هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الهند بلد الغرائب والعجائب حتى في السياسة، هي اليوم على أبواب انتخابات تشريعية في شهري أبريل - مايو 2019، ومنها لتشكيل حكومة مركزية.
دعونا بصورة سريعة نمضي لمعرفة بعض المعلومات عن الهند، ومن
ثم نعود لذكر عجائب الهند السياسية والتي ستساعدنا على فهم مجريات الأحداث
السياسية في الهند.
هي دولة اتحادية تضم تسعة وعشرين ولاية وسبعة أقاليم اتحادية،
تنقسم الولايات والأقاليم الاتحادية إلى مزيد من المقاطعات وإلى المزيد من
التقسيمات الإدارية الأصغر.
أكثر من ثمانين بالمئة من السكان يدينون بالهندوسيّة، إلا أن
الدستور الهندي لا ينصّ على وجود ديانة رسميّة للبلاد، وهذا يعني اعترافه بجميع
الأديان، وجعلها على قدم المساواة.
الهندوسيّة هي الديانة “السائدة” في الهند، فهي تشكّل (80.5
بالمئة) من سكانها، بينما بقية نسب الديانات الأخرى على النحو الآتي: الإسلام 13.4
بالمئة، المسيحيّة 2.3 بالمئة، السيخ 1.8 بالمئة، البوذيّة 0.76 بالمئة، الجاينيّة
0.40 بالمئة. إضافة إلى أقليّات دينية أخرى، وهم اليهود والزرادشتيّون والقديانيون
والبهائيون.
تعتبر اللغتان الهندية والإنكليزية هما اللغتان الرسميتان في
مراسلات الحكومة الاتحادية، كما يعترف الدستور الهندي بـ 23 لغة تستخدم محلياً في
الولايات الهنديّة.
نظام
طبقي:
تقسم الهندوسية إلى أربع طبقات هي: البراهما، وهي أعلى طبقة،
وتضم: الكهنة ورجال الدين، فحسب العقيدة الهندوسية فإن هؤلاء خلقوا من رأس الآلهة
الكبير براهما أو من فمه.
ثمّ طبقة كاشاتريا وتضم
الفرسان وقادة الجيش والأشراف، وهم -حسب اعتقادهم- خلقوا من أيدي الآلهة. ثمّ طبقة
الفايشا وتضم التجار والمزارعين وأصحاب المهن، وهؤلاء خلقوا من فخذي الآلهة
براهما.
وأخيراً طبقة الشودرا وهم المنبوذون وأصحاب ومتوارثو المهن
الحقيرة، وهؤلاء هم من أصحاب البشرة السمراء الذين خلقوا من قدم الآلهة، حسب
اعتقادهم.
لكن مؤسس الهند الحديثة وصاحب الفضل الأكبر في استقلالها
المهاتما غاندي رفض هذا التقسيم وأعلن "الصيام حتى الموت" في سبتمبر من
عام 1932، احتجاجاً على مشروع قانون يكرس التمييز في الانتخابات ضد المنبوذين
الهنود، الذين كان يطلق عليهم آن ذاك وصف "أبناء الله"، ممّا دفع
بالزعماء السياسيين ورجال الدين الهندوس، بعد مضي حوالي 21 ساعة من بدء صيامه، إلى
الرضوخ لأفكاره الديمقراطية وإلغاء مشروع التمييز، بل وزيادة مقاعد
"المنبوذين" في البرلمان.
من غرائب السياسة الهندية أن اغتيال المهاتما غاندي كان على
يد أحد المتطرفين الهندوس والذي ينتمي إلى منظمة Rashtriya
Swayamsevak Sangh ،RSS, "National Volunteer Society)، وهي المنظمة
التي خرج من رحمها الحزب الحاكم في الهند الآن "حزب الشعب الهندي"، الـ BJP، والذي يوصف
بالحزب المتطرف، ويحكم الهند بأغلبية ساحقة بواقع 282 مقعداً من أصل 545 مقعداً في
عموم الولايات الهندية، رغم أن الحزب بدأ بمقعدين فقط في عام 1984.
ويرفع الحزب شعار: "الهند للهندوس"، ويردد في
أدبياته أن الإسلام والنصرانية ديانتان جاءتا من الخارج..!، وقد ازدادت شعبية حزب
الشعب الهندي بعد هدمه لمسجد أثري قديم "بابري مسجد" عمره أكثر من
أربعمئة عام، وذلك بتاريخ 6 ديسمبر 1992 ثم تلتها أحداث عنف كبيرة بين المسلمين
والهندوس في عدة ولايات هندية، استغلها الحزب لزيادة رصيده الشعبي بين الهندوس.
وتقول المنظمة الهندوسية المتطرفة (RSS) وجناحها
السياسي (BJP)، إن حكم المسلمين للهند والذي استمر لثمانية قرون، كان حكماً
دموياً وعنيفاً، بينما يرد المسلمون بنفي
ذلك، بدليل بقاء معابد الهندوس كما هي وما زالوا يشكلون الأغلبية شبه المطلقة في
الهند.
ومن الغرائب السياسية أن أنديرا غاندي المرأة الحديدية كما
كانت تلقب بذلك هي ابنة المهاتما غاندي والصحيح بأنها الابنة الوحيدة لجواهر لآل
نهرو أول رئيس وزراء الهند وهو من المخضرمين السياسيين الكبار الذينناضلوان مع
غاندي لتحرير الهند..
