هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يشن إعلاميون مصريون بين الفترة والأخرى حملات إعلامية تستهدف الأزهر وشيخه الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، كان آخرها في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بعد كلمته التي ألقاها في الاحتفال النبوي، بحضور رئيس الانقلاب، عبد الفتاح السيسي والتي تحدث فيها عن أهمية السنة النبوية بوصفها مصدر التشريع الثاني بعد القرآن الكريم، ومنتقدا بشدة مواقف "منكري السنة" منها.
وتأتي "تلك الحملة على شيخ الأزهر بعد رفضه أكثر من مرة توجيهات رئيس نظام الانقلاب، عبد الفتاح السيسي بشأن قضايا شرعية مثل الطلاق الشفهي، وتحديد سن الزواج" بحسب الدكتور محمد الصغير مستشار وزير الأوقاف المصري الأسبق.
وأوضح الصغير لـ"عربي21" أن "شيخ الأزهر يسعى للحفاظ على استقلالية الأزهر، والنأي به عن المعترك السياسي، لكن النظام الحالي يعتبر الحياد خيانة وعداوة".
وأضاف: "يقف شيخ الأزهر حجر عثرة أمام السلطة الحاكمة التي تريد تغيير الهوية الدينية للشعب المصري، ومسخ موروثه الثقافي، وتريد وضع خاتم الأزهر الشريف على ذلك" على حد قوله.
ولفت الصغير إلى أن "حملة السيسي على الأزهر وشيخه تتولى كبرها الأذرع الإعلامية المرتبطة مباشرة بالأجهزة الأمنية، ثم وزير الأوقاف وعلي جمعة في صورة تلميذه الدكتور أسامة الأزهري".
وذكر الصغير أن شيخ الأزهر يستند في مواجهة ضغوط الرئاسة عليه بأذرعها المختلفة إلى ما "هو مشهود له بالزهد حسب تربيته الصوفية، وبالتالي لم يفلح النظام في إغرائه بالمال، وكذلك للمكانة المستقرة لمنصب الإمام الأكبر في نفوس المصريين".
وفي ذات السياق، رأى الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة أن "الهجمة الإعلامية على شيخ الأزهر ذات صلة برفضه لسياسة "وضع اليد" على الدين"، مضيفا: "هناك في الفضاء العربي هذه الأيام قناعة بضرورة التخلص من ظاهرة التدين برمتها، بوصفها الحاضنة لما يسمى الإسلام السياسي".
وقال الزعاترة في تغريدة نشرها على "تويتر"، الاثنين الماضي، إن "شيخ الأزهر وبعيدا عن مواقف سابقة يرفض ذلك، ما يعني أنه يستحق الدعم في مواجهة المهرجين".
وردا على سؤال "عربي21" حول مظاهر وتجليات تلك القناعة بالتخلص من ظاهرة التدين، أوضح الزعاترة أنه "في ظل مقاربة سياسية تقول إن الصحوة الدينية هي التي تمنح الحاضنة الشعبية للإسلام السياسي، بات من الواضح أن قرارا قد اتخذ بتحجيم الصحوة بكل وسيلة ممكنة".
وأضاف: "وبتنا نرى دولا كانت من بين الدول الأكثر تشجيعا للتدين- وإن بلون معين- قد بدأت في انتهاج سبيل آخر من خلال بناء منظومة اجتماعية جديدة تستهدف في جوهرها منظومة التدين".
من جهته، قال الكاتب الصحفي المصري، مصطفى حمزة إن "مؤسسة الأزهر جزء من مؤسسات الدولة، وهي المؤسسة الدينية الرسمية، والذين يشنون حملة ضدها يسيئون لأنفسهم قبل أن يسيئوا للأزهر وإمامه الأكبر".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21" أن "هذه الحملة سببها الحقيقي هو الدور العالمي لهذه المؤسسة العريقة في حمل راية وسطية الإسلام إلى العالم".
وعن حقيقة الخلاف بين الأزهر ومؤسسة الرئاسة لفت حمزة إلى أن "الكثيرين ممن يصطادون في الماء العكر يحاولون الترويج لهذه الشائعات الفارغة، مستغلين مطالبات الرئاسة بتجديد الخطاب الديني".
وأردف موضحا: "المشكلة الحقيقية تكمن في علنية تلك المطالبات، لأن هذه العلانية قد تسبب حرجا للأزهر، كما تعطي فرصة للأطراف المترصدة للصيد في الماء العكر، لتصوير الخلاف أنه يتمثل في اختلاف وجهات النظر بشأن الإصلاح الديني".
بدوره رأى الكاتب المصري، محمد عبده أن طبيعة الخلاف بين مؤسسة الأزهر ممثلا بشيخه والرئاسة ترجع بالأساس إلى رغبة السيسي بفرض هيمنته على المؤسسة الدينية برمتها، واحتكاره لمفهوم الدين، وأن تكون له اليد الطولى في تحديد طبيعة التدين، وأن يكون الأزهر تابعا له، ويدور في فلكه بالكلية.
وأضاف لـ"عربي21": "ومع أن رغبة وتوجهات السيسي لا تصطدم مع كثير من المشايخ الرسميين كالمفتي والدكتور علي جمعة، ووزير الأوقاف لأنهم الأكثر قابلية للتجاوب مع رغبات السلطة، لكن موقف شيخ الأزهر ما زال حتى اللحظة يتسم بالاتزان، ويرفض التخلي عن دوره في المحافظة على محكمات الشريعة، وثوابت الأحكام الشرعية، وهو ما يثير حنق السيسي ضده، ويدفعه إلى التضييق عليه".
وتابع: "وقد تجلى الخلاف بين الرجلين في قضية السنة وحجيتها ومكانتها في التشريع الإسلامي، حيث وقف شيخ الأزهر موقفا صلبا ضد هجمة أذرع السيسي الإعلامية للنيل منها، ناهيك عن الحضور الشعبي والرسمي اللافت لشيخ الأزهر في بعض الدول الإسلامية، إذ يستقبل هناك استقبال رؤوساء الدول، الأمر الذي يقلق السيسي، لطبيعة شخصيته التي لا تقبل الشريك"، وهو ما فعله مع كل رفاق المجلس العسكري، فلم يترك منهم منافسا إلا تخلص منه، وبقي شيخ الأزهر المحصن بالدستور ضد العزل والإقالة".
وبذلك فإن السيسي، وفقا لعبده "يحاول الضغط على شيخ الأزهر عبر أذرعته الإعلامية المختلفة، ومن آخر قراراته في هذا المجال استصدار قرار يمنع كبار رجال الدولة من السفر دون تصريح منه، والمعني بشكل مباشر بهذا القرار هو شيخ الأزهر، لدفعه إلى الاستقالة والتخلي عن منصبه طواعية".
وختم عبده حديثه بالقول إن "السيسي يسعى إلى بسط هيمنته بشكل مباشر على الأزهر والمؤسسة الدينية برمتها، لأنه لا يقبل الندية في أي شأن من شؤون الدولة حتى في الشأن الديني، فهو يريد التدخل في كافة تفاصيل عمل المؤسسة الدينية، بما فيها المسائل والقضايا الدينية المحضة".