هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
- تزايد معدلات الفقر ساعد على انتشار ظاهرة التنقيب عن الآثار
- المنقبون يستعينون بالدجالين والمشعوذين ويفضلون المغاربة
- "المشايخ" يستخدمون السحر الأسود للوصول إلى المقبرة الأثرية
- عمليات الحفر تتم برعاية أمنية للكبار والهواة يقعون في قبضة الشرطة
- عند فتح المقبرة يخرج غاز سام يؤدي إلى الوفاة مباشرة.. "لعنة الفراعنة"
حصلت "عربي21" على معلومات حصرية عن شبكة "السحر الأسود" في مصر التي تستقطب عشرات الآلاف من المصريين الباحثين عن حلم الثراء السريع.
وساعد تزايد معدلات الفقر ووصوله إلى مستويات غير مسبوقة، على انتشار ظاهرة التنقيب عن الآثار في غالبية المحافظات المصرية، والتجارة في القطع الأثرية، وبيعها لجهات وسفارات أجنبية عن طريق تجار ووسطاء بمساعدة أجهزة أمنية ومسؤولين نافذين في الدولة.
ويستعين العاملون في التنقيب عن الآثار، بحسب أحد الوسطاء العاملين معهم، بمجموعات من الدجالين والمشعوذين يطلقون عليهم اسم "المشايخ"، ويفضلون منهم الشيخ الذي يعتمد في عملية الوصول إلى المقبرة الأثرية على "السحر الأسود"، ولهذا يطلق عليهم البعض شبكة السحر الأسود.
وكشف الوسيط، الذي تحفظ على ذكر اسمه، خلال حديثه لـ"عربي21"، أن عمليات الحفر واستخراج وبيع القطع الأثرية للأجانب تتم بحماية كاملة من أجهزة الأمن، مؤكدا أن أجهزة الأمن تقدم كافة التسهيلات اللازمة لإتمام العملية أثناء الحفر وخلال عملية التسليم، وأنه على اتصال دائم بمسؤولين كبار من الجيش والشرطة.
قواعد السوق
وأضاف: "بعض المواطنين الذين يسارعون بالإبلاغ عن عمليات حفر في المناطق السكنية أو داخل بعض المنازل القريبة منهم، يتلقون تهديدات مباشرة من رجال الشرطة، مفادها: إما الصمت أو اتهامهم بالإبلاغ الكاذب وإزعاج السلطات.. وهو ما يدفعنا إلى العمل بحرية في تلك المناطق، ودون أي مضايقات من الأهالي".
وأكد الوسيط، أن انتشار الحديث عن نماذج تحولت من الفقر المدقع إلى الغنى الفاحش، بسبب التنقيب والتجارة في الآثار، أدى إلى ظهور العديد من شبكات النصب والدجالين لاستقطاب الشباب الحالمين بالثراء السريع واستنزاف أموالهم، بمطالب لا تنتهي إلا بصدمة كبرى تصل في بعض الأحيان إلى طلب دم (قتل قريب من الدرجة الأولى كأب أو أخ أو ابن)، بحسب توصية الشيخ (الدجال) الذي يستخدم ما يصفونه بـ"السحر الأسود"، ويقنع الضحية بأن هذه من طلبات حارس المقبرة (الجان).
وأوضح الوسيط أن هذه الشبكة السرية المنتشرة بجميع محافظات مصر، يعمل فيها مختلف فئات المجتمع العمرية والاجتماعية والمهنية، مضيفا أنه "يوجد طلاب ومدرسون وعاطلون وفلاحون وأطباء ومهندسون وأساتذة جامعات بما فيهم أثريون وضباط جيش وشرطة".
وأشار إلى أن المعايير التي تحكمهم هي قواعد أي سوق يعتمد على آلية العرض والطلب، لافتا إلى أن الأسعار تختلف بالطبع من قطعة أثرية إلى أخرى، وذلك حسب نوعها وجودتها والفترة الزمنية والأسرة الفرعونية التي تنتمي إليها.
تنسيق أمني
وفي رده على تزايد حالات القبض على عشرات العاملين في التنقيب عن الآثار، قال الوسيط إن شبكة "السحر الأسود" تنفذ عملياتها بتنسيق أمني عالي المستوى، كونها تتمتع بعلاقات واسعة وثقة من أجهزة أمنية وعسكرية، بينما الهواة والمهووسون بالثراء السريع يصبحون ضحية لشبكات النصب والدجالين ويقعون بسهولة في قبضة الأمن.
وتابع: "في بعض الحالات وبعد إتمام عملية استخراج الخير من المقبرة (القطع الأثرية) برعاية أمنية وترك العمال للمنزل، تأتي الشرطة وتداهم المكان لإثبات جديتها في التعامل مع بعض البلاغات التي تصلها، ثم تقيد القضية ضد مجهول".
