هو رئيس الجمهورية
ورئيس الحكومة وقائد الجيش ورئيس مجلس القضاء، وحتى رئيس الزعامة التقليدية في
المناطق القبلية.
سيدخل إلى خشبة المسرح
الإسرائيلي بشكل علني متفاخرا بأن العلاقات بين بلاده وتل أبيب لم تنقطع فعليا،
وإنما استمرت من تحت الطاولة أو في غفلة من الجمهور..
شأنه شأن الحكومات
العربية التي تنجرف وراء بنيامين نتنياهو كمن "يتخبطه الشيطان من المسّ".
يشبه المنظومة العربية
بعد انتكاسة حركات الربيع العربي، فهو يلتقي معها في جميع الملفات الشائكة في
العالم وأفريقيا، وأيضا في بنية النظام السياسي ولغته الإعلامية وطريقة التعاطي مع
الشعب وقوى المعارضة الهشة والشكلية والمدجنة.
وسيعلن إدريس
ديبي
إتنو، المولود في عام 1952 في مدينة فادا
بتشاد، لأسرة راعي ماشية تنتمي إلى قبيلة الزغاوة الموزعة ما بين تشاد والسودان،
في آذار/ مارس الماضي دخول بلاده عهدا جديدا أطلق عليه مسمى "الجمهورية الرابعة".
هو عسكري بصبغة
سياسية فقد درس في كلية الضباط بالعاصمة
أنجامينا، أرسل بعدها إلى فرنسا وحصل منها على شهادة المظليين في عام 1976.
وقف ديبي بعد سقوط حكم
الرئيس التشادي فرانسوا تومبلباي في صف الرئيس العسكري الجنرال فيليكس مالوم، لكنه
غير ولاءه ودعم حسين حبري في معركة الاستيلاء على السطلة بعد انهيار حكم مالوم في
عام 1979.
عينه حبري بعد
استيلائه على الحكم في عام 1982 قائدا عاما للجيش مكافئا إياه على إخلاصه وولائه
له، وعزز مكانته بنجاحه في ضرب القوات المدعومة من نظام معمر القذافي شمال تشاد،
فأعفاه الرئيس من منصبه وأرسله إلى فرنسا للتدريب في كلية الحرب بباريس، ولما رجع
عينه مستشارا رئاسيا للشؤون العسكرية.
دخل في عام 1989 في
خلاف مع الرئيس حبري بسبب السلطات المتزايدة لقوات الحرس الرئاسي، فاتهمه حبري
بالتحضير لانقلاب عسكري، ففر إلى ليبيا ومنها إلى السودان وحصل على دعم واسع من البلدين.
واتسمت علاقته مع
ليبيا بالود والتقارب بعد أن كان من أشهر أعدائها خلال الحرب بين البلدين. أما مع
السودان فيتهم ديبي السودان بدعم المتمردين الذين أوشكوا على احتلال أنجامينا في
عام 2008، لكن كان على ديبي أن يتعايش مع التوتر الشديد مع السودان التي تقع على حدود
تشاد الشرقية.
أسس ديبي في المنفى
"الحركة الوطنية للإنقاذ" لمواجهة نظام حبري، وتوج مساعيه بدخول قواته
في عام 1990 العاصمة أنجامينا، وبعد لجوء
حبري إلى السنغال تسلم دبي مقاليد الحكم في العام التالي.
وسيقوم فيما بعد بتحويل "الحركة الوطنية للإنقاذ" إلى
حزب سياسي، ونجح في الانتخابات الرئاسية في عام 1996 بالفوز برئاسة البلاد بعد
استفتاء شعبي على الدستور، وأعيد انتخابه عام 2001، وحتى يتمكن من البقاء في السلطة بدل الدستور لكي يسمح له بالترشح
لولاية ثالثة في عام 2006.
وصف البعض وصوله إلى
الحكم بأنه فترة انتقالية بين "الدكتاتورية والديمقراطية"، لكن الحكم
الانتقالي تحول إلى وضع دائم بعد إعادة انتخابه لولاية رابعة عام 2011، في
انتخابات قاطعتها المعارضة بحجة غياب الشفافية ورفض الحكومة مراجعة سجل الناخبين.
أجرى فيما بعد
تعديلات دستورية من أبرزها إلغاء منصب
رئيس الوزراء وتحديد سقف يمنع الرئيس من حكم البلاد لأكثر من فترتين رئاسيتين مدة
كل منهما ست سنوات.
لكن المعارضة واجهت تعديلاته بالرفض التام لأنها تكرس الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية الحاكم الأوحد للبلاد منذ وصوله إلى السلطة
عام 1990 وتخوله البقاء في السلطة حتى عام 2033.
وسيعلن في بداية ولايته الخامسة في عام 2016، أنه
سيخوض "حربا لا هوادة فيها ضد الإرهاب"، متجاهلا تحديات داخلية كبيرة، تتمثل في الوضع الاقتصادي
الهش، وتراجع مستوى الحريات، وتزايد وتيرة الفساد واحتجاج المعارضة الرافضة لنتائج
الانتخابات.
وفي ديباجة تبريره
للتعديلات التي فرضها على التشاديين قال
إن الهدف هو تحقيق المصلحة العليا للبلاد والقضاء على الفساد وتعزيز الديمقراطية
والعدالة الاجتماعية، وأعلن عفوا عاما عن جميع المعارضين المتواجدين في الخارج
ودعاهم إلى العودة إلى أرض الوطن.
ويسلط المعارضون
والنشطاء السياسيون الضوء على الانتهاكات الحقوقية التي يرتكبها النظام بحق
الصحفيين وأصحاب الرأي وقادة المعارضة وعلى القيود المفروضة على حرية التعبير،
والحظر المستمر لخدمة الإنترنت والانقطاع المتواصل للكهرباء في بلاد تصدر النفط
وتجني الملايين من الدور الذي تلعبه في "الحرب على الإرهاب".
