نشرت صحيفة "
الغارديان" البريطانيّة
تقريرا تحدّثت فيه عن القطع الأثريّة المنهوبة التي يجب إعادتها إلى مواطنها
الأصلية، مع العلم أن المتاحف الأوروبيّة تملك نسبة كبيرة من التراث الأفريقي
المنهوب.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"
عربي21"، إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صرّح بأنه لا يمكنه قبول
حقيقة أن جزءا كبيرا من التراث الثقافي من عدة بلدان أفريقية موجود في فرنسا. وقد
أكد ماكرون أنه يرغب خلال السنوات الخمس المقبلة في تهيئة الظروف المناسبة لتمكين
هذه البلدان من استعادة تراثها بشكل مؤقت أو دائم. وفي هذا الصدد، كلّف ماكرون
مؤرخة الفن بنيديكت سافوا والكاتب والأستاذ الجامعي السنغالي فيلوين سار بكتابة
بحث في هذه المسألة.
وذكرت الصحيفة أن الأمم المتحدة كانت أوّل من بدأ
هذا الحوار سنة 2007 في المادة 11 من البيان الذي قدّمته بشأن حقوق الشعوب
الأصلية، الذي حث الدول على استعادة "الممتلكات الثقافية والفكرية والدينية
والروحية"، المأخوذة من السكان الأصليين دون "موافقتهم المسبقة، لما في
ذلك من انتهاك لقوانينهم وتقاليدهم وعاداتهم". ولهذا الهدف، تمّ تأسيس منظمة
بنين للحوار في السنة ذاتها كمحاولة لحثّ مديري المتاحف الأوروبية على التحدّث مع
الممثلين الرئيسيين في نيجيريا.
وأشارت الصحيفة إلى أنه سرعان ما تحرّكت بقيّة
الدول. وفي سنة 2009، طالبت مصر متحف اللوفر بإعادة خمس شظايا من اللوحة الجدارية
من ضريح تتاكي. وفي سنة 2012، طالبت نيجيريا بإعادة 32 قطعة من متحف الفنون
الجميلة في بوسطن، التي نهبها الجيش البريطاني خلال غارة على القصور الملكية في
أبومي.
وفي سنة 2017، بعد سنة من تقديم رئيس جمهوريّةِ
بنين طلبا رسميا إلى وزارة الخارجية الفرنسية لإعادة القطع التي نهبت خلال
الاحتلال الامبراطوري، تقدمت نيجيريا بطلب آخر للمتحف البريطاني في لندن لإعادة
برونزية بنين الشهيرة.
وأوردت الصحيفة أن الهدف الأساسي لمنظمة بنين تمثل
في إنشاء مكان عرض دائم في مدينة بنين، يضمّ القطع الأثريّة التي كانت تنتمي
للمملكة السابقة وأصبحت منتشرة بين القارات. في المقابل، كان تدخّل ماكرون بمنزلة
نقطة التحوّل، إذ هاجم بكلامه السياسات الرسمية القديمة للمتحف الفرنسي.
ونتيجة لذلك، نُشرت دراسة في تشرين الثاني/ نوفمبر
الماضي، توصي بإعادة "أي قطع تم الاستيلاء عليها بالقوة"؛ سواء من قبل
الجيش أو المستكشفين العلميين أو المديرين خلال فترة الاستعمار الفرنسي في أفريقيا، التي استمرت من أواخر القرن التاسع عشر إلى حدود سنة 1960.
وأكدت الصحيفة أن المتحف الوطني الهولندي للثقافات
العالمية، تعهد من جهته بإرجاع جميع المصنوعات اليدوية الموجودة ضمن مجموعته،
التي اكتُشف أنها مسروقة خلال الحقبة الاستعمارية، بدءا من 139 قطعة برونزية من
بنين. وفي ترفورين خارج بروكسل، قام المتحف الملكي لوسط أفريقيا بتحويل نفسه من
مؤسسة لطالما احتفت بالتاريخ الاستعماري لبلجيكا في الكونغو، إلى مؤسسة تواجه بوعي
الجرائم المتعددة التي ارتكبتها الامبراطورية في حق الدولة الأفريقية بقيادة الملك
ليوبولد.