وكشف عن أن الشبكة تعتمد على أدوات وإمكانات متطورة في عمليات التنقيب، بدءا من الحفر وحتى الوصول إلى المقبرة، لافتا إلى أن الوصول إلى المقبرة رحلة ليست سهلة وتستغرق الكثير من الوقت قد تصل لعدة أشهر، وتستنزف الكثير من المال، قد تتجاوز قيمته الـ3 أو الـ4 ملايين جنيه في العملية الواحدة.
وأضاف أن: "العملية كلها تتوقف على قوة الشيخ وقدرته على تحديد مكان المقبرة (الآثار) عن طريق الاستعانة بما يسمى السحر الأسود، وفك طلاسم المقبرة، والتعامل مع حارسها (يزعمون أن لكل مقبرة حارس من الجان تختلف قوته حسب مكانة صاحب المقبرة)".
وأردف: "بعد عملية تحديد مكان الهدف، تبدأ عملية الحفر بإشراف دائم من الشيخ (الدجال)، ويتم استخدام أدوات بدائية في عمليات الحفر، خاصة إذا كان في أسفل أحد المنازل السكنية، وتستمر العملية حتى مرحلة الوصول إلى المقبرة، ثم تبدأ بعدها عملية الترويج للحصول على أعلى سعر وهذه تكون مهمة الوسطاء (السماسرة)، وبعد الاتفاق تتم عملية إخراج محتويات المقبرة بمعرفة المشتري وتنسيق كامل مع أجهزة أمنية وعسكرية (وعادة ما يكون المشتري، بحسب الوسيط، جهة أو سفارة أجنبية أو رجال أعمال عرب خاصة من بعض دول الخليج).
لعنة الفراعنة
وأكد الوسيط خلال حديثه لـ"عربي21"، أن هناك الكثير من الموروثات يتم تداولها بين المصريين ثبت بالتجربة عدم صحتها، ومنها ما تسمى "لعنة الفراعنة"، مستطردا: "عند الوصول إلى المقبرة وبدء عملية فتحها، يخرج منها غاز سام نتيجة إغلاقها منذ آلاف السنين، واستنشاق هذا الغاز يؤدي إلى الوفاة في الحال، بمعنى أن سبب الوفاة يكون بسبب استنشاق الغاز السام وليس كما يزعمون لعنة الفراعنة".
ولتفادي استنشاق الغاز السام عند فتح المقبرة، قال الوسيط إنهم يستخدمون وسائل مختلفة لتسريب ذلك الغاز، كاستخدام أنابيب شفط كبيرة تمتد من داخل المقبرة عبر فتحات خاصة يتم إنشاؤها بمعرفة مختصين إلى خارج منطقة الحفر، ويتم إدخال وإخراج بعض الطيور أو الدجاج إلى داخل المقبرة للتأكد من خلوها من الغاز السام، لتبدأ عملية فتح المقبرة.
كما أن هناك الكثير من المخاطر والمعوقات التي تعترض عمال الحفر وتهدد حياتهم، بحسب الوسيط، كالانهيارات الأرضية أو انفجار ينابيع المياه من باطن الأرض، وهو ما يدفعهم إلى الاستعانة ببعض "الغطاسين" واستخدام أدوات لشفط المياه وتجفيف أماكن الحفر لاستئناف عملية الوصول إلى المقبرة.
طلبات الشيخ (الدجال)
واعترف صاحب بيت مهجور بمصر، بأن أحد أقاربه الذين يعملون في شبكة "السحر الأسود" أقنعه بوجود مقبرة أثرية أسفل منزله، وأغراه بالثراء السريع في حالة موافقته على بدء الحفر داخل بيته.
وقال صاحب البيت، الذي فضل عدم ذكر اسمه، خلال حديثه مع "عربي21"، إنه تم الاتفاق على بدء الحفر بالاستعانة بأحد المشايخ (الدجالين) العاملين في هذا المجال، وأن يتم تقسيم حصيلة بيع ما بداخل المقبرة إلى ثلاثة أثلاث (ثلث لصاحب البيت وثلث للوسيط وثلث للتاجر أو رجل الأعمال الذي يتولى الإنفاق على عملية الحفر).
وأوضح أن طلبات الشيخ (الدجال) تكون مكلفة جدا وغريبة وتتزايد بشكل ملحوظ خلال عملية الحفر وتختلف حسب العمق، مضيفا أنه "على سبيل المثال يستخدم الشيخ أنواعا معينة من البخور بأسعار خيالية ومتفاوته، وقد يصل ثمن عدة غرامات إلى 50 ألف جنيه".
