هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أحداث الأسبوع الماضي في فلسطين كثفت أحداث عام وأكثر للصراع بين شعب
واحتلال. في هذا الأسبوع قدم المحتلون أبشع ما لديهم. جيش الاحتلال ينفذ عملية
حربية في مخيم الأمعري /البيرة، الهدف المعلن تدمير منزل عائلة أبو حميد، وواقع
الحال محاولة استعادة الردع بالترهيب والعقوبات الجماعية، ولم ينقصهم غير استخدام
سلاح الجو. الأمر تكرر في بلدة شويكة في محافظة طولكرم - هدم منزل وترهيب وعقوبات
جماعية بما في ذلك طرد العمال الفلسطينيين وتمزيق تصاريح العمل. فضلاً عن
الإعدامات الميدانية للشبان، والإغلاقات والحصار والاعتقالات. عنف المستوطنين زاد
وفاض في فاشيته وشهوته في الانتقام ليطال الشوارع والقرى والبلدات ويضيف إلى
الخسائر والعقوبات الشيء الكثير، بما في ذلك إعادة تدشين مستعمرة عمونة على أراضي
بلدة سلواد.
العنف
الأمني كان امتداداً للعنف السياسي، فحكومة نتنياهو تواصل رفضها الصريح والعلني
للدخول في أي عملية سياسية، وتغلق كل الأبواب والنوافذ أمام أي محاولة لطرح قضية
الاحتلال والاستيطان على الأجندة الدولية. وعلى العكس من ذلك يتباهى نتنياهو ببدء
التطبيع مع دول عربية كبديل للعملية السياسية مع الفلسطينيين وبمعزل عنهم. هكذا
عوضا عن تثبيت الانسداد السياسي فإن حكومة الاحتلال تصدر قرارات تصعيدية وفي غاية
الاستفزاز، كهدم فوري لمنازل «منفذي العمليات»، بدون العودة إلى المحكمة
والاستئناف، وتقر مشروعا يقضي بطرد عائلات منفذي العمليات والذين حاولوا قتل جنود
ومستوطنين خلال أسبوع من موعد تنفيذ العملية، ووضعت الحكومة قضية اعتماد البؤر
الاستيطانية غير الشرعية على جدول أعمالها للإقرار، وكان نتنياهو قد أكد على زيادة
وتائر الاستيطان كرد على العنف الفلسطيني. أما عضو الكنيست اورن حزان فقد طالب
بإعدام «الإرهابيين» معتبراً حياة كل جندي تعادل حياة 100 «مخرب»، وطالب برأس أبو مازن
ورأس نائبه العالول أيضا. ويتنافس أعضاء كنيست وقيادات أحزاب مع المنظمات الأصولية
على اقتحام المسجد الأقصى، ودفع الأمور إلى الانفجار.
مشاهد
الأسبوع الماضي قدمت الغطرسة الكولونيالية الإسرائيلية في أبشع تجلياتها، وهي
الإمعان في إخضاع شعب لمواقفها وشروطها ورؤيتها العدمية التي تتلخص بتثبيت أسياد
يملكون كل شيء وعبيد لا يملكون شيئاً من حقوقهم، متجاوزةً بذلك كل أشكال الاستعمار
القديم، ومعتقدةً بأنها تستطيع فرض هذه العلاقة المريضة بالقوة وبالمزيد من القوة.
ورغم إخفاق سياسة إخضاع شعب، إلا أن الحكومة الإسرائيلية تواصل اعتماد تلك السياسة
بأشكال أكثر وحشية وقبحاً، متجاوزةً ومستبدلة كل المنظومة القانونية الدولية
بشريعة الغاب.
لم تتعظ الحكومة الإسرائيلية ولم تستخلص الدرس بأن إخضاع شعب هو في
حكم المستحيل.
صحيح أن دولة الاحتلال تستفرد بالشعب الفلسطيني مستفيدةً من الغطاء
الذهبي الذي توفره إدارة ترامب لكل انتهاكاتها، ومن الصمت الدولي المريب، ومن
تطبيع واندلاق دول عربية متزايدة مع تلك الدولة، لكن الشعب الأعزل عرف ويعرف كيف
يرد على عملية إذلاله وقهره. يقول رئيس الشاباك نداف أرغمان لأعضاء لجنة الخارجية
والأمن في الكنيست إن الجهاز الذي يترأسه منع في السنة الجارية 2018 حوالي 500
عملية إرهابية. ومن يتابع الشريط الإخباري اليومي سيجد مسلسل اعتقال دائم لشبان أكثر
وفتيات أقل، ومن غير المعروف ما هي طبيعة التهم الموجهة للمعتقلين، لكنها تشير إلى
أن سياسة الإخضاع الإسرائيلية لا تؤدي إلى خضوع فلسطيني.
