قضايا وآراء

إني أتذكر

هشام عبد الحميد
1300x600
1300x600
أتذكر أيام دراستي بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وأنا أتناول بالتفصيل أزمة مسرحية "الحسين ثائرا وشهيدا"، رائعة عبد الرحمن الشرقاوي. وقد أخرجها للمسرح القومي آنذاك، المبدع كرم مطاوع؛ والتي انتهت بمنعها من العرض بعد إجراء 15 بروفة، كما تم عرضها أمام الجمهور الغفير الذي امتلأت به قاعة المسرح القومي، لدرجة أنه لم يكن هناك مكان لوضع القدم.

العرض كان بحق أسطوريا في جوهره وشكله، وقد جمع وقتها قامات مسرحية كبيرة. مع حفظ الألقاب أذكر منها: يوسف وهبي، عبد الله غيث، حمزة الشيمي، والكثيرون غيرهم.

المسرحية في جوهرها تُبرز أهمية الكلمة في تأكيد جوهر الحرية والعدالة بمواجهة القهر والظلم.

هذه الإشكالية التي طرحها عبد الرحمن الشرقاوي، خرجت للمسرح على أيدي أولئك العمالقة، بمشاهد ساخنة شديدة الملحمية والتأثير، ألهبت وأججت مشاعر الجمهور المصري الذي ضاق به المسرح القومي، حيث فُتِح المسرح أمام الناس أثناء تقديم البروفات.

أمام هذا الاحتفاء الجماهيري العارم، وجدت السلطة المصرية نفسها أيام السادات؛ تتحرك بسرعة لمنع العرض الشديد النجاح والشديد النقد السياسي، حيث أُلبِس المنع، ثوبا دينيا، وذلك بتحويل القضية للأزهر الشريف، الذي كان يرأسه وقتها الشيخ الجليل عبد الحليم محمود.

جاء في أسباب المنع أن المسرحية تدعو إلى الفتنة الطائفية، وتؤجج مشاعر الانتقام بين السنة والشيعة، هذا فضلا عن مجموعة ملاحظات أخرى لا مجال لذكرها الآن.

قامت الدنيا ولم تقعد، لتغرق كل الأطراف في مجادلات ومناوشات، وفي أسباب ليس لها علاقة بالمضمون السياسي للمسرحية. وانتهى بحرمان الجمهور المصري والعربي من عمل رائد، ومن أجمل وأجرأ الأعمال في تاريخ المسرح العربي.

ولكن يظل السؤال القائم الذي يؤرقنا تحت ظل سيف الرقابة التعسفي:

إلى متى يستمر مسلسل المنع السلطوي للفن والمسرح بصفة خاصة؟

وإلى متى سيظل هذا التوجس حيث يقف التابو السياسي عائقا أمام تطور المجتمع؟

إلى متى ستظل السلطات السياسية كانت أم الدينية تُلبس النقد السياسي ثوبا غير ثوبه؟

على أية حال:

سأظل أهتف بملء صوتي
أني حر بدلا من أني أتذكر
التعليقات (0)