مقالات مختارة

الانتخابات تلجم حرب ترامب على إيران ونتنياهو على المقاومة؟

عصام نعمان
1300x600
1300x600

عشية ما سُميّ ورشة «السلام من أجل الازدهار» في البحرين وقمة الدول العشرين في اليابان، حذّر دونالد ترامب إيران من أن أي هجوم على المصالح الأمريكية، سيؤدي إلى «ردّ ساحق» قد تكون نتيجته «المحو» من الوجود.


ما كان الرئيس الأمريكي ليدّعي لنفسه قدرة إلهية على «المحو» من الوجود لو لم يكن متأكدا من أن إيران لن تهاجم المصالح الأمريكية، لأنها ليست بحاجة إلى ذلك. غير أن إيران لن تَتَردَد في مهاجمة وسائل الحرب الأمريكية عندما تُستعمل للاعتداء عليها أو اختراق مجالاتها السيادية. ألم تُسقط طهران مؤخرا طائرة تجسس مسيّرة لأمريكا اخترقت مجاليها الجوي والبحري؟


ترامب لا يريد الحرب فعلا لأنها مكلفة جدا، ولأن العقوبات الاقتصادية أفعل وأقل تكلفة في ظنه، ولأن الحرب ــ وهذا سبب رئيسي ــ قد تكلّفه خسارة معركة ولايته الرئاسية الثانية في العام المقبل. بنيامين نتنياهو لا يقلّ عن ترامب تهيبا من الحرب، ولأنه يعرف تكلفتها الباهظة عند احتدام التوتر والاشتباكات الحدودية مع فصائل المقاومة في قطاع غزة عشيةَ الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، فقد سعى مع السلطات المصرية إلى إبرام تهدئة معها، كلّفته تقديم تنازلات للفصائل لها صلة بالمتطلبات المعيشية لأهل القطاع.


ترامب ونتنياهو صقران في وسائل التواصل الاجتماعي، لكنهما لا يترجمان بالضرورة تهديداتهما على الأرض. وإذا فعلا، فإنهما يفعلان ذلك على نحوٍ لا يُضطر معه الخصم أو العدو إلى الردّ بقسوة وعلى مدى واسع. إنهما يحترفان أسلوب الاستنزاف الطويل الأمد، الذي يستهدف الناس في عيشهم اليومي وأمنهم الاجتماعي، ولا يلجأان إلى الحرب المفتوحة إلا إذا كانا واثقين من أنهما سيخرجان منها منتصرين. وهي أمنية لم تتحقق قط. ترامب أدرك أخيرا أن تصرفاته الغريبة وغرائبه المتكاثرة، وسوء أداء مساعديه، عززت قدرة خصومه السياسيين والأعداء على الرد عليه بقوة وفعالية، ما حمله على الاقتصاد في انتهاج طريق المغامرة. غير أن انتخابات الدورة الرئاسية الثانية تبقى اللاجم الأفعل لحماقاته ومغامراته. ولعله سيكون أكثر تحفظا وهدوءا بعدما تكشّفت استطلاعات الرأي التي أجريت أخيرا عن حقيقة ساطعة هي، عدم بلوغه المرتبة الثالثة بين المرشحين الديمقراطيين أو الجمهوريين المتنافسين، ولاسيما إزاء نائب الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن.

 

نتنياهو أقل حماقة من ترامب بالتأكيد، لكنه أكثر حذقا منه في استغلال المخاطر الأمنية للترويج لشخصه ولدعم سياساته. مع ذلك لم تسعفه حساباته السياسية والأمنية في انتخابات إبريل الماضية، إذ لم يستطع الظفر بأكثرية متجانسة تتيح له تأليف حكومة ائتلافية. ذلك دفعه إلى توليف أكثرية إجرائية وافقت على حلّ الكنيست وتحديد موعد لإجراء انتخابات نيابية جديدة في 16 أيلول/سبتمبر المقبل. غير أن الظروف السياسية والأمنية تبدّلت لغير صالحه بعد نفاذ قرار الحل، فإذا به يسعى الآن إلى توليف أكثرية توافقه على إلغاء قرار حلّ الكنيست بغية إحيائه والإبقاء عليه، ومن ثم عدم إجراء انتخابات جديدة، لماذا؟