وكما تشير المعلومات الإسرائيلية فإن السواد الأعظم من الشبان لا
ينتمون إلى تنظيمات سياسية، وان مقاومتهم عبارة عن رد فعل للإهانة والإذلال
الإسرائيلي لهم أو لأقاربهم ولأبناء جلدتهم. ويلاحظ أنهم يخططون لردودهم وينفذونها
بشكل يفاجئ في كل مرة أجهزة الأمن الإسرائيلية.
هذا النوع من المقاومة مرشح
للاستمرار والتواصل ما بقيت سياسة إخضاع وقهر وإذلال الشعب الفلسطيني قائمة
ومستمرة، فهذا النوع من الصراع لا يوجد فيه حسم ولا يخضع لميزان قوى ولا لبنوك
المعلومات الأمنية. هذا الشكل النضالي ليس وحيداً، فهناك مجموعات الشبان منظمين
وغير منظمين الذين يتصدون لكل اعتداء وانتهاك إسرائيلي للبشر ولمدنهم ومخيماتهم
وبلداتهم. هؤلاء يدافعون عن كرامة شعب ووطن في اللحظات الصعبة ويردون على المحتلين
المعتدين بشجاعتهم وبصدورهم العارية وبحجارتهم وبإمكانياتهم المتواضعة، ويحولون
فعلهم المتواضع إلى صيرورة تحرر وكرامة.
مقابل ذلك، كم كان وضع السلطة وأجهزتها الأمنية حرجا؟ والذي تحوله
الاعتداءات الإسرائيلية إلى مشهد سريالي. نظرياً من المفترض أن تدافع السلطة عن
المواطنين، كانت طريقة دفاعها السابقة في أحداث النفق 96، وفي الانتفاضة الثانية،
دفاعاً مباشراً استخدم فيه السلاح، وفي مرات أخرى كانت الصلاحيات السياسية (سيادة
في مناطق أ)، وتفاوض على حل نهائي يبرر للسلطة سياستها الأمنية. في هذا السياق
كانت السلطة تحتجز الذين تجاوزوا اتفاقها مع دولة الاحتلال، رغم الاختلالات
وفي مقدمتها التغلغل الاستيطاني الذي كان يستدعي وقف العمل بالتنسيق إلا أن
التنسيق الأمني انطوى على مقابل ما.
الآن اختلفت الصورة، التنسيق الأمني في ظل الاستباحة الإسرائيلية
بالطول وبالعرض لكرامة المواطنين، وفي ظل المشروع الإسرائيلي الأميري (صفقة القرن)
الذي يشطب القضية بكل عناصرها ويؤبد الاحتلال، لا يوجد أي مقابل إلا السماح ببقاء
السلطة بلا سلطة على قيد الحياة. هذا البقاء الذي يفقدها ثقة أكثرية الشعب، بمعنى
يفقدها الشرعية وهنا الطامة الكبرى. ولا شك أن حكومة نتنياهو معنية بوجود سلطة
منزوعة الصلاحيات ومنزوعة الثقة ومنفصلة عن شعبها، لأنها لا تريد للكيانية الفلسطينية
أن تكتمل بدولة المواطنة. لا تريد أن يتبلور بديل وطني لاحتلالها ولإدارتها، لذلك
فإنها تدمر أول ما تدمر عناصر الثقة، وتدفع وتشجع كل عناصر السلب في تجربة السلطة.
وما حدث من قمع أجهزة امن السلطة لمسيرة الخليل كان خطأ كبيراً غير مبرر مهما كان
الاستفزاز. في تلك اللحظة المعتمة كانت السلطة على محك حماية شعبها، على الأقل
معنوياً.
التناقضات
السابقة تستدعي اتباع ردود وسياسات جديدة وفي بداية ذلك وقف تدهور وتفكك الحالة
الفلسطينية. لا مفر من البحث عن عناصر استقواء جديدة، بدءاً بفتح الانسداد في عمل
المنظمة والحكومة. ثمة حاجة لتقديم أفكار من خارج الصندوق، وللحديث بقية.
عن صحيفة الأيام الفلسطينية