هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أغلبُ الظن أنَّ الثورة المضادة لن تنجح هذه المرة في إفساد موجة
التغيير المقبلة التي ستشهدها المنطقة العربية، حيث تؤكد كافة المؤشرات وجود حالة
حذر كبيرة من المحتجين، ودرجة وعي عالية لم تكن متوفرة في موجة عام 2011 من
«الربيع العربي»، وهو ما دفع جملة من الخبراء الذين استطلعت آراءهم وكالة الصحافة
الفرنسية، إلى القول بأن العواصم الداعمة للثورات المضادة تعيشُ قلقا بالغا هذه الأيام.
أحداث
الأيام الماضية في الجزائر والسودان تدل على أن شعوبنا العربية بالغة الذكاء، وعلى
مستوى عال من الوعي، فما حدث يؤكد أن محاولات الالتفاف على مطالب الناس والاكتفاء
بالتغيير الشكلي، لم تنجح ولن تنجح على الأغلب، كما أن الجديد في موجة عام 2019 هو
أن «فوبيا سوريا» قد انقشعت عن الشارع العربي، إذ طوال السنوات الثماني الماضية
كانت بعض الدول العربية تمول الحرب في سوريا، وفور وقوع المجازر تنقل على الهواء
مباشرة الصور والأحداث، ومن ثم تقول لشعوبها، إما بشكل مباشر أو ضمني، بأن «هذا
جزاء التغيير، وأن القبول بالأمر الواقع أفضل من الموت على الطريقة السورية».
كانت
الأنظمة العربية طوال السنوات الثماني الماضية تتهافت على أخبار المجازر والدم في
سوريا، إذ كانت دماء أطفال سوريا تهبط بردا وسلاما على حكام العرب؛ لأن تلك الدماء
هي الطريقة الوحيدة لتخويف الشعوب من التغيير.
خلال الأيام والأسابيع الماضية، أثبتت الأحداث في الجزائر والسودان،
من جديد، أن التغيير السلمي ممكن، وأن الاحتجاج السلمي يؤدي إلى نتائج ولو بعد
حين، وأن النموذج السوري ليس نتيجة حتمية لأي محاولة تغيير، كما أن الخوف من
النموذج السوري قد تلاشى وتبدد، ولم يعد يهيمن على الشارع العربي.
في احتجاجات الجزائر والسودان، ظهرت أيضا حالة متقدمة من الوعي
والذكاء السياسي؛ إذ ثمة العديد من المؤشرات -التي لا يتسع المقام هنا إلى ذكرها-
والتي تؤكد على أن الثورة المضادة ستفشل على الأغلب، وأن لا مناص من التغيير
الحقيقي، حيث إن تبديل الوجوه لا يؤدي إلى تلبية المطالب وتهدئة الاحتجاجات، وإنما
يريدون تغييرا كاملا.. هذا فضلا عن أن محتجي الــ2019 أصبحوا يعرفون الدول العربية
التي تتآمر من أجل إفشال الثورات، وبالتالي فإنهم لن يقبلوا بأي وجه جديد محسوب
على «عواصم الثورة المضادة».
ما يحدث في العالم العربي حاليا يؤكد التوقعات السابقة، التي تفيد بأن
فشل بعض ثورات «الربيع العربي» أو فشل موجة التغيير التي بدأت في عام 2011 لا يعني
الفشل النهائي والمطلق، وإنما سيكون العالم العربي على موعد مع موجة جديدة من
التغيير؛ لأن الناس في ضميرهم الجمعي لا يمكن أن يقبلوا بالذلة والمهانة، ولو كان
العرب كذلك لبقي الاستعمار في بلادهم، ولاستمرت حقبة الاحتلال الأجنبي إلى اليوم،
لكنهم بكل تأكيد ليسوا كذلك.
العرب
على موعد جديد مع التغيير، والأنظمة العربية على موعد مع موجة جديدة من الثورات،
وأغلب الظن أن الثورات المضادة لن تنجح هذه المرة، كما أن محاولات التخويف لن تنجح
هي الأخرى، ومن أراد النجاة بنفسه فعليه أن يركب سفينة الشعوب الحرة، فهي الوحيدة
الناجية التي لا تغرق.
عن صحيفة القدس العربي