حقوق وحريات

عمال فلسطين.. قهر وبطالة بغزة وإذلال على المعابر بالضفة

يعيش عشرات الآلاف من العمّال الفلسطينيين في القطاع أوضاعا معيشية يصفها اقتصاديون بـ"الكارثية"- جيتي
يعيش عشرات الآلاف من العمّال الفلسطينيين في القطاع أوضاعا معيشية يصفها اقتصاديون بـ"الكارثية"- جيتي

لعمال قطاع غزة وضع خاص ومأساة ممتدة منذ فرض الحصار، يتجدد الحديث عن فصولها المؤلمة وأرقامها المرتفعة مع كل احتفاء عالمي بيوم العمال العالمي والذي يصادف الأول من أيار/ مايو من كل عام، إلى جانب حالات الإذلال اليومية لعمال الضفة المحتلة .


ويعيش عشرات الآلاف من العمّال الفلسطينيين في القطاع ، أوضاعا معيشية يصفها اقتصاديون بـ"الكارثية"، جرّاء الحصار الإسرائيلي المفروض للعام الـ(13) على التوالي، وبفعل تداعيات الانقسام الفلسطيني الداخلي. 

وارتفعت نسبة البطالة بغزة، نهاية عام 2018 إلى 52%، فيما تخطت نسبة الفقر الـ80%، وفق بيانات حكومية وحقوقية. 

ويعزو اقتصاديون ارتفاع نسبة البطالة في غزة إلى عدة أسباب مُركّبة أبرزها الحصار الإسرائيلي، ومن ثمّ تداعيات الانقسام الفلسطيني، واستمرار إجراءات السلطة الفلسطينية بحق الموظفين العموميين، عبر صرف جزء من الراتب منذ أبريل/ نيسان 2017، كما قالوا لوكالة "الأناضول". 

وتفرض إسرائيل حصارًا على سكان غزة، وهم أكثر من مليوني نسمة، منذ فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية، يناير/ كانون الثاني 2006، وشدّدته في العام التالي، إثر سيطرة "حماس" على القطاع، ضمن خلافات مع حركة "فتح" ما تزال مستمرة. 

أوضاع مأساوية 

يأتي هذا اليوم، في ظل ظروف مأساوية، وعمال غزة بلا عمل نتيجة انهيار الأوضاع الاقتصادية، بحسب ماهر الطبّاع، مدير العلاقات العامة والإعلام بغرفة تجارة وصناعة غزة. 

وقال الطباع خلال حديثه لوكالة "الأناضول":" العمال اليوم يمرون بأوضاع مأساوية نتيجة ارتفاع نسبة البطالة وانعدام فرص العمل". 

وأشار إلى ارتفاع غير مسبوق في نسبة البطالة، في صفوف الخريجين الجامعيين حيث وصلت إلى 78%، وهو ما ينذر "بمستقبل غير مٌبشّر في حال استمرت هذه الظروف الاقتصادية على ما هي عليه". 

وأرجع الطبّاع ذلك التدهور الحاد إلى "استمرار الحصار الذي أدى إلى تراجع حاد بكافة الأنشطة الاقتصادية". 


اقرا أيضا :  عمال فلسطين ينسجون الحياة في مغزل الموت


عدة أسباب إضافية إلى جانب الحصار، ساهمت في ذلك التدهور مثل "عدم افتتاح مشاريع تنموية واقتصادية، وتداعيات الانقسام الداخلي السلبية، والإجراءات العقابية المالية للسلطة لموظفيها بغزة". 

وأدى ارتفاع نسب البطالة والفقر في غزة، إلى انعدام القدرة الشرائية لدى المواطنين، ما تسبب بانخفاض إنتاجية المصانع بالقطاع، الأمر الذي دفع أصحابها إلى الاستغناء عن آلاف العمال. 

وأوضح الطباع أن حل هذه المشكلة يكمن في "رفع الحصار بشكل كامل وفتح المجال للمصانع بالعمل بحرية"، نافيا إمكانية حدوث أي تحسّن اقتصادي في ظل استمرار الحصار. 

حقوق مسلوبة 

سامي العمصي، رئيس اتحاد نقابات عمال فلسطين بغزة، يقول إن العمال الذين بالكاد نجحوا في الحصول على فرص عمل، يعانون من "انتهاك واضح لحقوقهم". 

وأضاف خلال حديثه لوكالة "الأناضول":" في ظل ندرة فرص العمل، من يجد عملا له يعاني من تسلّط صاحب العمل وهدر حقوقه، حيث لا يوجد حد أدنى للأجور". 