والسؤال:
كيف حصلت على اسم غاندي؟
حصلت عليه بزواجها من فيروز غاندي من أصول فارسية زاردشتية
وهو سياسي وصحفي مشهور انتمى لحركة تحرير الهند الذي يقودها غاندي.. ولا تربطه صلة
قرابة بالمهاتما غاندي.. إلا أن اسم عائلته كانت تكتب بـ Ghandy وبعد تأثره
بالمهاتما غاندي غير لفظ الكلمة لتكتب Ghandi تيمنا بزعيمه
السياسي غاندي وإن كان ليس هناك فرق كبير في نطق الأسميين فانجبت انديرا ولدين راجيف
غاندي وسنجاي غاندي.
ومن العجائب السياسية: فارون سنجاي غاندي وزوجته ينتميان لحزب
الشعب الهندي وهو العدو اللدود لحزب جدته انديرا المؤتمر الهندي ويرمز له: Congress
I
والآن بعد عرضنا السريع لبعض غرائب السياسة الهندية.. يمكننا
الآن فهم مجريات الأحداث السياسية ومنها على سبيل المثال: خروج مسيرات
هندوسية تطالب الحكومة ببناء معبد رام مكان مسجد بابري حيث مازال الوتر الطائفي
ورقة رابحة لدى الحزب الحاكم لتأجيج مشاعر الهندوس واستغلالهم لحشد الأصوات
لصالحهم.
التساؤل المطروح في الهند؛ لماذا جرت هذه الأحداث قبيل
الانتخابات الهندية؟!، والحديث عن انخفاض شعبية حزب الشعب الهندي؟ ومن المستفيد
منها؟
يعتقد مراقبون هنود أن حزب BJP استغل حادثة مقتل 40 جندياً هندياً في حافلة
شمال الهند، وردة فعله العنيفة لإختراق الأراضي الباكستانية لضرب منظمة جيش محمد
المسؤولة عن قتل الجنود على حسب ادعاء وذلك لحشد عدد كبير من الأصوات لصالحه.. إلا
أن ردة فعل باكستان بمعاملة الطيار الهندي معاملة حسنة وعلاجه وإطلاق سراحه تعد
مبادرة من باكستان، ومحاولة فتح صفحة تعاون مع الهند لكشف ملابسات الواقعة بدلاً
من رمي التهم جزافاً دون دليل.. قد أحدث فرقا كبيرا وجدلا واسعا بين الأوساط
الهندية.. فانقلب السحر على الساحر وبهذا لن يستطيعوا الاستفادة القصوى من تلك
الأحداث.. وهذا يدل على خوفهم بعدم الفوز بشكل أغلبية في الانتخابات القادمة..
بالإضافة لخسارتهم في ولايتين كانت تحت حكمها وهي ولاية ماديابراديش وولاية
راجستان وكذلك خسارتها في تشكيل حكومة بولاية كرناتكا جنوب الهند... وما زال لديهم
ورقة رابحة وهي فوزهم بولاية أُتَر براديش عام 2017 وهي أكثر ولاية من حيث الكثافة
السكانية وهي تمثل 80 مقعداً في البرلمان المركزي.. وهناك عرف سياسي في الهند وهو:
من يضمن الفوز بولاية أتربراديش فحتما سيكون له النصيب الأكبر للفوز في البرلمان المركزي.. وإن كان هذا ليس
على إطلاقه.. بل قد يكون غالبا ما يحدث ذلك.
إلا أن فشلهم في تحقيق وعودهم الاقتصادية للناس وخسارتهم
السياسية في بعض الولايات كلها مؤشرات تشير ليس على سبيل اليقين بأن الحزب الشعب
الهندي لن يحصل على أغلبية تمكنه من الحكم منفردا كما حدث في عام 2014.
حزب الشعب الهندي (BJP) يقوم على
تطبيق نظرية حزبه الأم (RSS): بأن
"الهند للهندوس".
لذلك تجده يسعى سعياً حثيثاً لفك أي ارتباط بين الهند
والإسلام، حتى أعجوبة تاج المحل الأثرية أراد الحزب القومي الهندوسي شطب أسمها من
الأماكن الأثرية..، والآن يسعى لتغيير الأسماء الإسلامية للمدن بأسماء هندوسية،
حيث قام بتغيير أسم مدينة الله أباد إلى أسم هندوسي..، هذا غير العنف الذي يتعرض
له المسلمون كما حدث في ولاية كوجرات 2002 حيث تم استهداف محلات المسلمين التجار
وحرق منازلهم والمسلمين أحياء بشكل منظم وذلك لضرب اقتصاد المسلمين الأغنياء..
وهذا في عهد رئيس الولاية مودي وهو رئيس وزراء الهند حاليا.
ومحاولة تهجير المسلمين من
آسام بحجة عدم امتلاكهم لأوراق رسمية.. والآن يتدخل في قضية الطلاق رغم أن الدستور
الهندي جعل للمسلمين قانون الأحوال الشخصية الخاص بهم.
كما أصدرت عدد من الولايات قانون يحظر ذبح الأبقار لقدسيتها
لدى الهندوس.. وتجد الآن يتعرض عدد من المسلمين للعنف أو القتل لمجرد شبهة أو
ادعاء كاذب بأنه ذبح بقرة.. فهي وسيلة الآن للعنف ضد المسلمين.
فإلى أين ستسير الهند وحزبها الحاكم يمارس العنف ضد شعبه من
المسلمين.. وينشر الكراهية والفرقة بين المسلمين والهندوس. أم أنها ستحافظ على
ديمقراطيتها ودستورها العريق وعلى قيم المهاتما غاندي الذي يدعو الى السلام
والوئام بين أفراد شعبه والمساواة لجميع الشعب الهندي بغض النظر عن الدين والعرق
والجنس والطبقة.. هذا ما ستكشفه لنا الأيام القادمة.