شهد الرابع والعشرين من تموز (يوليو) من العام الماضي 2018م افتتاح عبدالفتاح السيسي، أكبر 3 محطات كهرباء في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهي محطات "بني سويف والبرلس والعاصمة الإدارية"، بقدرة 9 آلاف و600 ميغاوات، بواقع 4800 ميغاوات للمحطة الواحدة، بعد أن تم ربط المحطات الثلاث بالشبكة القومية للكهرباء، وقد نفّذتها شركة "سيمنز" الألمانية، بقدرة إنتاجية 14.4 ألف ميغاوات، وبتكلفة 6 مليارات يورو.
عروض أمريكية وماليزية بشأن الطاقة
هكذا تغنت الصحف المصرية في ذلك اليوم مبررة ذلك العرس الكهربائي بأن توليد الطاقة هو أحد العوامل الأساسية التي يعتمد عليها برنامج السيسي والحكومة، لمواجهة أزمة انقطاع الكهرباء وسد العجز المزمن في توليد القوة الكهربائية، وانتشار الطوابير على محطات الوقود ومستودعات البوتوغاز.
ثم ما هى إلا أشهر معدودات حتى نشرت نفس الصحف المصرية مع نهايات شهر أيار (مايو) الماضي أن الحكومة تدرس عروضا من شركتي "زارو" الأمريكية، و"إدرا باور" الماليزية للاستحواذ على 3 محطات طاقة في مصر بنيت بالاشتراك مع شركة "سيمنس" الألمانية، ومن شأن هذه الخطوة خفض الديون وجلب الاستثمارات الأجنبية التي تحتاجها مصر بشدة وفقا لما صرح به وزير الكهرباء والطاقة المتجددة في مصر محمد شاكر لوكالة "بلومبرغ"، وكشف شاكر أنه في حال إتمام الصفقة، فسوف يتم توقيع اتفاق شراء طاقة مع إحدى الشركتين، وسوف تبيع الشركة الكهرباء للحكومة وتعمل بجانب شركة سيمنز في إدارة المحطات.
وقد يعجب المرء من هذا السلوك الحكومي المتناقض والتبريرات الوهمية البعيدة كل البعد عن الإقناع، ولكن لو عدنا بالذاكرة قليلا لعرفنا كيف يبيع السيسي مصر بشرا وحجرا ونيلا ومصانع وأرضا ومعدات!! ففي شهر تموز (يوليو) 2015 أصدر السيسي قرارا بقانون تنظيم الكهرباء رقم 87 لسنة 2015م، الذي حصر دور الدولة في جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك كهيئة عامة مستقلة عن أطراف مرفق الكهرباء، تكون له الشخصية الاعتبارية.
لو عدنا بالذاكرة قليلا لعرفنا كيف يبيع السيسي مصر بشرا وحجرا ونيلا ومصانع وأرضا ومعدات!!
وأشار القانون إلى أن الجهاز يهدف إلى تنظيم ومراقبة ومتابعة وتطوير كل ما يتعلق بنشاط الكهرباء إنتاجا ونقلا وتوزيعا واستهلاكا، وإلى جذب وتشجيع الاستثمار في هذا المجال في إطار المنافسة الحرة المشروعة. كما أصدر السيسي من قبل ذلك القانون (في تشرين الأول/ أكتوبر 2014م) قرارا بتعديل بعض أحكام القانون رقم 102 لسنة 1986م، بإنشاء هيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمُتجددة بهدف تمكين الهيئة - بعد موافقة وزير الكهرباء والطاقة المتجددة - من إنشاء شركات مساهمة بمفردها أو مع شركاء آخرين لجذب المستثمرين للدخول مع الهيئة في مشروعات مشتركة لتشجيع إنتاج وبيع الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة.
وهذا المسلك القانوني واضح المعالم برفع يد الدولة عن الإدارة المباشرة لقطاع الكهرباء، وفتح الباب على مصراعيه لخصخصته، ومن ثم مزيد من بيع المواطنين للمستثمرين سواء أكانوا أجانب أو مصريين.
عذر أقبح من ذنب
أما تبرير بيع تلك المحطات بخفض الديون وجلب الاستثمارات الأجنبية، فهو عذر أقبح من ذنب، فكيف تخفض الحكومة الديون ولا هدف لها سوى التداين من كل مكان، حتى بات المصري ينام ويستقيظ على قرض جديد، وإذا كانت الحكومة جادة في تخفيض الديون فلماذا اتجهت لهذه المحطات بالديون؟ ثم كيف يجذبون الاستثمار الأجنبي وهذه الصفقة لن يترتب عنها قيمة مضافة حقيقية إلا ما سوف يدخل جيوب السماسرة أصحاب المصالح؟
والحكومة لم تكتف بذلك بل مازالت مستمرة في بيع ما تبقى من شركات قطاع الأعمال العام باسم الخصخصة المخلوطة بالفساد، ففي آذار (مارس) الماضي أطلقت الحكومة المصرية المرحلة الأولى من برنامج الطروحات العامة بطرح حصة إضافية تبلغ 4.5% في الشركة الشرقية للدخان.
إذا كانت الحكومة جادة في تخفيض الديون فلماذا اتجهت لهذه المحطات بالديون؟
وإلى جانب ذلك تشمل المرحلة الأولى أيضا شركات أبو قير للأسمدة والإسكندرية للحاويات، حيث تجهز الحكومة حاليا لطرح حصتين إضافيتين منهما بالبورصة وتتوقع حصيلة تتراوح بين 7 إلى 8 مليارات جنيه من طرحهما، وقد أكد هشام توفيق وزير قطاع الأعمال أن الحكومة تعتزم كذلك بدء المرحلة الثانية من برنامج الطروحات في موعدها المقرر في أيلول (سبتمبر) المقبل وأن القائمة تضم شركات صناعية وتعدينية إلى جانب شركة إنبي.
إن مشكلة الحكومة هى محاربة كل شيء ناجح، والتخلص من أصول حقيقية تنفق في سداد ديون لم تحقق في جلها أي قيمة مضافة حقيقية، والعمل دون كلل أو ملل لتوريط مصر في ديون لا قبل لها بها، وبيع المواطن بدون ثمن باسم الاستثمار الأجنبي المفقود، وأصحاب المصالح الذين فاحت رائحتهم. فمتى تتوقف الحكومة عن بيع مصر أم الدنيا وإنقاذ ما تبقي من أصولها؟