هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رغم أنه لا تكاد تخلو فضائية مصرية من عرض برنامج ديني ولا من ظهور داعية له صيت، إلا أن عددا كبيرا من المصريين عزفوا عن مشاهدتها.
وبينما كانت تتبارى الفضائيات المصرية الخاصة والحكومية في تقديم عدد من برامج الأدعية والابتهالات الخفيفة قبيل المغرب وأثناء الإفطار وبأصوات كبار المطربين والممثلين والقراء والمنشدين؛ غابت أدعية رمضان عن الفضائيات بحسب ما رصدته لـ"عربي21".
ومنذ الانقلاب العسكري منتصف 2013، أغلقت السلطات الفضائيات الدينية، ولم يتبق إلا عدد محدود تتحكم في إدارته ومحتواه المخابرات المصرية، حتى أن فضائية "الناس"، صاحبة الشهرة الواسعة في عهد حسني مبارك منذ عام 2006، بكبار دعاة السلفية أمثال محمد حسان، وحسين يعقوب، وأبو إسحاق الحويني، ومفسر الأحلام سالم أبو الفتوح؛ تم السيطرة عليها هي الأخرى، وغاب عنها دعاة السلفية.
وتخضع "الناس" لمجموعة إعلام المصريين التي تديرها المخابرات، وقبل أيام من شهر رمضان وفي 30 نيسان/ أبريل، أبلغت إدارة القناة العاملين بأنه اليوم الأخير لهم، وسيتم وقف بث البرامج مباشرة، وعرض برامج مسجلة، إلا أن القناة عادت بتردد جديد، بظهور المفتي السابق علي جمعة، والشيخ أحمد عمر هاشم.
اقرأ أيضا: تقرير حكومي: دراما المخابرات المصرية الأكثر "ابتذالا" برمضان
"عودة لـ(ماسبيرو زمان)"
"عربي21"، رصدت رأي عدد من المتابعين للبرامج الدينية في رمضان، فجاء الحديث متطابقا بأنهم لا يشاهدون تلك البرامج إلا مصادفة، وبشكل عام انتقل معظم متابعي البرامج الدينية بشكل مكثف وخلال شهر رمضان لمشاهدة قناة "ماسبيرو زمان" التابعة للتليفزيون المصري.
وأكدوا أن ما جذبهم في "ماسبيرو زمان" هو ما تعرضه بشكل يومي من برامج دينية أرشيفية لكبار علماء ومشايخ الأزهر، وبينهم الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي تعرض له القناة حلقة يومية قبل المغرب، إلى جانب عرض قراءات نادرة يوميا لكبار القراء المصريين، مع نقل التواشيح والابتهالات الدينية القديمة من أرشيف التليفزيون.
وأجمع عدد من الباحثين خلال حديثهم لـ"عربي21"، على عدم مشاهدة البرامج الدينية؛ حيث قال الباحث بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الدكتور معتز أحمد السيري، إنه لم يتابع أيا من البرامج الدينية برمضان، مرجعا السبب لكونه لا يرى بشكل عام في الوجوه التي تخرج للبرامج الدينية متحدثة عن الإسلام أحدا يحمل الاختصاص، موضحا أنه "ولذلك لا أشغل بالي بهم ولا تلتفت عيناي إليهم".
وشاركه الرأي الباحث الإسلامي الدكتور كمال حبيب، بقوله لـ"عربي21": "لم أعد متابعا للبرامج الدينية بالفضائيات، ولي ملاحظات على ما تقدمه"، وهو ما أكده أيضا الباحث والإعلامي أحمد رشدي، بقوله إنه لا يتابع البرامج الدينية عبر الفضائيات ويكتفي بها عبر الإنترنت.
وفي حديثه لـ"عربي21"، بين الباحث عبدالله النجار، أنه هو الآخر غير متابع لهذه البرامج، مضيفا: "وأحسب أن اختفاء دعاة ومشايخ كثيرين وبينهم السلفيون عن تلك البرامج، على قلتها أيضا، بل وإعادة بث برامج قديمة، وتصدير دعاة معينين في فضائيات مصر، كل ذلك يأتي في إطار تقليل حيز الدين في وسائل الإعلام وفي حياة الناس وجعله مجرد علاقة بين الإنسان وربه فقط".
اقرأ أيضا: "كود أخلاقي".. سلاح لتجميل وجه عسكر مصر بدراما رمضان
"غيبهم الانقلاب"
وفي رؤيته قال أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية الدكتور وصفي أبوزيد: "في ظل الانقلاب، وقمع الحريات، وعدم إتاحة أي فرصة لأي حديث حر؛ نجد العلماء الحقيقين غائبين عن الساحة إما مغيبين كمعتقلين بالسجون أو مطاردين بالخارج محرومين من العودة لمصر، أو شهداء في مجازر النظام".
وأكد أبو زيد، لـ"عربي21"، أنه "ومنذ اللحظة الأولى للانقلاب العسكري منتصف 2013، أغلق عبدالفتاح السيسي، مباشرة 7 قنوات فضائية معظمها إسلامية".
