كتاب عربي 21

داود أوغلو يعود للحلبة السياسية

سعيد الحاج
1300x600
1300x600

منذ تأسيسه عام 2001، خرج الكثير من كوادره وعدد من القيادات من حزب العدالة والتنمية، أو على الأقل من دوائر صنع القرار فيه. البعض منهم اعتزل الحياة السياسية نهائياً، أو وجد لنفسه مكاناً في بعض الهيئات أو الأحزاب الأخرى دون تأثير كبير أو أثر واضح، لكن بعض تلك القيادات السابقة أبقت لنفسها مساحة من "الغياب الحاضر" من خلال ظهورها كل حين؛ بتصريح اعتيادي أو لقاء إعلامي أو مشاركة في برنامج عام.

هذا الحضور الباهت وقليل الوتيرة من تلك القيادات كان يُفهم على أنه إبقاء لحبل الود مع الحزب وقيادته، خصوصاً وأن ظهورها الإعلامي خلا من العتاب العميق أو الانتقادات الحادة. يأتي في مقدمة هؤلاء أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء ورئيس الحزب السابق ووزير الخارجية الأسبق، ومهندس السياسة الخارجية التركية لسنوات عديدة، والذي كان خطاب استقالته في 2016 محطة وداع مؤقت وغير قاطع مع حزبه.

ولأنه حافظ خلال السنوات الثلاث الفائتة على حضور هادئ ومُقل في الساحة السياسية، بعضه كان تأييداً لحزبه أو الحكومة أو الدولة، مثل مواقفه ليلة الانقلاب وخلال الاستفتاء على النظام الرئاسي، وبعد بعض العمليات الإرهابية التي استهدفت البلاد، لكل ذلك اعتبر الكثيرون البيان الموسع الذي نشره بعد الانتخابات البلدية بمثابة إعلان الانفصال عن العدالة والتنمية.

 

شارك داود أوغلو متحدثاً رئيساً في أربع مناسبات، وفي أربع مدن رئيسة تحمل رمزيات لافتة

المعيار الرئيس الذي يُنظر له في هذا السياق هو ظهور الرجل من عدمه في الحياة العامة بعد ذلك الـ"مانيفستو"، وهو ما تم أربع مرات على الأقل في برامج عامة خلال شهر رمضان، ما يدفع للقول إنه عاد وبقوة للحلبة السياسية وليس فقط للمشهد السياسي، بكل ما تتضمنه كلمة "حلبة" من دلالات.


خلال شهر رمضان، شارك داود أوغلو متحدثاً رئيساً في أربع مناسبات، وفي أربع مدن رئيسة تحمل رمزيات لافتة، هي أنقرة العاصمة، وإسطنبول التي تلقب بتركيا المصغرة؛ لأهميتها وخزانها الانتخابي الذي يوازي خُمس ناخبي البلاد، وقونيا، مسقط رأسه وأحد أهم معاقل المحافظين في تركيا، وديار بكر، أكبر مدن الشرق والجنوب الشرقي ذي الأغلبية الكردية.

وعلى قدر رمزية المدن التي خطب فيها "الخوجا"، كانت بعض خطاباته كذلك في منتهى الرمزية والإيحاء، حيث تكثَّف حديثه عن ضرورة تقييم المرحلة السابقة، بعد استعراض المرحلة الدقيقة التي تمر بها تركيا حالياً وما تواجهه من تحديات، ليقول في إحدى كلماته إنه "سيأتي يوم الحساب الذي تفتح فيه الدفاتر، ويظهر من راعى هذا الإرث (إرث السلطان عبدالحميد) ومن خانه، ومن ترك الكثير لأجله ومن لهث خلف مصالحه الشخصية"، في رسالة حادة فهمت أنها موجهة للبعض داخل الحزب.

