ملفات وتقارير

الهجرة البطيئة والصامتة للإيرانيين من دبي

لوموند: الخبراء في الخليج يتوقعون صمود العلاقة بين إيران ودبي في مواجهة الأزمة
لوموند: الخبراء في الخليج يتوقعون صمود العلاقة بين إيران ودبي في مواجهة الأزمة
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على رحيل العديد من رجال أعمال الإيرانيين من دبي، وهي الإمارة الخليجية التي تربطها علاقات تاريخية مع الجمهورية الإسلامية، بعد أن ضيقت العقوبات الأمريكية عليهم الخناق.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على طهران تضعف الجالية الإيرانية القوية التي تعيش في الإمارة الخليجية. في الماضي، على ضفتي خور دبي وهو المجرى الذي ظهرت منه هذه الإمارة، كان من الممكن سماع بعض المارين يتحدثون الفارسية بقدر ما يتحدث آخرون العربية أو الإنجليزية أو الهندية.

وكانت أحياء ديرة وبر دبي، التي تعتبر المركز التاريخي للدولة المدينة، والتي تنتشر فيها البنوك والبازارات والمساجد والمطاعم الإيرانية، مناطق يتدفق إليها حشود من التجار ورجال الأعمال والسياح القادمين من الجمهورية الإسلامية خلال بداية القرن الحالي. وكانت هذه الأرض الصغيرة، التابعة للإمارات العربية المتحدة، بمثابة ميناء بديل للعملاق الفارسي، الخاضع للحصار الذي فرضته الولايات المتحدة.

وبينت الصحيفة أن هذا التاريخ المشترك، الذي ظهر في بداية القرن العشرين، تحديدا حين هاجر سكان جنوب إيران الناطقون بالعربية والذين رفضوا الضرائب التي تفرضها الحكومة المركزية إلى الضفة الجنوبية للخليج، يمر بفترة عصيبة في الوقت الحالي.

وأوضحت الصحيفة أن عوامل على غرار تشديد العقوبات الأمريكية ضد طهران، في أعقاب قرار واشنطن القاضي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في شهر أيار/ مايو 2018، وحرب الأعصاب الجارية في الخليج حيث تتضاعف الحوادث البحرية، فضلا عن ركود الاقتصاد الإقليمي نتيجة لانخفاض أسعار النفط، دفع الجالية الإيرانية في دبي إلى الرحيل.

ونقلت الصحيفة عن سايروس رزاغي، وهو مستشار اقتصادي إيراني يتنقّل بين طهران ودبي، قوله: "نشهد حركة هجرة غير مسبوقة، إذ تغادر أعداد غفيرة من رجال الأعمال الإيرانيين، الذين كان يعيش بعضهم في أماكن رمزية للإمارة، مثل جزر النخيل الاصطناعية ومارينا وبرج خليفة، إلى تركيا وجورجيا وعمان، وهي أماكن مناسبة أكثر لمواصلة أنشطتهم".

وفي تقرير حديث لصحيفة "فايننشال تايمز"، صرّح مسؤول إماراتي رفيع المستوى بأنه في غضون ثلاث سنوات انخفض عدد الإيرانيين الذين يعيشون في الإمارات، والذين يقطن أغلبهم في دبي، بمعدل الثلث، حيث انخفض عددهم من 117 ألف إلى 73 ألف شخص. ووفقًا للمصدر ذاته، انخفض عدد الزوار القادمين من إيران إلى حدود النصف بين سنة 2016 والسنة الماضية، ليتراجع من 700 ألف إلى   350 ألف زائر.

وذكرت الصحيفة أن هذا النفور يتجلى أيضا في صورة التجارة بين البلدين، والتي تقدر قيمتها بحوالي 19 مليار دولار سنة 2018، والتي وفقًا للإسقاطات الإماراتية التي نقلتها صحيفة "فايننشال تايمز" قد تنخفض بمقدار النصف هذه السنة. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد إشعار رسمي أو أمر قاض بطرد الإيرانيين. ويبدو أنه مع التراكم المفاجئ للمشاحنات والمآزق ذات الصبغة الإدارية والمهنية، أدرك المغتربون الإيرانيون أن الوقت قد حان لحزم الحقائب والمغادرة.

وقالت الصحيفة إن الشعور بالاختناق الذي يُعبّر عنه الكثير من المواطنين الإيرانيين، ينبع أساسا من حرص البنوك والإدارات في الإمارات العربية المتحدة على الامتثال للعقوبات التي تتجاوز الحدود الإقليمية والتي تفرضها واشنطن. وبعد سنوات من التساهل الذي ساهم في تكديس ثروات دبي، التي أصبحت مركزا لأعمال التهريب مع طهران، باتت السلطات المحلية بالمرصاد، إذ أنه بالنسبة للمواطنين الإيرانيين، أضحى الحصول على تأشيرة عمل إماراتية اليوم إنجازا عظيما.

وأوضحت الصحيفة نقلا عن المحامي الفرنسي المتخصص في العقوبات الاقتصادية، أوليفير دورغانز أن "عدوانية إدارة ترامب القائمة على سياسة "ممارسة أقصى قدر من الضغط"، والتي تتفق معها الإمارات العربية المتحدة، خلقت أجواء من القلق". من جانبه، كان شاهروز مهندس تكنولوجيا المعلومات البالغ من العمر 41 سنة، الذي وصل إلى دبي في سنة 2008، شاهدا على التشدّد التدريجي في الإمارات بشأن هذه المسألة.

وقد صرح شاهروز قائلا: "تزامن استقراري مع صدور قرار في البلاد بعدم توظيف المزيد من الإيرانيين في القطاع العام". لقد وُعدت بوظيفة في شركة طيران الإمارات التي حُرمت منها بين ليلة وضحاها. وقد تمكنت من العودة إلى القطاع الخاص، حيث كان من الممكن في السنوات الأولى وعلى الرغم من القيود المتزايدة، ممارسة الأعمال التجارية".

وأوردت الصحيفة أن نهب السفارة السعودية في طهران في كانون الثاني/ يناير سنة 2016 ردا على إعدام الرياض لرجل دين شيعي سعودي مثّل نقطة تحول. وقد استدعت الإمارات سفيرها من العاصمة الإيرانية وشدّدت موقفها تدريجيا، لدرجة أنها بدت في السنوات الأخيرة كإحدى أكثر الجهات الفاعلة والمصممة على مواجهة إيران.

واليوم، يشير شاهروز إلى أن "دبي هي أكثر مكان يتعرض فيه الإيرانيون للتمييز في العالم. نحن نتعرض للطرد بطريقة مؤدبة من البلاد. وللتغلب على هذا الوضع، لا بد من إنشاء شركات وهمية أو شراء جواز سفر أجنبي وهو ما لا يستطيع القيام به سوى الأغنياء".

وفي الختام، أفادت الصحيفة بأن الخبراء في الخليج يتوقعون صمود العلاقة بين إيران ودبي في مواجهة الأزمة. وفي حال لم تندلع حرب كبرى، سيعود رجال الأعمال الذين غادروا البلاد أو سيُستبدلون بآخرين. في هذا الصدد، قال عالم الجغرافيا الفرنسي الإيراني، أمين مقدم، إن "الترابط بين الكيانين عميق للغاية لدرجة أنه لا يمكن كسره".

0
التعليقات (0)