وعبر صاحب البيت عن ندمه للموافقة على الحفر أسفل منزله قائلا: "بدأت عملية الحفر منذ ثلاثة أشهر دون توقف، ولم نصل حتى الآن إلى شيء، وتم إنفاق ما يقرب من مليوني جنيه على طلبات الشيخ وتكاليف عملية الحفر".
واستطرد: "بعض الجيران تذمروا وتقدموا ببلاغات إلى قسم الشرطة لكن الشرطة تجاهلت تلك البلاغات وأبلغت الوسيط بمواصلة عملية الحفر"، لافتا إلى أنهم يواجهون في الوقت الحالي عملية شفط المياه الجوفية حتى يستكملوا مواصلة الحفر، ولا يدرd ما إذا كانوا سيصلون إلى شيء أم لا.
ورغم أن تكلفة عملية الحفر يتحملها التاجر أو رجل الأعمال الذي يتبنى العملية من الألف إلى الياء، إلا أن صاحب البيت أكد أنه سئم ومل من طول فترة الحفر، ولم يعد يشعر بالارتياح وبدأت تتولد لديه قناعة بأنه ضحية لـ "عملية نصب" وقع فيها ولا يستطيع التراجع خوفا من تحميله تكلفه الحفر، أو تلفيق قضايا خاصة ضده بعد تأكده من أن الشرطة تدعم شبكة "السحر الأسود".
من هم أعضاء الشبكة؟
والسؤال الأبرز الذي يطرح نفسه: لماذا ترعى الأجهزة الأمنية شبكة التنقيب عن الآثار في مصر؟ ولصالح من يتم ذلك؟ ومن هم أبرز أعضاء هذه الشبكة؟
الإجابة عن هذه التساؤلات قد تجدها بين سطور ملفات التحقيق بقضايا الآثار الكبرى التي يتم الإعلان عنها في مصر بين الحين والآخر ويتورط فيها مسؤولون بارزون في الدولة وبعض من أصحاب الحقائب الدبلوماسية.
وتعد أحدث تلك القضايا هي قضية حبس بطرس رؤوف بطرس غالي شقيق وزير المالية المصري الأسبق يوسف بطرس غالي، حيث قرر قاضي المعارضات، الخميس قبل الماضي (14 شباط/ فبراير)، حبسه 15 يوما على ذمة التحقيقات التي تجريها النيابة المصرية في قضية محاولة تهريب 195 قطعة أثرية و21660 قطعة عملات معدنية، تنتمي جميعها إلى الحضارة المصرية.
وأمرت النيابة، وفقا لـ"المصري اليوم"، بضبط وإحضار أطراف أخرى على ذمة القضية بينهم شخصيات دبلوماسية ورجال أعمال لم يتم الكشف عن أسمائهم بزعم حساسية العلاقة بين مصر والدول الأجنبية.
اللافت للنظر، أن السلطات الإيطالية هي التي كشفت عن الآثار المصرية المهربة وليس السلطات المصرية، ولولا اكتشاف إيطاليا وإبلاغ مصر رسميا بوصول شحنة من ميناء الإسكندرية مليئة بقطع الآثار، لما تحركت النيابة، أو عرف أحد شيئا عن تهريب تلك الآثار.
وقالت النيابة العامة المصرية، إن التحقيقات توصلت إلى أن وراء خروج تلك الشحنة شقيق وزير سابق في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وكذلك مسؤول لدولة أجنبية دون ذكر اسمها، وهما المتورطان الأصليان في خروج تلك الآثار إلى إيطاليا، كما تبين أن المتهمين استعانوا برجل أعمال وزوجته يمتلكان شركة شحن وتغليف بالقاهرة ولها فروع في الإسكندرية وأسوان، وتم شحن الآثار في "كونتينر" باسم الدبلوماسي الأجنبي، وبناء عليه لم تخضع الشحنة للتفتيش.. وما زالت النيابة تواصل التحقيق.
— اشرف محمد (@ashraf_m_1250) May 23, 2018
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، أسدلت محكمة جنايات القاهرة الستار على القضية المعروفة إعلاميا بقضية الآثار الكبرى، بحسب صحيفة "الأهرام" الحكومية، والتي استمر تداولها في أروقة المحاكم المصرية 15 عاما، وانتهت بتخفيف عقوبة طارق السويسي تاجر الآثار والقيادي في الحزب الوطني الحاكم في مصر (الذي تم حله رسميا بعد ثورة 25 يناير 2011) إلى السجن 10 سنوات من السجن 15 عاما وغرامة 50 ألف جنيه.
وعاقبت المحكمة 11 آخرين من بينهم ضابط شرطة وموظفان بالجمارك وعدد من تجار الآثار، بأحكام متفاوتة تراوحت بين 3 سنوات و10 سنوات سجن وغرامات مالية تراوحت بين 3 آلاف جنيه و60 ألف جنيه.