وبيّن أن الحكومة بغزة حينما تطلق مشاريعا للتوظيف المؤقت، لا تستوفي شروط الحد الأدنى للأجور بفلسطين، والمقدّر بـ1450 شيكلا (نحو 400 دولار)، فيتقاضى العمال ضمن ذلك المشروع من 600 إلى 1000 شيكل فقط. 

واستنكر العمصي ما وصفه بـ"استغلال أصحاب العمل، لحاجة العامل الفلسطيني لهذا العمل". 

واستكمل قائلاً:" العامل بات يعطي جهد ووقت مضاعف، مقابل أجر بسيط جدا، ولا يستطيع أن يشكي صاحب العمل لأنه قد يُطرد في حال قدم أي شكوى، فيضطر إلى القبول، وفي نهاية الحال هناك آلاف العمال الذين ينتظرون فرصة العمل تلك". 

ويرى العمصي أن المنظومة الحكومية في قطاع غزة، لا بد أن يكون لها دور في توجيه الطلبة لدراسة التخصصات وفق ما يحتاجه سوق العمل، من أجل تخفيف نسب البطالة. 

ويقول في ذلك الصدد:" العائلة تدفع مبالغ كبيرة لتعليم أبنائها في الجامعات لمدة 4 أو 5 سنوات، وفي النهاية يتخرج هؤلاء دون وجود فرص عمل لهم". 

ويضيف أن الخريجين الجامعيين في قطاع غزة، يتجهون فور تخرجهم للبحث عن فرص عمل "مهنية" توفر لهم قوت يومهم، في ظل انعدام فرص العمل الخاصة بالخريجين الجامعيين. 

وأشار إلى أن قطاع غزة، الذي تعرّض لعدة حروب، بحاجة إلى مهنيين وأياد عاملة في كافة القطاعات، الأمر الذي يتطلب من الحكومة وقفة جادة من أجل توجيه الطلبة في اختيار تخصصاتهم ووضع الشروط لذلك. 

وفي سياق آخر، لفت العمصي إلى أن المؤسسات الدولية التي تقدّم فرص عمل مؤقتة بغزة تهدف إلى "تخدير السكان". 

وقال:" تلك المؤسسات لا يوجد لديها خطط تنموية، هي تريد فقط أن تبقى قطاع غزة على حالة: لا يموت ولا يحيى". 

ويعتقد العمصي أن هناك "خطة دولية ممنهجة تهدف لإبقاء الاقتصاد في غزة على هذا الحال". 

ورأى أن الأموال التي تضخ في القطاع لو تم إنفاقها من أجل إنشاء مشاريع اقتصادية صغيرة لتشغيل العمال، لكانت الحال الاقتصادي بغزة "أفضل". 

لا فرص عمل 

حاتم شعبان (24 عاماً)، انتهى به الحال للجوس في المنزل، والانضمام لجيوش البطالة، بعد أن أغلق صاحب المحل التجاري الذي كان يعمل به الأبواب بشكل كامل، نتيجة عدم وجود مشترين. 

ويقول شعبان، لوكالة "الأناضول":" بسبب انعدام القدرة الشرائية للمواطنين اضطر صاحب المتجر الخاص ببيع الملابس، إلى إغلاقه بشكل كامل، بعد أن كان هذا المكان مصدر رزقي الوحيد". 

ولم تنجح محاولات شعبان في البحث عن فرصة عمل جديدة في غزة، لافتاً إلى أن عددا من أصدقائه باتوا "متسولين" بسبب تردي الأوضاع المعيشية وانعدام فرص العمل. 

ووفقا لتقرير أصدره برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة، 19 ديسمبر/ كانون أول الماضي، فإن نحو 70 بالمائة من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي. 

أما عبيدة محمد (28 عاما)، فتخرج من كلية الحقوق بجامعة الأزهر، لكنّه اليوم يعمل كل فترة، ضمن أعمال مؤقتة داخل مقاهٍ أو مطاعم في غزة، في مجالات مهنية بحتة. 

ويقول لوكالة "الأناضول":" لم أجد فرصة عمل مناسبة تتناسب مع شهادتي الجامعية، فأعمل نادلا في مقاه أو مطاعم". 

وأوضح أن عددا من زملائه يبحثون عن أعمال مهنية في غزة ولا يجدونها، لافتاً إلى أن فرصة العمل بحد ذاتها سواء مهنية أو ضمن التخصص الجامعي باتت أمرا نادرا بالقطاع". 