لأن معارضي نتنياهو من أحزاب الوسط، وبعض أحزاب اليمين أصبحوا أكثر قدرة على منافسته، وربما التغلّب عليه. ليس أدل على ذلك من نتائج استطلاع الرأي العام الذي أجرته قناة التلفزيون الإسرائيلية 13، وأُعلنت يوم الاربعاء الماضي وبيّنت أنه في حال إجراء الانتخابات العامة للكنيست الآن، سيحصل معسكر أحزاب الوسط ـ اليسار، والأحزاب العربية، على أغلبية 61 مقعدا من مقاعده الـ120. ولعل من أهم أسباب التغيير الحاصل في أوساط الرأي العام، أن إعلان رئيس الحكومة السابق إيهود باراك تشكيل حزب جديد بغية خوض الانتخابات، من شأنه تغيير صورة الأوضاع الحزبية والسياسية في «إسرائيل»، إذ سيحصل الحزب الجديد على 6 مقاعد، بينما سترفع الأحزاب العربية المؤتلفة في قائمة مشتركة عدد مقاعدها من 9 إلى 12 (صحيفة «هآرتس» 2019/6/27).


في الانتخابات، ولا سيما في دول الغرب والكيان الصهيوني، يكرم السياسي أو يهان. ولا شك في أن ترامب الذي يطمح إلى إقامة «أمريكا العظمى»، يهمه جدا الفوز بولاية ثانية في خريف عام 2020، ولن يألو جهدا للجم نفسه عن ممارسة غرائب ومغامرات، كالتي مارسها في مطلع ولايته، كل ذلك بغية حماية نفسه من سخرية منتقديه ومعارضيه. مثله نتنياهو، يريد أن يحفر اسمه عميقا في ذاكرة الصهاينة كأطول رؤساء الوزراء عمرا في السلطة، على نحو يتجاوز ولاية أبرز مؤسسي الكيان الصهيوني ديفيد بن غوريون الملقّب بـ«النبي المسلّح». طموح نتنياهو هذا يتطلّب عدم تعكير الانتخابات بأي حرب قد تتسبب بخسارته.

 

أليس هذا ما حدث لإيهود اولمرت في حربه الفاشلة على حزب الله عام 2006؟ غير أن لجم ترامب ونتنياهو للمشاعر والنزوات والمطامع، لا يعني التوقف عن العدوان. فبموجب عقيدتهما العنصرية العدوانية، يقتضي أن يبقى العدو مستنزَفا ومنشغلا عن الإنماء والإعمار برفع الأضرار والدمار. في هذا السبيل، يتفقان على محاصرة الفلسطينيين وحلفائهم من العرب المقاومين بعقوبات اقتصادية صارمة، ومشاغلتهم بحروب أهلية وفتن طائفية ومذهبية، واستنزافهم باشتباكات مسلحة ترمي إلى إرهاق المجتمعات العربية وتعميق الفوارق الإثنية والمذهبية والاجتماعية فيما بينها، وصولا إلى تقسيمها. كل ذلك يكون بتدويم الحروب والنزاعات الأهلية الدموية وتفكيك المجتمعات العربية لترتسم في أرضها وسمائها مشاهد الخنوع والخضوع والركوع. ألم يخضع العرب خلال 1400 سنة من تاريخهم بعد الإسلام لحكام أجانب مدة تزيد عن ألف سنة؟ وحدها المقاومة واجهت التحدّيات وتصدّت لأعداء الأمة في الداخل والخارج. وحدها المقاومة نهضت وجاهدت وكسبت الرهان.

 

عن صحيفة القدس العربي اللندنية

0
التعليقات (0)