هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا تتوقف معاناة الأسرى الفلسطينيين في السجون
الإسرائيلية عند حد الانتهاكات الجسدية والنفسية والحرمان من أبسط الحقوق الآدمية
التي أقرتها المواثيق والأعراف الدولية، بل تضاف إليها معاناة التنقل من خلال
"البوسطة"، التي تستخدمها مصلحة السجون كوسيلة تنقل للأسرى.
وتعرف البوسطة بأنها عبارة عن سيارة مصفحة
محكمة الإغلاق يتم فيها نقل الأسرى الفلسطينيين من وإلى المحاكم الإسرائيلية أو
للتنقل بين السجون المختلفة أو النقل إلى المستشفيات خارج السجون، ولكنها تفتقر إلى
مقومات السلامة المدنية.
ولا يوجد في البوسطة مكان للجلوس كما أنها لا تصلها أشعة الشمس أو
الهواء إلا من خلال فتحات دائرية صغيرة، ويبقى الأسير مكبل اليدين والقدمين في
وضعية واحدة لمدة تتراوح من 10 ساعات إلى عدة أيام.
وأجرت سلطات الاحتلال تعديلا على البوسطة في
العام 2006، لتصبح أكثر إيلاما وقساوة، وتضمن التعديل تقسيم البوسطة إلى ثلاثة
أقسام، اثنان منها على شكل زنازين لها أبواب داخلية مصفحة يتم تجميع الأسرى الذين
قد يصل عددهم إلى 40 أسيرا فيها أثناء إجراء عمليات النقل الجماعي للأسرى.
ويضم النصف الأمامي للبوسطة مرقدا لقوات
" النحشون" المسؤولة عن نقل الأسرى متسلحة بالكلاب البوليسية التي تقوم
بالتضييق على الأسرى عبر ترهيبهم بالصوت المرتفع ونشر الرعب في صفوفهم.
وتستعرض "عربي21" في هذا التقرير
شهادات حية لأسرى عايشوا فصول معاناة التنقل عبر "البوسطة" خلال فترة
اعتقالهم.
جحيم البوسطة
الأسير المحرر، يوسف زهير، 35 عاما من مدينة
رام الله، يروي معاناة البوسطة خلال فترة الاعتقال قائلا "تشكل البوسطة
بالنسبة للأسير الفلسطيني مصدر قلق وتوتر، فالكلمة باتت مقترنة بالتعب والإرهاق
والانتظار وقلة النوم، حتى إن الكثير من الأسرى يفضلون عدم حضور جلسات محاكمهم
وسماع الحكم غيابيا، كما أن الكثير من المرضى يتحاملون على أنفسهم أوجاع المرض
وعدم الذهاب للمشافي خشية نقلهم بالبوسطة".
وأضاف زهير في حديث لـ"عربي21"
"إذا جاء اسم الأسير على نقليات البوسطة تتغير ملامح وجهه ويدخل في حالة
اكتئاب، ويرفض تناول الطعام والشراب أو الحديث مع إخوته في السجون، مرهقا نفسه بالتفكير
في جحيم التنقل عبر البوسطة في اليوم التالي".
الأسيرة المحررة منى أبو بكر، من مدينة نابلس،
تروي المضايقات التي تتعرض لها الأسيرات من قوات "النحشون" خلال التنقل
بالبوسطة قائلة، "مع حلول الفجر تبدأ قوات النحشون بالطلب من الأسيرات داخل
الزنازين الاستعداد وتجهيز أنفسهن للتنقل عبر البوسطة، تبدأ الأسيرات بمد أيديهن
وأقدامهن عبر القفص الحديدي الخاص بالزنزانة لتكبيلها من قوات النحشون التي
تستعين بالكلاب البوليسية لبث الرعب بين الأسيرات تحت ذريعة الاستعجال وكسب
الوقت".
وأضافت أبو بكر في حديث لـ"عربي21"
"عند صعود الأسيرات إلى داخل الحافلة تبدأ معاناة جديدة وهي تكدس الأسيرات
داخل الزنزانة التي تفتقر إلى مقاعد للجلوس وهو ما يجبرهن على الجلوس على صفائح
الحافلة المصنوعة من الحديد والتي تكون حارقة في فصل الصيف، وباردة كالثلج في
الشتاء، وما يزيد من هذه المعاناة هو أن الرحلة تستغرق عدة أيام، خصوصا عند عملية
نقل الأسيرات من سجن إلى آخر".
وكشفت أبو بكر أن "قوات النحشون تمنع
الأسيرات من أخذ قسط من الراحة لقضاء الحاجة خلال عملية التنقل بالبوسطة، الأمر
الذي يجبرهم على الصيام عن الطعام والشراب، وهو ما قد يعرض حياة الكثيرين للخطر
خصوصا للأسيرات التي يعانين من الأمراض المزمنة كالسكر والضغط وأمراض القلب".
تعتبر فرقة النحشون أو ما يطلق عليها (الأفعى)
من أقسى الفرق القمعية للأسرى، وعناصرها يتبعون لشركة أمنية خاصة، يمارسون أشد أنواع
التعذيب والضرب والشتم والتنكيل بحق الأسرى.
تواطؤ المحاكم الإسرائيلية
في ضوء ذلك كشفت هيئة شؤون الأسرى والمحررين
أنها تقدمت عبر محاميها بطلب التماس للمحكمة العليا الإسرائيلية بتحسين شروط نقل
الأسرى عبر البوسطة، استنادا إلى ظروف النقل المروعة التي تمس بأبسط حقوق الأسرى
وتهدد صحتهم وحياة المرضى منهم، ما يحولها إلى مسار عذاب يمنع الأسرى من تناول
الغذاء أو الماء أو حتى استعمال المرحاض ما يجعل البوسطة تتساوى مع أدوات التعذيب
والتنكيل بالأسرى، وفقا لبيان الهيئة.
بدوره أشار رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين،
اللواء قدري أبو بكر، إلى أن "النادي قدم للمرة الثالثة خلال هذا العام التماسا
للمحاكم الإسرائيلية من أجل إلغاء البوسطة، أو تحسين ظروفها على أقل تقدير لتتناسب
مع القوانين الإنسانية واتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية الأسرى من قبل سلطات
الاحتلال.
وقال إن سلوك المحاكم في التعامل مع قضايا الأسرى يشير إلى تواطؤها مع الحكومة
اليمينية في ممارسة أكبر قدر ممكن من الإهانة للأسرى الفلسطينيين".
وأضاف قدري في حديث لـ"عربي21"
"في مسار آخر قمنا في الهيئة بتقديم مقترحات لمصلحة السجون لتقليص الأسباب
التي تستدعي نقل الأسرى بالبوسطة واستثناء الأسيرات وكبار السن والمرضى من التنقل
في البوسطة، ولكن رفضت مصلحة السجون النظر في مطالبنا".