أما الرسالة الأبرز والأكثر مباشرة، فقد كانت في قونيا، حين تحدث الرجل صراحة عن "حاجة تركيا إلى حال جديدة" أو تمظهر جديد، مركزاً رسالته في شعار "إما حال (جديدة) وإما الاضمحلال"، وهو ما فهم أنه رسالة ضمنية تحيل لحزب جديد سيعلنه الرجل قريباً.

ما زال الأمر (في ظني) لم يصل لدرجة الجزم والقطع، حيث يمكن أن يتراجع داود أوغلو عن فكرة الحزب الجديد، بشكل مبدئي باعتبار أنه يركز في كلامه على عدم بحثه عن مواقع أو مناصب، والتأكيد على حرصه على النقد العلني بُغية التصويب، أو حتى سياسياً إن رأى أن الحزب الجديد قد لا يلقى قبولاً أو قد لا ينجح، لا سيما بعدما استمال اردوغان عدداً من القيادات السابقة في بعض المناصب، وفي مقدمتهم نائب رئيس الوزراء ورئيس البرلمان الأسبق بولند أرينتش، ووزير الداخلية الأسبق عبد القادر أكصو.

 

الأمر لم يصل لدرجة الجزم والقطع، حيث يمكن أن يتراجع داود أوغلو عن فكرة الحزب الجديد، بشكل مبدئي باعتبار أنه يركز في كلامه على عدم بحثه عن مواقع أو مناصب، والتأكيد على حرصه على النقد العلني بُغية التصويب، أو حتى سياسياً إن رأى أن الحزب الجديد قد لا يلقى قبولاً أو قد لا ينجح

ورغم ذلك، من الصعب تفسير كل هذا الحضور لداود أوغلو خارج سياق الإعداد لتأسيس حزب سياسي جديد خارج أطر العدالة والتنمية، وهو ما قد يستغرق وقتاً قبل الإعلان عنه، إذ إن خطوات إعداده تتطلب عملاً دؤوباً في كل المحافظات؛ لتأطير الكوادر وفرق العمل من جهة، والتقرير بخصوص التعاون من عدمه مع بعض القيادات السابقة، وفي مقدمتها الرئيس السابق عبد الله غل ووزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة التوقيت الأفضل للإعلان، والذي سيكون أكثر مناسبة إن كان يتضمن تراجعاً رمزياً أو عملياً للعدالة والتنمية.

ولذلك، تحديداً كان "مانيفستو" داود أوغلو بعد الانتخابات البلدية الأخيرة التي شهدت تراجعاً نسبياً للحزب رغم تصدره الانتخابات بفارق كبير عن منافسيه، ولذلك سيكون منطقياً أن ينتظر داود أوغلو نتيجة انتخابات الإعادة في إسطنبول، لأهميتها ولدلالاتها السياسية وارتدادتها على الحياة السياسية والحزبية في البلاد. ما يعني مرة أخرى أن الكثير موضوع على المحك فعلاً في انتخابات الـ23 من الشهر الجاري، وخصوصاً على صعيد العدالة والتنمية نفسه، بعد أن أعلن داود أوغلو بلسان الحال لا المقال عودته للحلبة السياسية في تركيا.

التعليقات (1)
اسامة عميرة
الخميس، 13-06-2019 11:02 م
تحليل موضوعى تشكر عليه دكتور سعيد لقد لعب البروفيسور داود أوغلو من الأدوار الهامة فى السياسة التركية الحديثة ما لا ينكر وهو شخصية ليست محل اختلاف فى كفاءتها ووطنيتها ولكن اكثر ما نخشاه ان يؤدى هذا الولوج الى الحلبة السياسية الى تقسيم الأصوات الوطنية وبالتالي يستفيد الأطراف المدعومة خارجيا من هذا الانقسام وتفقد تركيا مسارا صحح لها الكثير من المؤشرات وأعاد لها وزنها الدولى والإقليمي المفقود منذ بداية القرن العشرين ولكم تحياتي