هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يبدو أنَّ هناك مساعي لإحداث اختراقٍ في موقف الجزائر المؤيّد للقضية
الفلسطينية، واستدراجها إلى التطبيع التدريجي مع الكيان الصهيوني، وهذا في إطار "صفقة
القرن" الأمريكية الرامية إلى تحقيق تطبيع عربي شامل ومجّاني مع الاحتلال؛
لعزل الفلسطينيين عن محيطهم العربي، وتضييق الخناق عليهم، وتسهيل تصفية قضيّتهم.
في
هذا الإطار، كشفت صحيفةٌ إلكترونية مقرّبة من الخارجية الصهيونية أن الولايات
المتحدة وفرنسا ودولتين خليجيتين قد تدخّلت لدى الجزائر وتونس لإقناعهما بالسماح
لطائرة نتنياهو بالمرور عبر أجوائهما حينما يزور المغربَ في مارس المقبل. ولمّا
رفض البَلَدان ذلك، اقترحت الدولُ الأربع أن يمرّ نتنياهو عبر أجوائهما في طائرةٍ
مغربية، مع إبقاء الأمر سرا، لكنّ البلدين تمسّكا بالرفض، وكان ذلك كافيا لتحويل
الوِجهة المقبلة للطائرة الصهيونية إلى جنوب إسبانيا.
لا
شك لدينا أنّ الإصرار على مرور قاتل أطفال غزة عبر الأجواء التونسية، ثم الجزائرية
وهو في طريقه إلى المغرب، سواء في طائرةٍ صهيونية أو مغربية، يهدف إلى جرّ
البُلدان المغاربية كلها إلى مستنقع التطبيع والخيانة، وليس المغرب وحده، لكن
اللافت للانتباه هو أنّ بلدين خليجيين قد قبلا أن يتحوّلا إلى عرَّابين للتطبيع
المجاني مع الاحتلال والترويج لـ"صفقة القرن" الخطيرة، وقد بدأ ذلك
بإخراج العلاقات الخليجية مع الاحتلال من السرّ إلى العلن في الأشهر الأخيرة، حتى
أضحت بعض دول الخليج تستقبل قادته ورياضييه في عواصمها بلا حرج، وتوعز لذبابها الإلكتروني
العفِن بمواصلة شيْطَنة الفلسطينيين الشرفاء والترويج لفكرة أن الاحتلال لم يعُد
عدوا، بل أضحى "صديقا" و"حليفا".. وصولا إلى ترتيب تبادل
الزيارات بين نتنياهو ورئيس التشاد، وما يُثار عن إمكانية التطبيع مع مالي
والسودان والمغرب قريبا…
إذن
هناك اختراقٌ صهيوني كبير للمنطقة بفضل دعم خليجي فعّال لم يعُد يجد حرجاً في بيع فلسطين
وقبلة المسلمين الأولى مقابل الحفاظ على العروش.. وإذا كانت الجزائر إلى حدّ
الساعة متمسّكة بثوابتها ومواقفها المشرّفة والباعثة على الفخر تجاه فلسطين،
وبدعمها "ظالمة أو مظلومة"، وبالانسجام التام مع الموقف الشعبي الرافض
قطعا لأيّ تعامل مع الاحتلال.. فإنّها ينبغي أن تدرك تماماً أن هناك تحوّلات
دراماتيكية كبيرة في المنطقة؛ فالجميع يتسابق بشكل مهين على التطبيع المجّاني
وتقديم قرابين الولاء للكيان الصهيوني لإرضاء أمريكا، ما جعل حدود الجزائر مطوَّقة
بالكامل بهذا الاختراق الصهيوني، في سياق الاستعداد لتصعيد الضغط عليها لجرّها إلى
التطبيع بدورها، ونأمل أن تصمد الجزائر على مواقفها المشرِّفة تجاه قضيتنا الأولى،
وأن لا ترضخ لأيّ ضغوطٍ غربية سافرة أو عربيةٍ خائنة.
هذا
الموقفُ العربي المخزي الذي يهدف إلى تعميم التطبيع الذليل والمجاني، وجرِّ شتى
البلدان العربية والإسلامية إليه حتى تصبح مثلها، ولا يبقى هناك من يتجرّأ على
معارضة الإرادة الأمريكية والصهيونية، يذكّرنا بقصّة تلك القرية التي خرج رجالُها
لملاقاة العدوّ خارجها، لكنه خادعهم ودخل القرية من طريق آخر وشرع رجالُه في
اغتصاب نسائها، لكن إحداهنّ قاومت الرجل الذي حاول اغتصابها وتمكّنت من قتله،
فاجتمعت باقي النسوة وقرّرن قتلها حتى لا يشيع خبرُ بطولتها بين الناس ولا
تذكِّرهنّ رؤيتُها كل يوم بعارهنّ وعدم بذل أيّ جهدٍ للدفاع عن شرفهنّ. لكِ الله
يا فلسطين.
عن صحيفة الشروق الجزائرية