إحصائيات حكومية 

وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، فإن نسبة البطالة (في الضفة الغربية وقطاع غزة معا)، صعدت إلى 31 بالمائة خلال 2018، صعودا من 28 بالمائة في 2017. 

وبلغت نسبة البطالة 18 بالمائة في الضفة الغربية خلال 2018، في حين بلغت 52 بالمائة في قطاع غزة. 

وقال الجهاز في تقرير، أصدره أمس الثلاثاء أن عدد العاطلين في القطاع يبلغ 254 ألفا. 

وتصدرت محافظة خانيونس (جنوبي قطاع غزة) المعدل الأعلى للبطالة في قطاع غزة، بنسبة 58 بالمائة، تليها دير البلح (وسط القطاع) 57 بالمائة، بينما كانت في مدينة غزة 48 بالمائة، وأضاف التقرير:" بلغت نسبة بطالة الشباب بغزة (19- 29 سنة)، 69 بالمائة"، وسجلت نسبة البطالة بين حملة الشهادات الجامعية بدرجة دبلوم فأعلى بالقطاع، 78 بالمائة . 

وفي سياق عمال غزة، يواجه كذلك العمال بالضفة الغربية المحتلة في يومهم العالمي، "الإذلال والقهر اليومي على المعابر الإسرائيلية".

ويتوجه نحو 127 ألف عامل فلسطيني يوميا إلى عملهم في "إسرائيل"، يتعرضون خلال رحلتهم تلك لتفتيش دقيق لأجسادهم، عبر ماكينات خاصة.

وبحسب ما رصده مراسل الأناضول، الأربعاء، على معبر "آيال" قرب مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية المحتلة، يتوافد العمال على المعابر منذ ما قبل بزوغ الشمس يوميا. 

ويقول عمال في أحاديث منفصلة مع مراسل الأناضول، إنهم لا يحتفلون بيومهم العالمي كبقية أقرانهم في البلدان الأخرى، وإنما في ورشهم وأماكن أعمالهم.

ويحتفل العالم بـ"عيد العمال" في الأول من مايو/ أيار من كل عام، ويعد عطلة رسمية، وقد أعلنت الحكومة الفلسطينية عن تعطيل العمل بالدوائر الحكومية، الأربعاء، لهذه المناسبة.

يقول العامل سلامة الجدع: "يحتفل العالم بعيد العمال، والعامل الفلسطيني لا يسمع عن العيد إلا عبر شاشات التلفاز".


اقرأ أيضا :  تزايد ملحوظ في الاحتجاجات العمالية بمصر.. هل تُعدي المجتمع؟


ويضيف: "نعيش ظروفا صعبة، ونتعرض لإذلال يومي جراء التفتيش على الحواجز العسكرية الإسرائيلية". 

ويعمل "الجدع" في مجال البناء بأجر يومي؛ ويقول: "الأجر اليومي مناسب لظروف الحياة، لكن المعاملة سيئة، الاحتلال يصر على تعذيب كل مكونات الشعب الفلسطيني". 

بدوره يوضح العامل إياد عمر، أنهم يمضون عدة ساعات يوميا على المعابر، وأنهم في بعض الأيام يخرجون من بيوتهم عند الساعة الثانية فجرا ليتمكنوا من اجتياز المعبر، والوصول لأماكن العمل في الوقت المناسب.

وعن سبب عمله داخل "إسرائيل"، يبيّن عمر: "لا يوجد فرص عمل مناسبة، في مناطق السلطة الفلسطينية، نحن مجبرون على تحمل هذا الإذلال والمعاملة السيئة". 

وتجبر الظروف الاقتصادية الصعبة، عشرات الآلاف من الفلسطينيين بالضفة الغربية، على العمل في "إسرائيل"، فيما تمنع الأخيرة الفلسطينيين من العمل بدون الحصول على تصاريح خاصة.

وتفرض تل أبيب شروطا صعبة على منح العمال تصاريح للعمل، وهو ما يضطر الكثير من العمال للدخول إلى "إسرائيل" بطرق غير رسمية، بحثا عن فرص.

ويظهر تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء، الثلاثاء، أن عدد الفلسطينيين العاملين في "إسرائيل" والمستوطنات (بشكل رسمي) بلغ 127 ألفا عامل، وبلغت نسبة البطالة في فلسطين 31 بالمائة، نهاية 2018.

التعليقات (0)