قلل
صحفيون وكتب وخبراء في الإعلام من أن ينجح قرار الهيئة الوطنية للصحافة
المصرية في إنقاذ الصحافة الورقية من مسلسل الخسائر المستمرة؛ نتيجة قلة التوزيع، وارتفاع
أسعار تكلفة الإنتاج، وتراجع الإعلانات.
وأكدوا في تصريحات لـ"
عربي21" أن الحل يكمن في رفع سقف الحريات
لدى تلك الصحف، وليس في رفع سعرها فقط، فالجانب المادي هو شق فرعي في مسألة
أزمة الخسائر
المستمرة مقارنة بالمحتوى.
وقررت الهيئة الوطنية للصحافة، الاثنين، زيادة أسعار الصحف اليومية والإصدارات
الأسبوعية الصادرة عن المؤسسات الصحفية القومية بقيمة "جنيه واحد"، اعتبارا
من تموز/ يوليو المقبل، على أن يرتبط رفع السعر بالارتقاء بالمحتوى التحريري.
وتقدر الهيئة الوطنية للصحافة إجمالي ديون المؤسسات الصحفية القومية بنحو
19 مليار جنيه (1.1 مليار دولار)، وتشمل المديونيات غرامات التأخير وفوائد المبالغ
المستحق دفعها والضرائب.
وبذلك يرتفع سعر الصحيفة الورقية من جنيهين إلى ثلاثة جنيهات، بزيادة قدرها
خمسين بالمئة، في محاولة لتعويض جزء من الخسائر التي تتكبدها المؤسسات الصحفية.
"أحد الحلول"
عزا عضو الهيئة الوطنية للصحافة (حكومية)، أستاذ الصحافة والإعلام محمود سليمان،
رفع أسعار الصحف القومية إلى "وجود زيادة في أسعار الورق والخامات المستخدمة في
طباعة الصحف؛ لزيادة موارد الصحيفة، وهي أحد الحلول لمواجهة ارتفاع أسعار الخامات، وكذلك
تقليل عدد الصفحات".
وقال لـ"
عربي21" إن "زيادة سعر الصحيفة جنيها واحدا لن يصرف
القراء عن الصحف القومية؛ لأن من لديه ولاء لصحيفته لن يمنعه الجنيه من شرائها، وهناك
من يرى أن الزيادة ستصب في صالح الصحيفة".
ورأى أن عدم الإقبال على قراءة الصحف مرتبط بعوامل كثيرة، من بينها المنافسة
الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، والراديو والتلفزيون، والهواتف المحمولة، وعدم جاذبية
المحتوى المقدم، لكن الصحافة المطبوعة في العالم بشكل عام تعاني من أزمات.
وبشأن ما إذا كان هناك اتجاه لتقليل عدد العمالة في الصحف، سواء من العمال
أو الفنيين أو الصحفيين، أكد سليمان أنه "لم يتم مناقشة الأمر، ولم يطرح كحل على
الإطلاق".
"حلول غير مجدية"
وقلل صاحب صحيفة اللواء الدولية، نقيب الصحفيين الأسبق بالإسكندرية عامر
عيد، من تأثير القرار على أوضاع الصحف القومية، قائلا: "القرار شكلي، ونسب التوزيع
قليلة، والشباب وجهته الوحيدة منصات التواصل الاجتماعية، لكنها محاولة لتقليل هامش
الخسائر".
مشيرا في تصريح لـ"
عربي21" إلى أنه كانت هناك خطة لدمج بعض الصحف لتقليل الخسائر، والاتجاه إلى
الصحف الإلكترونية بشكل عام، وتقليل الصحف الورقية بشكل خاص".
ورأى أن "مستقبل الصحف الورقية غير مبشر في ظل وجود وسائل أخرى بديلة، سواء مؤيدة أو معارضة تواكب الحدث، وتسبقها بكثير، وتنقل الخبر بعد حدوثه بدقائق، والخسارة
المستدامة تعود في جزء كبير منها إلى المناخ العام؛ لعدم وجود حريات صحفية؛ وبالتالي
انصرفوا عن الصحف".
وأكد عيد أن "الصحف لم تعد لديها التحقيقات المثيرة التي كانت تطرحها
وتختص بها، وليس لديها رؤية لتحليل الحدث وأبعاده، ولا تنتقد الحكومة، خاصة مع وجود
رقابة داخلية لدى بعض الصحفيين وخارجية كالرقيب الحكومي الذي يستطيع أن يؤثر في مسار
أي صحيفة حكومية أو مستقلة".
"بضاعة رديئة"
وفي معرض تعليقه على رفع أسعار الصحف، قال الخبير الاقتصادي، نقيب الصحفيين
المصريين الأسبق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية سابقا، ممدوح الولي، لـ"
عربي21"، إن "الهيئة ذاتها أكدت أن رفع الأسعار ليس الحل"، مشيرا إلى أن "الحل
يكمن في إعطاء فسحة من الحرية لزيادة التوزيع؛ لأن أمام الناس بدائل متعددة في حال
تعذر وجودها في الصحف الورقية".
وأكد أن "كل الصحف القومية قائمة على الإصدار الورقي الرئيسي للجريدة،
على الرغم من وجود إصدارات كثيرة لها، وفي حال زيادة التوزيع سيزيد المعلن لديك؛ وبالتالي
ستوجد موارد"، لافتا إلى أن "الصحف كانت تنفرد بعناوين مختلفة، وتحقيقات
منافسة من أجل تقديم شيء جديد ومختلف، ويكون هناك تميز، لكن الصحف اليوم متشابهة".
واعتبر أن إلقاء اللوم على ارتفاع سعر الورق وزيادة الدولار لم يعد مقبولا،
"فأسعار الورق انخفضت عالميا، وسعر الدولار انخفض أمام الجنيه منذ يناير الماضي،
وبالتالي سوء الإدارة، بالإضافة إلى أن الصحف تبيع سلعة بائرة غير جيدة، هو السبب الحقيقي".
واستبعد الولي أن "يتأثر العمال بتراجع المبيعات وزيادة الخسائر؛ لأن
الدولة تنظر لهم، وهم يعتبرون أنفسهم موظفين لديها، ويحصلون على معونة شهرية، وحصة من
الأرباح، رغم خسارة مؤسساتهم الصحفية، والدولة هي من تتحمل تلك المصاريف؛ لأنها راضية
عن دور المؤسسات الصحفية في توصيل رسالتها للمواطنين".