وتعود وقائع القضية إلى عام 2003، عندما تم ضبط 272 قطعة آثار بمطار القاهرة قبل تهريبها إلى مطار هيثرو، مصحوبة بأوراق مزورة وبفحصها تبين أنها ترجع للعصور الفرعونية واليونانية والقبطية والإسلامية، وتبين أن قيمة الآثار 320 مليون جنيه (في حينها) إلى جانب 28 قطعة أخرى تم ضبطها في بيوت المتهمين، ووجهت لهم النيابة اتهامات بتهريب 300 قطعة أثرية خارج البلاد، وبيعها لحسابهم، عن طريق تهريبها داخل كراتين شحن على أنها لعب أطفال وأدوات كهربائية ومنتجات خان الخليلى.
وفي العام 2013، أعلن وزير الزراعة حينها محمد فريد أبو حديد أنه أثناء قيامه بجولة تفقدية لحديقة الحيوان بالجيزة اكتشف اختفاء غرفة النوم الخاصة بالملك فاروق والموجودة باستراحته الخاصة داخل الحديقة، واستبدال غرفة رخيصة الثمن بها، وأمر الوزير بفتح تحقيق في الواقعة، ولم يتم حتى الآن التوصل إلى المتورطين في الحادث، وسط تساؤلات عن كيفية تهريب غرفة نوم بهذا الحجم خارج البلاد.
وفوجئ المصريون في كانون الثاني/ يناير الماضي، بعرض غرفة نوم الملك فاروق للبيع على موقع أمريكي لحساب شركة أمريكية متخصصة في بيع التحف والأعمال الفنية النادرة تدعي ملكيتها للغرفة الأثرية.
ومع تزايد ظاهرة سرقة الآثار المصرية، تقدم أحد نواب البرلمان، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 بطلب إحاطة لوزير الثقافة حول انتشار تلك الظاهرة، وهو ما دفع وزير الآثار المصري خالد العناني إلى الاعتراف باختفاء 33 ألف قطعة أثرية من مخازن الوزارة خلال السنوات الماضية، موضحا أنه تم اكتشاف اختفاء تلك الآثار أثناء مراجعة وجرد تلك المخازن.
دخول الجيش على الخط
ومن ناحيته، أكد الخبير الأثري مختار المنياوي في تصريحات سابقة لـ"عربي21" تورط قيادات بالجيش المصري في عمليات تهريب الآثار بعد أن كان الفساد في هذا القطاع قاصرا على قيادات الداخلية في عهد مبارك، قائلا: "بعد الانقلاب أصبحت الكرة في ملعب القيادات العسكرية الذين يتعاملون مع الموارد المصرية باعتبارها حقا مكتسبا لهم".
وأضاف المنياوي أن "صحيفة التايمز البريطانية نشرت ملفا واسعا عن تورط قيادات في الجيش المصري في تجارة وتهريب الآثار، ومع ذلك لم نسمع أن الجهات الرقابية سواء العسكرية أو المدنية اهتمت بالموضوع بأي شكل من الأشكال، بل على العكس نسمع كل يوم عن القبض على مسؤول بالمحليات لتقاضيه رشوة عدة آلاف، بينما السرقة في الآثار بعدة ملايين لا يتم الاقتراب منها".
وأوضح الخبير الأثري أن "معظم الآثار يتم تهريبها من الحدود الجنوبية والغربية والشرقية، أي من خلال الحدود مع السودان وليبيا وإسرائيل، وكذلك من خلال بعض الموانئ البحرية النائية، أو من خلال البحر عن طريق المراكب الموجودة بعرض البحر، وكل هذه المنافذ المسؤول الأول عنها قوات حرس الحدود، والمخابرات الحربية والاستطلاع.. وعدم اكتشاف أي عملية عبر هذه المنافذ يؤكد التورط العسكري البارز في عمليات التهريب".
وأشار إلى أن الآثار المصرية التي يتم عرضها في متحف لوفر أبو ظبي، ليس لها مستندات بوزارة الآثار، ما يعني أنها آثار تم تهريبها، بمعرفة مسؤولين كبار في الدولة، خاصة أن الإمارات تعد السوق الأكثر رواجا لإتمام عمليات البيع للراغبين في الحصول على الآثار المصرية.
ودلل المنشاوي على حديثه بإحصائيات اتحاد الأثريين العرب التي أكدت أن 30% من الآثار المصرية تم تهريبها بعد ثورة 25 يناير 2011، وتورط فيها مسؤولون كبار في الحكومة والدولة المصرية، وهو ما يبرر، بحسب قوله، ضعف الجهود المصرية الرسمية لاستعادة هذه الآثار، كما جرى مع الآثار المعروضة في أبو ظبي وفرنسا.