ عمليات طعن أو ضرب للسجانين ردا على محاولات الإهانة والإذلال بحقهم.
فالأسير محمود نصار (24 عاما) من
بلدة مادما جنوب مدينة نابلس قام بطعن سجان إسرائيلي في شهر كانون الثاني/ يناير
من عام 2017 ردا على قيام الاحتلال بانتهاكات ضد قيادات الأسرى والمرضى وكبار السن
منهم والدوس على وجوههم بعد إلقائهم أرضا.
ويقول والد الأسير لـ"عربي21"
بأنه فور وقوع عملية الطعن بدأ الجنود بالاعتداء ومهاجمة شقيقه الأسير أحمد ظنا
منهم أنه المنفذ، وبقي شقيقه محمود يصرخ بأعلى صوته أنه هو من نفذ الطعن حتى
يبتعدوا عن أحمد ولكنهم واصلوا الضرب بوحشية حتى فقد الوعي، وبعدها هاجموا محمود
وضربوه بالطريقة ذاتها.
اقرأ أيضا: 220 طفلا فلسطينيا أسيرا محرومون من الالتحاق بالعام الدراسي
ويوضح أن نجله محمود صاحب شخصية
انفعالية ولا يقبل نصف أو ربع ما حلّ بالأسرى، كما أنه يمتاز بالشجاعة المطلقة فلا
يتراجع عن موقف ولا يمرر أي سيئة تحدث له من طرف الاحتلال.
ويشير الوالد إلى أن السجان المصاب
قال للأسير محمود خلال إحدى جلسات المحاكمة "لماذا أقدمت على طعني ماذا فعلت
لك؟" فكان رده أن هذا ليس موقفا شخصيا بل تصرف من فلسطيني مقاوم تجاه ضابط
إسرائيلي يتفنن في إذلال الأسرى وعقابهم.
ويضيف: "محمود إنسان عنده كرامة
وانتماء ومشاعر وإحساس تراكمت كلها في داخله وأنتجت ما قام به لأنه لا يقبل كل هذا
الظلم، وحين اجتمعت كلها في فترة زمنية صغيرة وكان توجه الاحتلال العام هو إذلال
الأسرى وحتى الفلسطينيين جميعا كان هذا الرد من ابني، ليس لأنه يحب التعذيب والعزل
ولكن لأنه يريد أن يبين للاحتلال أن كل فعل له رد فعل".
وبعد الاعتداء عليه بالضرب المبرح
وتعذيبه وتغيير ملامح وجهه جراء اللكمات التي وجهها الجنود؛ بقي الأسير محمود في
العزل الانفرادي لمدة 16 شهرا وسط ظروف غاية في القسوة، حيث كان ينام على أرضيتها
شديدة البرودة دون غطاء ودون أن يتمكن من تناول الطعام بسبب الآلام التي حلت به،
كما تمت إضافة حكم لمدة سبع سنوات على حكمه الأصلي الذي كان لمدة ست سنوات أنهى
منها خمسة أعوام وبضعة أشهر، حيث كان اعتقل وهو فتى في السادسة عشرة وتعرض لتنكيل
من جنود الاحتلال.
ويتابع والده القول: "ابني أحمد
والذي تعرض للضرب القاتل عن طريق الخطأ ظنا منهم أنه من قام بطعن السجان؛ دخل إلى
المستشفى بحالة صعبة جدا وسط شكوك بأنه قد يفارق الحياة، بينما محمود ورغم ما تعرض
له من ضرب وتعذيب فلم ينقل إلا للعيادة البسيطة التي لم تقدم له أصلا أي علاج،
وبعد عامين من الحادثة اكتشف عن طريق الصدفة عبر أحد الأطباء في السجن أن عظام
أصابع يده مفتتة جراء الضرب، وحدثت لديه كسور في ذراعيه وساقيه، وحين سألته في
إحدى الزيارات كيف كُسرت يداك؟ قال إن الجنود حاولوا ضرب رأسه بعصاً حديدية غليظة
فقام برفع يديه ليحمي رأسه منها ما أدى إلى كسر عظامهما".
ويبدي الوالد قلقه على نجله الذي ما
زال يتعرض لمحاولات اعتداء وقتل على حد وصفه، ويردد السجانون على مسمعه عبارة
"بيننا حساب يجب تصفيته".
اقرأ أيضا: والدة أسير تعلق على مقاومة ابنها للاحتلال.. "فخورة" (شاهد)
بدورها، ترى الناطقة باسم مركز أسرى
فلسطين للدراسات أمينة الطويل بأن "هذه العمليات الفدائية التي تتم داخل السجون
يكون سببها الاحتلال ذاته، بممارساته التعسفية ومحاولته عقاب الأسرى وسحب إنجازاتهم
بشكل مستمر".
وتوضح في حديث لـ"عربي21"
بأن حالة الضغط الكبيرة التي يتعرض لها الأسرى داخل سجون الاحتلال تؤدي بهم إلى
ردات الفعل هذه، كما أن الوضع أصبح لا يطاق وهناك أسرى لا يحتملون تراكم الإهانات
من السجانين، بحيث وصلت مثل هذه العمليات إلى معدل مرتين أو ثلاثة سنويا ويعتبر
مرتفعا مقارنة بالسنوات الماضية.
وتضيف: "ما يحدث هو وصول الأسير
لمرحلة من الضغط والتعب من الانتهاكات المتراكمة والمتلاحقة بنفس الوقت، فتأتي
اللحظة التي لا يحتمل فيها المزيد حتى لو كلفه ذلك كثيرا، فعلى سبيل المثال الأسير
أنس عواد من نابلس قبل الإفراج عنه بيوم واحد حاول تنفيذ عملية طعن وحتى الآن ما
زال في زنازين العزل، ولكن الذي أدى به إلى ذلك هو الضغط الشديد الذي يتعرض له
الأسير من قبل السجانين".
وتؤكد بأنه في تلك الحالات يتجاهل
الأسير النتائج المترتبة على ذلك رغم علمه أنه قد يصل درجة الموت من شدة التعذيب،
لكن الأهم بالنسبة له هو تسديد ضربة في مرمى الاحتلال، على حد تعبيرها.