(1)
هُوَ، لا غيره، مَنْ ترجَّل عن نجمةٍ لم تُصبْهُ بأَيّ أَذى.
قال: أسطورتي لن تعيش طويلاً ولا صورتي في مخيّلة الناس..
(2)
انتظر، ماذا تكتب؟.. كان على هذا المقال أن ينتظر كثيراً..
(1)
إلى متى؟
(2)
إلى ما بعد كسر الانقلاب مثلاً، فليس هذا وقته.. لدينا الآن قضايا وأحداث ساخنة.. ألا تسمع عن الفقر والقمع وصفقة القرن؟ فما أهمية الكتابة عن
الشعر؟ وما جدوى استعادة أحاديث قديمة عن شاعر مات منذ 11 عاما؟
أنت تتجاهل ما يحدث من كوارث، وتكتب "كتابة صالونات" كلها تهويمات فلسفية وشطحات أدبية واختيارات نخبوية؛ بعيدة عن القضايا الرائجة والمشاغل الساخنة للناس.
(1)
هناك من كتب عن الوردة والغزالة في مواجهة الرصاصة والبندقية، فعاشت كلماته أكثر مما عاشت كتابات ساخنة زاعقة مغموسة بأخبار اللحظة.
(2)
يبدو أنك تستدعي محمود درويش، آآه.. لقد أوشكت ذكرى رحيله، لكن هذا لن يغير شيئاً في حديثنا، فقد كان على هذا المقال أن ينتظر أسبوعاً بالتمام والسلام.
(1)
بالنسبة لي هذا المقال لا يحتاج إلى مناسبة، كل ما هنالك أنني قبل أيام كنت أعبر جسراً خشبيا على جدول صغير في غابة خضراء، فتذكرت القتيل رقم 18، وتذكرت أنه قد يكون أنا، وقد يكون أنت، ونشرت صورتي على الجسر لأتأكد أينا القتيل، فقال سعيد: يدان متشابكتان على الجسر.. يدي ويدك، وقال أسامة: خذ بأيدينا معك.
فقلت مسترجعاً شطراً من الشاعر وشطرة من قصيدته: خُذ بيدينا معاً، أيها المستحيل.
(2)
ألم تعد في نهاية مقالك السابق بالكتابة عن الذباب؟ فلماذا تخلف وتجعل القارئ ينتظر ما لا يحدث.
(1)
كلنا ننتظر ما يجب أن يحدث، ولا يحدث، فلا تخشى على الذباب؛ لأنه أكثر شيء مضمون البقاء في هذه المرحلة، وصدقني أن هذا المقال من الوفاءات النادرة في زمن كل ما فيه مخالف، وكل من فيه، خلف الوعود ونكث بالعهود، حتى صارت إنسانيتنا جيفة ملقاة بغير اكتراث على جانب طريق قفر، يشبه طريق كورماك مكارثي، وصار الذباب.. سيد الفضاءات في بلادنا ونجوم النهار في سماواتنا.
(2)
هذه الطريقة في الكتابة عدمية، أو ذاتية جداً، حتى تكاد أن تحول القضية إلى مشكلة نفسية، أكثر منها سياسية.
(1)
وما خطورة ذلك؟ لقد فعلها نجيب سرور، فأظهرت احتجاجاته النفسية عورات الفاسدين بأكثر مما فعلت صرخاته السياسية، ويمكنك أن تستلهم الماثور وتسأل: ماذا يفيد الواحد منا لو كسب في السياسة وخسر نفسه؟
(2)
أنت تتفلسف، لذلك تفكر طويلاً وتفعل قليلاً.
(1)
سعاد حسني ارتكبت ذلك في سنواتها الأخيرة، فهل كانت جريمتها أم جريمة المرحلة؟! دعنا من سعاد حسني لأن بوريدان سبقها بقرون ولم تستفد البشرية شيئا من تأملاته، لذلك أعترف لك بصدق أن الشخص الآخر بداخلي يحترم صلواتك الواقعية، ويفكر كثيرا في ملاحظتك، لكنني (بكل صراحة وطلب للفهم والمغفرة) أرتاح أكثر لفعل متأخر تم التفكير فيه بتمهل، على فعل متسرع لم يتعلم شيئا من خبرة التأني ومن كوابح التفكير.
(2)
أسلوبك يغازل الخيال، وربما يراه المترفون مشوقاً وجميلاً، لكن ماذا عن الواقع؟ ماذا عن القبح الذي يحني رقابنا تحت أقدام الوقائع اليومية؟ لماذا لا نهتم أكثر بمواجهة هذا الواقع مباشرة، بلا زخارف ولا دوران؟
(1)
يحاصرني واقعٌ لا أُجيد قراءته.
(2)
توقف إذن عن الهروب من هذا الواقع، أو توقف عن تهريبه، أو توقف عن الكلام.
(1)
إلى أين أذهبُ؟
(2)
إلى نجمةٍ غير مرئيّةٍ أو إلى الكهف
(1)
أنا من هناك، وأنت معي الآن، كلنا في الكهف يا صاحبي، والحكاية أن كلامي وكلامك ليس خلافاً في القضية، وليس وفاقاً فيها..
ربما حيلة..
وربما ساحة تدريب لنتعلم تفكيك الكلام
كي نُرَكِّب مفردةً واحدهْ
هي: الوطنُ
(2)
لماذا لم تكتب عن ضحكة السيسي في مؤتمر الشباب، أو رفض ملك البحرين لقاء نتيناهو، أو خطوات التحديث التي يقوم بها ابن سلمان في المملكة، أو..؟
(1)
لا أستسيغ مضع الوحل يا صاحبي، سأحكي لك عن أمنياتي الحالمة في عالم مشين، سأكتب ذكرياتي عن نجمةٍ بَعُدَتْ، وعن غَدٍ يتلكّأُ، وأسأل فيك الخيال لا الواقع: هل كان يعلم أنَّ طريقَكَ هذا طويل؟
(2)
لكنني لا أفهم حكاية النجمة وأسئلة الخيال.
(1)
على الحُلْم أن يرشد الحالمين كما الوَحْيُ
(2)
الحُلم.. الأمل.. التأمل، هذه الكلمات الهلامية مجرد مخدرات غير واقعية، لماذا تجافي الواقع وتراهن على المستحيل؟
(1)
قال درويش.. (قد يكون هو، وقد يكون غيره):
خُذْ بيدي أيها المستحيل وغاب كما تتمنَّى الأساطيُر
لم ينتصر ليموت، ولم ينكسر ليعيش
فخذ بيدينا معاً، أيها المستحيل.
[email protected]