هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للزميلة في معهد بروكينغز، والمحاضرة في جامعة هوبكنز مديحة أفضل، تحت عنوان "ثورة عمران خان الفاشلة"، تتحدث فيه عن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان وإنجازاته بعد ستة شهور من انتخابه.
وتقول أفضل في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إن رئيس الوزراء الباكستاني الشعبوي لم يحقق بعد ما وعد به، مشيرة إلى أنه قبل ستة أشهر انتخب لاعب الكريكيت الدولي خان رئيسا للوزراء في بلاده، ونظر لفوزه في البداية على أنه انتصار للمؤسسة العسكرية وصراعها، الذي يعود لعقود للسيطرة على الحكومات المدنية، وهو صراع ترك البلد وبشكل دائم ضعيفا وغير مستقر.
وتشير الكاتبة إلى أن المراقبين الدوليين والمنافسين السياسيين لخان اتهموا الجيش بالتدخل في الانتخابات، والتحيز لحزب خان "حركة العدالة الباكستانية" أو "تحريك إنصاف"، من خلال القيام بحملة قمع ضد الإعلام والاستفزاز والتحرش، بحيث شكل رجح كفة خان على منافسيه من الرابطة الإسلامية بزعامة رئيس الوزراء السابق المعتقل نواز شريف، الذي عبر عن استعداد لتحدي الجيش في أثناء السنوات الأخيرة في حكمه.
وتقول أفضل: "حتى لو وصل خان إلى السلطة بدعم غير مباشر من الجيش فهو ليس دمية في يده، وأظهر في أثناء حملته الانتخابية أنه سياسي ماهر يمكنه استخدام وعوده في الإصلاح والتنمية لبناء تحالف موسع في بلدة غالبا ما تتسم فيها السياسة بالهشاشة والانقسام على الخطوط الإثنية والمناطقية".
وتجد الكاتبة أنه "حتى لو كان خان شخصية سياسية ماهرة، وقدم له الجيش خدمة وضعته في المقدمة، إلا أن أزمة الدين الأجنبي ومعارضة سياسية شرسة منعته من تنفيذ أجندته، وباستثناء القمع الذي مارسه على المتطرفين، فبانتظار أن يقدم خان وعوده الانتخابية، وسيمنع تحالفه مع الجيش من التقدم أماما في مجال تطبيق وعوده".
وتلفت أفضل إلى أن "شعار الحملة الانتخابية التي خاضها خان كانت مكافحة الفساد، وقدم من خلالها نفسه وحزبه بصفتها جماعة سياسية خارجية يمكنها أن تقدم بديلا حيا للمؤسسة السياسية التقليدية التي تسيدتها الرابطة الإسلامية- جناح نواز وحزب الشعب الباكستاني، وكلاهما يرتبطان بعائلتين، ويعانيان من الفساد، ولديهما سمعة في سوء الحكم".
وتفيد الكاتبة بأن "خان استطاع بحملته ضد الفساد ونجوميته جذب الناخبين الباكستانيين الساخطين على الوضع القائم، وحصل حزبه على نسبة 32% من أصوات الناخبين، متفوقا على حزب الرابطة الإسلامية- جناح نواز، الذي حصل على 24% من أصوات الناخبين، وحصل خان على ما يبدو على دعم من قطاعات مختلفة من المجتمع، بمن فيهم القطاع الليبرالي القديم الذي تذكره كنجم كريكيت ساحر، وكذلك الناخبون الذين فضلوا الجيش والقطاع الشاب المحافظ، الذي يشكل 60% من السكان، الذين هم تحت سن الثلاثين، ونجاحه بصفته رئيس وزراء يعتمد على قدرته على تنفيذ طموحاته الواسعة ووعود الإصلاح".
وتنوه أفضل إلى أن "خان أعلن بعد انتخابه بفترة قصيرة أنه سيجعل باكستان دولة رفاه تتبع نموذج المدينة الذي بناه الرسول بنظام خدمات صحية محسنة وتعليم ووظائف أفضل للشباب وشبكة حماية للفقراء، وأثنى الكثيرون على خان لحديثه عن قضايا، مثل الصحة العقلية وفقر التغذية لدى الأطفال، وجعلها جزءا من النقاش الوطني، فالحكومات الباكستانية السابقة كانت تعد بالبنى التحتية والرعاية لأنصارها على حساب الجماعات المهمشة، خاصة النساء والأطفال والتطوير الاجتماعي- الاقتصادي".
