هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أمريكا و"إسرائيل" منزعجتان جدا مما جرى ويجري في فلسطين وسوريا ولبنان. لا فارق بين ما يزعج الأولى والثانية. في الواقع، ما يُزعج “إسرائيل” يصبح بسرعة إزعاجا لأمريكا. فالكيان الصهيوني، بمخاوفه ومصالحه ومطامعه، هو الذي يحرك الولايات المتحدة ويحدد مسارها وليس العكس، لاسيما في ما يتعلّق بقوى المقاومة العربية وحلفائها.
في فلسطين المحتلة، حكومة نتنياهو ليست منزعجة فحسب، بل قلقة، فقد تلقّت في الآونة
الأخيرة عدّة صدمات مدوّية، أُولاها تأكدُها من امتلاك المقاومة اللبنانية (حزب
الله) صواريخ دقيقة التصويب كفيلة بتدمير وزارة الحرب في عمق تل أبيب، ناهيك عن
سائر المرافق الحيوية في ما تسميه “الجبهة الداخلية”.
ثانيتها الفشل المريع والمهين لعملية “خان يونس” الأخيرة وتداعياتها السياسية والاستراتيجية المحبطة.
ثالثتها الفشل المدوّي لمشروع القرار الأمريكي بشيطنة حركة “حماس” في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونجاح القرار المضاد القاضي بإدانة الاستيطان الصهيوني في فلسطين.
حتى قبل وقوع الصدمات الثلاث المدوّية، أدركت الولايات المتحدة و”إسرائيل” أن
موازين القوى في غرب آسيا تتطور تدريجا لغير مصلحتهما. السبب؛ تعاظم قدرات قوى
المقاومة العربية، ولاسيما حزب الله في لبنان وحركتيّ “حماس” والجهاد الإسلامي في
قطاع غزة، بفضل الدعم الإيراني السياسي والمالي والعسكري.
الردُّ الصهيوأمريكي تمثّل، بادئ الامر، بتوظيف تنظيمات الإرهاب التكفيري في الحرب على سوريا وفيها، ثم تطوَّر إلى تصعيد للحرب الناعمة على إيران بما هي، في حسبان واشنطن وتل أبيب، عدوهما الرئيسي في الإقليم، بإعلان الرئيس الأمريكي ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران واستئناف العقوبات ضدها.
إزاء عدم تجاوب معظم دول العالم مع سياسة
ترامب وعقوباته المسيئة لمصالحها الاقتصادية من جهة، ومن جهة أخرى لصمود إيران
ومعها قوى المقاومة العربية في فلسطين وسوريا ولبنان، قررت واشنطن، بتحريض سافر من
تل أبيب، تصعيد الحرب الناعمة في جانبها السياسي، باتخاذ سلسلة تدابير عدوانية من
شأنها افتعال فتن إثنية وفئوية في سوريا ولبنان وفلسطين، تؤدي، في ظنّهما، إلى
تقويض الوحدة الوطنية الداخلية وحمل السلطات المحلية على التضييق على قوى المقاومة، وصولا إلى شن حرب سافرة عليها إذا اقتضى الأمر.
في سوريا، وسعّت أمريكا من انتشار قواتها في شرق البلاد وشمالها الشرقي، ودعمت بالمال والسلاح “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية في سياق مخطط يرمي إلى إقامة كيانات حكم ذاتي في محافظتي الحسكة والرقة، ووضع اليد على منابع النفط والغاز فيهما، ومساومة تركيا للحصول على موافقتها العلنية أو الضمنية، لإقامة “نقاط مراقبة مسلحة” أمريكية على الحدود السورية والعراقية في منطقة ما بين نهري الفرات ودجلة. وها هو الجنرال جوزيف بدفورد، رئيس مجلس القيادة المشتركة للجيوش الأمريكية، يعلن “أن وجودنا في سوريا لا يرتبط فقط بهزيمة “داعش”، وأن أمريكا بحاجة إلى تدريب 40 ألف مقاتل محلي في سوريا قبل انسحابها منها”.