وحول اختلاف ما تقدمه البرامج الدينية اليوم عن سابقاتها، جزم أبوزيد، بأنه "في ظل الانقلاب؛ لا يوجد كلام شرعي حقيقي، ولا يوجد رأي حر، ولا رأي آخر، وما هي إلا سياسة فرعون عندما قال (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)".
"من قلب ماسبيرو"
وفي تعليقه قال المذيع بالبرامج الدينية بالتليفزيون المصري أشرف عبد الحليم: "لست مع الحديث عن قلة البرامج الدينية فهي ليست قليلة ولكنها تذاع بأوقات لا تشاهد"، مشيرا إلى أنه يقدم ستة برامج؛ ولكنها تذاع الساعة السادسة صباحا، مؤكدا أنه "توقيت غير ملائم للبرامج الدينية".
الإعلامي المصري، شدد خلال حديثه لـ"عربي21"، على "ضرورة عرض البرامج الدينية بوقت مميز للإجابة على التساؤلات، وإزالة الشبهات التي شوشت فكر الشباب، ونعود بهم لروعة الإسلام".
وعن إعادة إذاعة البرامج القديمة من الأرشيف أوضح أنها "مجرد دقائق لا تتعدى العشرة، كنوع من أنواع نشر تراث التليفزيون لا أكثر، وأيضا لقيمة العلماء الذين قدموا هذه المواد العلمية ورحلوا عن الدنيا".
وفي مقارنته بين البرامج الدينية قديما والآن، يرى المذيع بماسبيرو، أنه "حاليا جودة الصورة والإخراج والديكور أفضل بكثير؛ ولكن من أين نأتي بالشيخ محمد الشعراوي، والشيخ محمد الغزالي، والدكتور محمد المسير، والدكتور عبدالله شحاته، وغيرهم".
وأضاف عبدالحليم: "كان البرنامج الديني يذاع بوقت مميز ينتظره الناس ويؤثر فيهم مثل برنامج (نور على نور) للإعلامي الراحل أحمد فراج، وكان الوطن العربي ينتظره وهو من اكتشف الشعراوي".
وتابع: "أما حاليا فأقصى وقت ممكن لإذاعة البرنامج الديني هو 12 ظهرا"، متسائلا: "من الذي سيشاهده؟ لا أحد إلا قليل من أصحاب المعاشات وربات البيوت، ولكن أين الشباب والأجيال الصاعدة؟وماذا نقدم لهم؟"، مضيفا: "للأسف لا شيء سوى بعض البرامج الاجتماعية التي لا تسمن ولا تغني من جوع".
وختم المذيع بماسبيرو حديثه بالقول: "هذه مشكلة الإعلام حاليا؛ ونريد قرارا جريئا من المسؤولين لعودة البرامج الدينية وإذاعتها بأوقات مميزة حتى تكون مؤثرة بالمجتمع والشباب وتبعده عن التطرف والتشدد والغلو بالدين".
"هكذا يمصرون الدين"
وفي ملاحظاته على ما يقدم بالبرامج الدينية الآن، قال الأكاديمي المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية كمال حبيب: "هناك ما يمكن أن نصفه بتمصير الدين والتدين، بتركيزه وتوظيفه لخدمة السياسة الحالية القائمة علي فكرة مركزية الدولة لا الإنسان، ومن ثم اعتبار مصر ذاتها مركزا وليس تدين شعبها وخياراته الفقهية"، موضحا أن "مؤسسات الدولة تروج لتلك الفكرة عبر ما تقدمهم من دعاة مثال الشيخ أسامة الأزهري، بينما يتم تهميش الأزهر ومحاصرته".
وأكد حبيب لـ"عربي21"، أن "هناك محاولة للتمدد من قبل مؤسسات الدولة للسطو على المجال الديني بمعناه المباشر عبر البرامج الدينية مثل ما حدث بمسألة الطلاق الشفهي، والخلاف الشهير بين الرئاسة وشيخ الأزهر، وخروج أصوات بالبرامج تتحدث عن الإرث وفكرة المساواة كما حدث في تونس، بيد أن عمق المسألة الدينية بمصر جعل تلك الأصوات محدودة".
ويعتقد، حبيب، أيضا أن "هناك هجمة على السنة المشرفة عبر بعض البرامج؛ يقوم بها غلمان صغار لا يُعرف لهم أثر في العلم أو الفكر، ولا يعرف لهم صلة بالدين وعلوم الشريعة"، مشيرا لهجمة مماثلة بعض البرامج الدينية على الحجاب والخلط بينه وبين النقاب، ومد الحديث لاعتبار آيات الحجاب ليست واجبة، وأن المحجبة ليست أحسن حالا من المتبرجة".
وأضاف أن "هناك هجمة على ثوابت الأمة بالبرامج الدينية وغيرها مثل هجمات الكاتب يوسف زيدان، على القائد صلاح الدين الأيوبي، وزعمه الكاذب أن بيت المقدس بجنوب مكة وليس ببيت المقدس، وكذلك ما قاله الشيخ خالد الجندي عن عدم شتم إسرائيل لأنها على اسم نبي وهو يقصد خدمة المرامي الصهيونية، فيما يمكن أن نطلق عليه التطبيع الديني ما دفع إسرائيل بالعربي التابعة لوزارة الخارجية للاحتفاء بما قاله".