وترى الكاتبة أن "مشاريع كهذه من السهل الحديث عنها وليس تنفيذها، وليست لدى خان وغالبية وزرائه خبرة في إدارة الحكومة، وقبل بدء تنفيذ وعودهم الانتخابية كان عليهم مواجهة الدين الأجنبي، وكانت حملة خان تقوم على رفض الديون الأجنبية أو حزمة مساعدات من صندوق النقد الدولي، وجعله تردده في الاعتماد على هذه المؤسسة الدولية أمام معضلة كبرى تتعلق بالدين العام الذي ورثه من الحكومات السابقة، وفي الأشهر الأخيرة استطاع تأمين تمويل سعودي وإماراتي بقيمة 12 مليار دولار".
وتستدرك أفضل بأن "الاقتصاد الباكستاني يعاني دوامة تشمل على التضخم وزيادة أسعار المواد الأساسية، لكن الكثيرين في باكستان وجدوا عزاء في خطاب خان المؤيد للفقراء، وسيجد خان نفسه أمام مشكلة لو رفع أسعار المواد الأساسية والضرائب ليتمكن من تطبيق الإصلاحات الاقتصادية".
وتقول الكاتبة: "يمكن لخان أن يتحدث عن إنجازات جوهرية قليلة في مجال التعليم والصحة، فمنح الأقاليم صلاحية إدارة التعليم والصحة يعني أن خان لن يكون مسؤولا إلا على إقليميي حزبه يسيطر عليهما، وهما إقليم خيبر والبنجاب، ففي البنجاب اتخذ خان خطوة إيجابية، وهي نظام الضمان الصحي الذي يستهدف الفقراء، لكن وزير البنجاب سردار عصمان بودزار غير فعال، بحيث قلل من إمكانيات الإصلاح الحقيقي".
وتشير أفضل إلى أنه "على الجانب الديني فإن قلة توقعت من خان تنفيذ شيء إيجابي، فكونه زعيما للمعارضة كان محبوبا لدى اليمين الديني، ولم يحظ بدعم المثقفين الليبراليين، وذلك بسبب دعمه أحيانا المحادثات مع حركة طالبان باكستان، ومطالبته بتطبيق مشدد لقوانين التجديف، وحديثه عن مركزية الإسلام في المجتمع، لكنه ومنذ وصوله إلى السلطة اتخذ خطوات حذرة باتجاه نهج ليبرالي في ما يتعلق بالشؤون الدينية، مع أنه لم يتطور نحو سياسة متماسكة".
وتبين الكاتبة أن "التزامه بالإسلام سمح له باتخاذ هذه الخطوات، إلا أن توجهه الليبرالي الجديد قد يجعل البعض ينظر إلى ماضيه المحافظ على أنه نوع من الانتهازية السياسية، فبعد وصوله إلى السلطة لم يعد مستعدا للتسامح مع التهديد الإسلامي، وبدا موقفه واضحا في 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عندما برأت المحكمة العليا آسيا بيبي، المسيحية التي اتهمت بالتشهير بالإسلام، وهو ما أغضب الإسلاميين، وفي تلك الليلة ألقى خان خطابا دافع فيه عن قرار المحكمة العليا بطريقة قاطعة، وبهذه الطريقة سيطر خان على السرد الوطني في قضية كانت الحكومات تخشى التدخل فيها، تاركة الأمر للإسلاميين وخطابهم لينتصر".
وتلفت أفضل إلى أنه "بعد أيام من خطابه بدا خان وكأنه يتراجع عن موقفه عندما وعد بأن الحكومة ستعمل ما باستطاعتها لمنع سفر بيبي، وذلك في رد على احتجاجات نظمتها (تحريك لبيك)، ولكن الموقف بدا وكأنه تكتيك لفض الاحتجاجات، وبعد ذلك استهدفت الحكومة قادة تحريك، خاصة خادم رضوي، ولا يزال عدد منهم في السجن، وعندما أقرت المحكمة العليا بالحكم الصادر بتبرئة بيبي وحريتها بالسفر، كانت الحكومة قادرة على منع تظاهرات أخرى من خلال اعتقالات أخرى".
وتقول الكاتبة: "علينا ألا نتوقع تحول باكستان لبلد متسامح دينيا في ظل حكم خان، لكن موقفه من قرار بيبي يعد مهما، خاصة أن الدولة كانت تتخلى للمتشددين في قرارات كهذه".