غني عن البيان أن الغاية من وراء هذه الترتيبات العدوانية دعم مطامع واشنطن في نفط سوريا، وتأمين مشاركتها في ترسيم مستقبلها السياسي، بتقويض اتفاق أستانة واتفاق سوتشي بين روسيا وإيران وتركيا والعودة إلى مفاوضات جنيف. إلى ذلك، تسعى واشنطن إلى تهيئة الظروف السياسية والميدانية لتسويق ما يسمى “صفقة القرن” في مطالع العام المقبل. لهذه الغاية، تدعم واشنطن مساعي التطبيع بين “إسرائيل” ودول الخليج، وصولا إلى قيام تحالف (“ناتو” عربي) مؤلف من هذه الأخيرة والأردن مباشرة و”إسرائيل” مداورة.
وفي هذه
الأثناء، تمضي “إسرائيل”، بدعم من أمريكا، في حصارها الوحشي لقطاع غزة. في لبنان،
يسعى نتنياهو إلى تضخيم مسألة العثور على نفق (محتمل) لا تظهر منه إلاّ بضعة أمتار
في محيط “مستوطنة المطلة” القريبة من الحدود مع لبنان، والزعم بأن أنفاقا أخرى
لحزب الله موجودة في أجزاء أخرى من هذه الحدود، وأن “إسرائيل” عازمة على تدميرها
جميعا. أوفير غيندلمان، المتحدث باسم رئيس الحكومة الإسرائيلية وبعده وزير
الاستخبارات يسرائيل كاتس، هدّدا بنقل الحرب إلى الأراضي اللبنانية بغية تدمير
جميع الأنفاق على طول الحدود ومعها البنى التحتية. يرمي نتنياهو بذلك إلى تحقيق غرضين:
*أولها، توحيد الجمهور الإسرائيلي وشدّه إليه، وتطمينه بعد عملية خان يونس
الفاشلة، وازدياد قلقه عقب إعلان عدّة جنرالات عاملين ومتقاعدين، أن “إسرائيل” خسرت
“قوة الردع” ضد حزب الله، بعدما بات يمتلك عشرات آلاف الصواريخ دقيقة التصويب.
*ثانيها، تحريض أمريكا على إيران بوصفها الداعم الرئيسي لحزب الله و”حماس” بالمال
والسلاح، بقصد حملها على التشدد معها بكل الوسائل الممكنة، ومنها ضرب حزب الله داخل
لبنان، و”حماس” داخل قطاع غزة، والضغط على القوى السياسية المتنافسة في لبنان
والإيقاع في ما بينها للحؤول دون تأليف حكومة وفاق وطني من جهة، ومن جهة أخرى
إيقاظ الفتنة الطائفية وتعميق الخلافات السياسية وصولا إلى مشاغلة حزب الله
وحلفائه وشلّ حركته.
هل تمتد عملية تدمير الأنفاق داخل الجانب المحتل من الحدود إلى الجانب اللبناني
منها، وتتحوّل حربا واسعة على مواقع تزعم “إسرائيل” بأنها قائمة تحت مئات المنازل
في القرى، وتحتضن عشرات القواعد الصاروخية والمعامل والورشات الفنية العسكرية لحزب
الله؟
ثمة من يرجّح في “إسرائيل” أن “روسيا غير الراضية عن العمليات الإسرائيلية في
سوريا هي على وشك “إغلاق الأجواء” فوق سوريا ولبنان، ومن هنا تنبع ضرورة العمل ضد
تجذّر الوجود الإيراني بأسرع ما يمكن” (راجع مقالة أروي غودلبرغ، المحاضر في مركز
هرتسليا المتعدد المجالات، في Y net، 2018/12/5).
في لبنان، يواجه حزب الله صخب “إسرائيل” العسكري والإعلامي بصمت مدوّ يستبطن في
آن، عدم اكتراث بالتهديدات وتصميما على ردّ الكيل كيلين باقتدار.
عن صحيفة القدس العربي