ولطالما كان موضوعا
النفط والفساد والقبضة الحديدية جزءا لا يتجزأ من السمات الغالبة على حكم ديبي في
السنوات الأخيرة..
ففي آخر تشكيلة
حكومية أعلنت في أيار/ مايو الماضي،
التزم ديبي بالسياسة التي دأب على السير عليها وهي مراعاة الولاءات الشخصية والاعتبارات المناطقية
والدينية والقبلية في توزيع الحقائب الوزارية والمناصب الرفيعة دون إعطاء الكفاءة
أية قيمة تذكر.
تزامنا مع تشكيل
حكومته الجديدة أعلن 29 حزبا سياسيا
معارضا تشكيل "جبهة المعارضة الجديدة للتناوب والتغيير"، وذلك من أجل
مواجهة رئيس يحكم تشاد منذ أكثر من ربع قرن، وأعلنت هذه الأحزاب أنها قدمت شكوى
بتهمة "الخيانة العظمى" ضد ديبي بسبع تهم، منها: "استيلاؤه على
السلطة عن طريق العنف" و"انتهاك خطير لحقوق الإنسان" و"اختلاس
أموال عامة وفساد".
وما زال اعتقال واختفاء المعارضين شائعا في
هذا البلد الذي يبلغ تعداد سكانه 12 مليون نسمة، كما حدث في عام 2008، عندما اختفى
زعيم المعارضة ابن عمر محمد صالح الذي يعتقد أنه قتل، ولكن لم يعثر على جثته حتى
اليوم.
ورغم هشاشة الوضع
الداخلي في تشاد، فقد نجح ديبي في أن يكون أحد الرؤساء الأفارقة الأكثر حضورا في
القارة، إذ يتولى منذ كانون الثاني/ يناير الماضي الرئاسة الدورية للاتحاد
الأفريقي، وأصبح في السنوات الأخيرة حليفا مهما بالنسبة لفرنسا والولايات المتحدة
الأميركية في إطار "محاربة الإرهاب" في أفريقيا حيث تخوض القوات التشادية معارك عنيفة ضد
"تنظيم القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي بشمال مالي، كما أنها تشن حربا
طويلة على جماعة "بوكو حرام" في شمال نيجيريا، وتتدخل في الوقت ذاته من
أجل إعادة الأمن إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، ولكن الأهم هو أن فرنسا اختارت تشاد
لتكون مركزا لإدارة "بركان"، العملية العسكرية الفرنسية ضد
"الجماعات الإرهابية" في منطقة الساحل الأفريقي.
وجوده في مركز معركة
الغرب ضد الجماعات الإسلامية في أفريقيا جعله أكثر قربا من التحالف الرباعي بين
المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية ومصر، ولم يتردد في قطع علاقات
بلاده مع قطر بسب "أعمال تقوم بها قطر تهدد استقرار تشاد"، بحسب بيان
الخارجية التشادية، كما أنه يسير على نفس الخط مع الجنرال خليفة حفتر في
ليبيا والتطبيع مع تل أبيب.
لكنه ما لبث بعد فترة
قصيرة أن أعاد العلاقات مع الدوحة والإعلان عن مشاريع مشتركة بين البلدين.
لم يكن ليدخل ديبي في
دائرة اهتمامات المواطن العربي خصوصا في
المشرق العربي لولا خطوته التي بدت مفاجئة للكثيرين حين وصل أواخر تشرين الثاني/
نوفمبر الماضي إلى القدس المحتلة بعد مرور 50 عاما على قطع العلاقات بين
"إسرائيل" وجمهورية تشاد، في أعقاب اندلاع حرب حزيران/ يونيو عام 1967 وهي زيارة جاءت نتيجة لجهود قامت بها الخارجية الإسرائيلية قبل عامين
لترتيب الزيارة ولقائه نتنياهو.
ولم يشأ أن يكون وحده
في لعبة
التطبيع مع تل أبيب فقد كشف في
حديث خاص للصحافة الإسرائيلية أن تطبيع
العلاقات مع "إسرائيل" سيتم خلال الأسابيع القريبة، وأشار إلى استعداد
بلاده للمساهمة في تحديث العلاقات بين "إسرائيل" والسودان والتوسط
بينهما.
وحتى لا يعتب عليه
الفلسطينيون فقد أكد ديبي أنه لا يوجد
لديه أي مشكلة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بل إن علاقاته طيبة مع السلطة
الفلسطينية، ولكنه يلتقي به في العديد من المؤتمرات والقمم الأفريقية والإسلامية،
لذلك فقد قرر تخصيص الزيارة إلى "إسرائيل" على انفراد.
وتقول الصحافة
الإسرائيلية إن قطع العلاقات الدبلوماسية منذ السبعينيات "لم يمنع العلاقات
الجيدة بيننا (تشاد وإسرائيل) التي استمرت طوال الوقت".
وتبقى تشاد، التي أصبحت
في عام 2003 من الدول المنتجة للنفط، بين أفقر 5 دول في العالم، بحسب الأمم
المتحدة، وتصل نسبة الأمية فيها إلى 70 في المائة من السكان.
لكن الدور الذي يتوقع
أن يقوم به ديبي يتجاوز العلاقات الثنائية مع تل أبيب إلى لعب دور حصان طروادة
الذي يفتح القنوات التطبيعية والسياسية والاقتصادية والأمنية أمام
"إسرائيل" في أفريقيا خصوصا المحيط العربي الهش والمتداعي والمتصدع.