هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
«لماذا أيتها الشقيقة البحرين؟!»… هكذا تساءل أمس الدكتور صائب عريقات
أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في سياق تأكيد الرفض
الفلسطيني للمؤتمر التي ستحتضنه المنامة قريبا بدعوة أمريكية لبحث سبل الاستثمار
في الأراضي الفلسطينية.
لم
يأته الجواب من المنامة ولا واشنطن بل من المحلل السياسي بالقناة 13 الإسرائيلية
(باراك رافيد)، صاحب المقابلة الشهيرة مع الأمير تركي الفيصل التي نصحه فيها
بالزواج من سيدة عربية لتحسين لغته العربية يقول فيه: «دعوة الولايات المتحدة إلى
مؤتمر اقتصادي في العاصمة البحرينية المنامة هو عبارة عن الجزء الاقتصادي من الخطة
الأمريكية للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالرغم من إعلان السلطة
الفلسطينية مقاطعة هذا المؤتمر».
وبعد
الإشارة إلى أن «سبب اختيار المنامة مرده العلاقات الجيدة التي تربط إسرائيل
بالبحرين والتي تطورت كثيرا في الفترة الماضية»، يوضح (رافيد) أن الولايات المتحدة
تقسم خطة السلام إلى جزأين، اقتصادي وسياسي، وذلك بعد مناقشات طويلة وتقديرات داخل
البيت الأبيض بعد إعلان السلطة الفلسطينية رفضها للخطة (..) حيث تأمل الولايات
المتحدة من إعلان القسم الاقتصادي لوحده أن يشكل ضغطا شعبيا على رئيس السلطة
الفلسطينية وقيادتها للقبول بالقسم السياسي نظرا لسوء الأوضاع الاقتصادية التي
يعاني منها الفلسطينيون في الضفة والقطاع».
هذه
هي الصورة إذن التي لن يقولها سياسي بمثل هذا الوضوح، هو استعمال الورقة
الاقتصادية للضغط على الفلسطينيين، بل ومساومتهم وابتزازهم، لقبول ما لا يمكن
قبوله مما يجعل الهدف من مؤتمر البحرين هو «تمرير صفقة القرن التي هي ليست حلا،
وإنما هي محاولة لإضفاء شرعية أمريكية ودولية على استمرار الاحتلال، ومحاولة لفرض
التطبيع بين العرب وإسرائيل»، وفق ما قاله مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة
الفلسطينية.
للأمريكيين
طبعا فهم آخر للموضوع يسعون لترويجه حاليا، فها هو المتحدث الإقليمي لوزارة
الخارجية الأمريكية (ناثان تك) يقول إن «الهدف الرئيسي من ورشة البحرين هو الرفع
من مستوى عيش المواطن الفلسطيني العادي، من خلال حشد الدعم لإيجاد سبل جديدة
للوصول لهذا المبتغى» وأن «المؤتمر سيشكل فرصة لطرح جزء من الخطة الاقتصادية على
الحاضرين والاستماع لردودهم للتعامل معها»، لافتا إلى أن «واشنطن قامت بدراسة
عميقة ومتأنية للقضايا السياسية الفلسطينية العالقة، وبالتالي ستعمل على معالجتها
بشكل دقيق جدا».
مع
ذلك، لا أحد من الفلسطينيين يمكن أن يقبل بتبريرات من هذا القبيل فالجانب
الاقتصادي لا يمكن أن يكون سوى تتويج لمسار سياسي عادل وثمرة له. لا يمكن أن يكون
سابقا له، ناهيك أن يكون بديلا أو «رشوة» لإسقاط الحل السياسي القائم بالضرورة على
إنهاء الاحتلال وحل الدولتين حتى أن الشاعر تميم البرغوثي كتب ساخرا في تدوينة على
«فيسبوك» يقول «المنشور عن صفقة القرن : ضم إسرائيل المستوطنات والقدس وغور الأردن
وثلثي الضفة، مقابل 30 مليار دولار لدولة فلسطين الجديدة. يعني بيع فلسطين بـ 30
مليار دولار…. قسّم المبلغ على عشرة ملايين فلسطيني بيطلع لكل واحد 3000دولار.
ترامب عّم يقول لك بيع فلسطين وخذ بدالها لابتوب»!!.
إن
اختيار المنامة لعقد هذه «الورشة»، في محاولة لتخفيف كلمة «مؤتمر»، لم يأت صدفة
فهذا الاختيار ينم مسبقا عن رضى سعودي على المناسبة وسياقها وهو الموقف المطلوب
تحديدا من الرياض وباقي العواصم الخليجية التي تعول عليها واشنطن لتمويل كل ما
يتعلق بالجانب المالي والاستثماري في صفقة القرن. في العقود السابقة، كان المال
العربي الذي يقدم إلى الفلسطينيين ممثلين في منظمة التحرير موجها إلى دعم صمودهم
وكان هذا المال في معظمه خليجيا وسعوديا بالدرجة الأولى غير أن هذا الدعم تراجع
كثيرا في السنوات الماضية حتى بات الآن يوجه في الاتجاه المعاكس، أي خدمة تسوية لم
يقبل بها الفلسطينيون و لن يقبلها منهم أحد. حتى ما طالبت به القيادة الفلسطينية
في القمة العربية الأخيرة من توفير «شبكة أمان مالية» بعد ما قطعت واشنطن كل
مساعدات مباشرة أو غير مباشرة لم يلق إلى حد الآن إلا استجابة محدودة.
عندما
وقـّـع اتفاق أوسلو في أيلول/سبتمبر 1993 ظن كثيرون أنه يمكن أن يكون اللبنة
الأولى في اتجاه تسوية عادلة و أنه يمكن في نفس الوقت أن يحسّــن الوضع المعيشي
للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة لكن العكس تماما هو الذي حصل فقد تعقدت التسوية
أكثر وازداد ضنك العيش لهؤلاء حتى أن بعضهم لا يتحرج من الاعتراف بأن حياتهم
اليومية كانت أفضل قبل الانتفاضة الأولى عام 1987 و ما أعقبها مع أن كل الأراضي
كانت تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي المباشر.
إن
البحث عن تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين، وهذا من حقهم كأي شعب يريد الرفاه
والأمان، عملية لا يمكن أن تتم بمعزل عن مشروعهم الوطني وطموحهم في نيل حقوقهم.
للأسف، هذا ما لا تريد واشنطن الحالية فهمه، ومؤسف أكثر أن يسايرها فيه حاليا بعض
العرب. يقول الشاعر الكبير أمل دنقل في قصيدته الشهيرة (لا تصالح) «أترى حين أفقأ
عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى؟ هي أشياء لا تشترى»…
عن صحيفة القدس العربي