وفي برلين، وافقت 16 وزارة ثقافية في ألمانيا
ومكتب الخارجية والبلديات الحضرية على العمل مع المتاحف من أجل إعداد مجموعة من
الإرشادات الخاصة بعمليّة إعادة القطع المنهوبة من المستعمرات السابقة. وفي الوقت
ذاته، تم الإعلان عن مجموعة مثيرة من المتاحف الجديدة التي افتتحت في جميع أنحاء أفريقيا، من بينها افتتاح متحف الحضارات السوداء في داكار في السنغال سنة 2018،
الذي يستوعب قرابة 18000 قطعة، إلى جانب طلب واضح على أن تُملأ بعض تلك المساحة
بالقطع الموجودة حاليا في المتاحف الأوروبية.
وذكرت الصحيفة أنه من المقرر أيضا تنفيذ مشاريع
جديدة في مركز جافيت للفنون بجامعة بريتوريا ومتحف التاريخ الوطني في جمهورية
الكونغو الديمقراطية. ومن المقرر افتتاح متحف بنين الملكي في مدينة بنين سنة 2021.
وفي الواقع، يمثل تصريح ماكرون وتقرير سافوي وسار إنكارا فلسفيا للبيان الدفاعي
الذي قدّمته المتاحف الغربية التاريخيّة، في "بيان عن أهمية المتاحف العالمية
وقيمتها" سنة 2002.
وأوردت الصحيفة أن 18 مؤسسة بارزة بما في ذلك متحف
اللوفر ومتحف متروبوليتان في نيويورك قد وقّعت على وثيقة هذا البيان، الذي نصّ على
أنه "بمرور الوقت، أصبحت القطع المكتسبة، سواء عن طريق شرائها أو تقديمها
كهدية أو نقلها، تمثّل جزءا من المتاحف التي اعتنت بها، ومن ثم فهي جزء من تراث
الأمم التي تأويها".
نوهت الصحيفة بأنه تم تصعيد هذا النقاش في نيسان/
أبريل 2018، عندما عيّن متحف بروكلين عالما ذا بشرة بيضاء رئيسا للأمن الخاص
بالمجموعة الأفريقية. وقد دعت مجموعة "إنهاء استعمار هذا المكان"، وهي
مجموعة نشطة مقرها نيويورك تهدف إلى إصلاح متاحف المدينة، المتحف إلى
"المشاركة في إنشاء لجنة إنهاء الاستعمار، والاعتراف بدورهم الخاص في تاريخ
الاستعمار وتفوق البيض". ودعت المجموعة إلى تكليف هذه اللجنة بتنويع موظفي
المتحف ومراجعة مجموعتها من القطع الأثرية التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية، "بهدف تسوية مطالبات الإعادة والتعويض التي طال أمدها".
وخلصت الصحيفة إلى أنه من المتوقع أن تنمو الدعوات
إلى "إنهاء الاستعمار" وإعادة القطع الأثريّة وتعزيز التنوع. فعلى سبيل
المثال، كان حوالي 47 بالمئة من تلاميذ المدارس الذين زاروا متحف فكتوريا وألبرت
بين سنتي 2017 و2018، من خلفيات عرقيّة متنوّعة، مما يثبت التقدم الواضح الذي تمّ
إحرازه. ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن قادة المتاحف يجب أن يشاركوا في هذه الأجندة
وأن يعملوا على برامج التغيير الملموس، التي تشمل المجموعات الأثريّة والقيّمين
عليها، والتي يمكن أن تشمل خيار إعادة الآثار إلى وطنها، بطرق مختلفة، بناء على
تاريخ كل قطعة منها.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)