وترى أفضل أن "خان لو استطاع طمأنة أنصاره المحافظين، الذين يتفهم مظاهر قلقهم فإنه سيكون قادرا على بناء توازن في النزاع بين الليبراليين والمحافظين، نوع من التوازن في ضوء عمليات الأسلمة التي تعرضت لها باكستان منذ الاستقلال، وهذا يعني مواصلة التكريس للإسلام، لكنه يترافق مع التخفيف عن الأقليات الدينية التي عانت في ظل قوانين التجديف، التي تم تفعيلها في الثمانينيات، وقد تكون هذه خطوة للأمام".
وتعتقد الكاتبة أنه "مثل بقية الحكومات المدنية، فإن نجاح خان يعتمد على علاقته مع الجيش، وفي الوقت الذي تقوم فيه الحكومة بإدارة الشؤون اليومية للبلاد، دون تدخل من الجيش، فإنه يتوقع من الحكومة عدم التدخل في الشؤون الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالهند وأفغانستان، ومن خلال أفعال خان يبدو أنه سيلتزم بهذا، ففي الهند فهو يتحرك بحذر، مع أنه يريد تحسين العلاقات مع الهند، لكنه يعرف أن تقاربا حقيقيا لن يحدث، خاصة أن الهند ستعقد انتخابات هذا الربيع، وزاد موقف حزب بهارتيا جاناتا تشددا من باكستان، وتبنى خان تحركات رمزية، مثل إعلانه في كانون الأول/ ديسمبر عن (ممر السلام)، الذي سمح فيه للهندوس بزيارة معابدهم في باكستان دون تأشيرة".
وتنوه أفضل إلى أنه "في أفغانستان، عبر خان عن دعمه للجهود الأمريكية ومحادثات السلام مع حركة طالبان، وهذا يتناسق مع رؤية خان لتحقيق التسوية وانسحاب أمريكي من الجارة أفغانستان، وفي الوقت ذاته تبنى موقف الجيش ذاته المحذر من أثر انسحاب متعجل على باكستان".
وتستدرك الكاتبة بأنه "رغم أن خطواته في السياسة الخارجية على قدر المستوى مع الجيش، إلا أن هذا قد يؤثر على موقفه الداخلي".
وتذكر أفضل أن "الإعلام عانى من ضربة منذ وصوله إلى الحكم، ويتم تبرير إغلاق الصحف والقنوات التلفازية وفصل الصحافيين بناء على تراجع الإعلانات، إلا أن معظم من تم فصلهم، والصحف التي أغلقت، هي تلك الناقدة لخان وحكومته والجيش، والداعمة لنواز شريف وحزبه، وفي السياق ذاته يدفع الجيش نحو الرقابة على الأخبار، خاصة قمع الجيش لمطالب البشتون في شمال غرب البلاد، والقتل خارج القانون، والاختفاء القسري للمطالبين بالحقوق في هذه المنطقة، وبعد القمع ضد المتظاهرين في إسلام أباد هذا الأسبوع تدخل خان وأمر بالإفراج عن المعتقلين رغم بقاء قادتهم في السجن".
وتقول الكاتبة إن "دعم الجيش لخان منح ديمقراطية باكستان الاستقرار الذي تحتاجه، وفي المقابل فإن تحالفه مع جنرالات البلد يقوض أو يسمح لهم بتقويض حرية الإعلام ومطالب الإثنيات، ووضع كهذا ليس جيدا لعافية الديمقراطية في باكستان، وليست لدى خان خيارات سهلة، فإما أن يلتزم بالتحالف مع الجيش من أجل الاستقرار مقابل القبول بسياساته غير الليبرالية، وإما الوقوف أمام الجيش وخسارة الاستقرار، وسيختار الأول".
وتذهب أفضل إلى أن "نجاحه يعتمد على ماذا سيصنع بهذا الاستقرار، ولم يصنع الكثير بسبب معوقات الدين الأجنبي، ولهذا يشعر الباكستانيون العاديون بنفاد الصبر".
وتختم الكاتبة مقالها بالقول: "ربما وجد خان بالتمويل الذي حصل عليه من السعودية والإمارات العربية فرصة للتقدم على الاقتصاد، لكن عليه عمل المزيد أكثر مما عمل في الستة الأشهر الأولى، إلا أن إنجازه الحقيقي كان على الصعيد الذي لم يتوقع أحد منه في مجال الدين، وإن بشكل هامشي".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)