هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم أكن أتمنى أن يمتد بي العمر لأرى ما وصل إليه حال أمتنا العربية
والإسلامية اليوم، عشت فترة الخمسينات من القرن الماضي وستيناته إلى منتصف
سبعيناته وشاهدت انتصارات العرب ونكسات ذلك الزمن، انتصاراته انتقلت به من عصر
التبعية إلى عصر الاستقلال رغم العثرات إلا إنها حققت إنجازات لا يستهان بها، رحل
الاستعمار الفرنسي عن الجناح الغربي من الوطن العربي، كما انحسر الاستعمار
البريطاني من الخليج وجنوب الجزيرة العربية واستعادت الدول العربية المنتجة للنفط
سيادتها على ثرواتها الطبيعية النفط والغاز والتحكم في إنتاجه وأسعاره، وتحررت
الدول العربية في القرن الأفريقي من ربقة الاستعمار البريطاني الفرنسي الإيطالي
وراح زعماء العالم الغربي ينشدون ود الدول العربية، كانت عواصم التأثير العربي في
السياسة الدولية في ذلك العصر ترتكز على القاهرة وبغداد ودمشق وترفدها المملكة
العربية السعودية بمكانتها الروحية والمادية، وكانت الجزائر الثائرة قطبا مؤثرا في
أقصى غرب الوطن العربي تشد أزر المشرق. ذلك العصر لم يكن يخلو من تقاعس بعض حكام
العرب وميلهم نحو الغرب خوفا على عروشهم من حركة الشعب العربي التواق إلى الحرية
والعزة والكرامة لكن كانوا يفعلون ذلك سرا وعلى استحياء بخلاف عصرنا الراهن.
(2)
حال
عواصمنا العربية اليوم يدمي القلوب، القاهرة فقدت مكانتها وأصبحت تحت حكم العسكر
تستجدي الإعانة حتى من ضرائب بائعات الجسد، وهذه بغداد عاصمة الحضارة العربية
أصبحت في ربقة الطائفية البغيضة وجوقة الثأريين الحاقدين المرتمين في أحضان أعداء
العراق الذين لا يريدون له الخير والاستقرار والكرامة، وهذه دمشق صانعة التاريخ
واقعة تحت حكم فرد طغى وتجبر ودمر بلاد الشام ليبقى في كرسيه حتى ولو لم يبق في
بلاد الشام حجر على حجر، استعان بكل شياطين الأرض للنيل من الشعب السوري العظيم بتفريق
شمله وتهجير أسره ليعيشوا في مخيمات البؤس على تخوم بلاد الشام شمالا وجنوبا وهو
يعيش في قصور الشام الوثيرة، والحق إن سورية الحبيبة لا تستحق كل ذلك، بل تستحق الأفضل
فهي إلى جانب بغداد صنعت التاريخ العربي، في الأولى بنو أمية وفي الثانية بنو
العباس، ويا حسرتاه على ما لحق بالعاصمتين بغداد ودمشق، والحق إن بعض حكامنا
الميامين ساهموا في تدمير بغداد ودمشق ولم تسلم القاهرة من شرورهم.
والسؤال
الذي يطرح نفسه: ألم يكن حاكم دمشق اليوم كان قادرا على امتصاص غضب الشعب السوري
والاستجابة لمطالبه واحتياجاته، وكانت مطالبه في بادئ الأمر الإصلاح ومحاربة
الفساد ومشاركة الشعب عبر ممثليهم في صناعة مستقبل سورية. كان يتوقع حاكم دمشق أنه
قادر على إخماد ثورة الشعب السوري العظيم في ظرف أيام ويخضع الكل لإرادته. امتدت
به الأيام والسنون ليكتشف أنه أصبح رهينة وبلاده بيد قوتين إيرانية وروسية ولا
يستطيع الخروج عن إرادتهما، دمر سورية الحبيبة تدميرا يحتاج إلى سنين وسنين
ومليارات الدولارات لإعادة إعمارها، وشرد شعبها من أجل أن يبقى في قمة هرم السلطة،
لكن لن يفرح الطغاة بلذة العيش وهناء البال وهم في غيهم يعمهون.
أما
الرياض عاصمة الدولة السعودية فلم تكن في أحسن حال هذه الأيام. إنها تعيش في مأزق
تاريخي رهيب، الغرب بكل مؤسساته الديمقراطية والإعلامية يدينون الدولة السعودية
بما فعلت بشخص الصحفي المرموق السعودي الجنسية جمال خاشقجي ويتسابقون على النيل من
النظام السياسي القائم في الرياض وابتزازه، إنهم ينتظرون الكلمة تأتي من واشنطن
بعد عودة مديرة المخابرات الأمريكية من الرياض وأنقرة إلى واشنطن، وعودة مندوبيها
إلى القاهرة وأبوظبي، واستماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تقريرها عن مقتل
خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، والحق إن كل الدلائل تشير إلى أنه من
أصدر القرار بتصفية خاشقجي وأنه المتهم الأول في هذه الجريمة. يعتقد الكاتب أن
مصالح أمريكا ستطغى على ما عداها، وقد تجد مخرجا يحفظ ماء وجه الرئيس الأمريكي
الداعم القوي لولي العهد محمد بن سلمان وتفرض بعض العقوبات الشكلية، ولكني أنبه
إلى أن هذه المساءلة إن لم تجد حلا جذريا يرضي كل أطراف هذه الجريمة فإنها ستظل
مسمار جحا يستدعى عند كل منعطف، وأذكر بمسألة الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزيه
المتهم بتلقي مساعدات من معمر القذافي ما انفكت تطارد الرجل حتى لا يصل إلى
الرئاسة مرة أخرى، أما في الجانب السعودي فإن الابتزاز سيظل يمارس عاما بعد عام ما
بقي النظام بقيادة الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد.
(3)
"إن أخطر ما يهدد ذكاء الإنسان وكرامته في العالم الجديد هو طغيان
الزعامات الصاعدة بلا وقار أو اتزان أو جدارة، هذه الزعامات التي تفكر وتعيش من
داخلها بكل نقائض وضعف التاريخ والبداوة، والتي تضرب وتعرّض نفسها من خارجها بكل
سطوة القوة الخارجية". إن اعتماد الحاكم، أي حاكم، على قوته وطغيانه وجبروته
إلى جانب قوة خارجية تحميه وتحمي كيانه لا مستقبل له، إن الحاكم الذي سيجعل نفسه
رهينة للابتزاز من أجل حمايته وحماية نظامه سيتكاثر عليه المبتزون وستكون ثروات
بلاده مسخرة للخارج لا من أجل الشعب ونهضته.
وهنا
يمكن القول إن بشار الأسد في دمشق أصبح أسيرا لقوى خارجية لم يعد الحاكم الفعلي
لسورية رغم محاولة التباهي بالنصر على من عارضه من الشعب، إن النصر في هذه الحالة
هو لروسيا وإيران وليس لغيرهما في سورية.
في
الرياض، وقع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في فخ نصب له من حيث يدري أو لا يدري
بقتل جمال خاشقجي إلى جانب الأخطاء السياسية والاجتماعية التي ارتكبت وأصبح شخصيا
والأسرة الحاكمة آل سعود هدف الإعلام العالمي والدول الكبرى البعض يريد مزيدا من الابتزاز
لكي يخفف عنه الواقعة مثل الرئيس الأمريكي والبعض الآخر يريد إزاحته من مركزه
القيادي وفي كل الحالات سيعود ذلك الأمر بالضرر الشنيع على النظام الملكي والشعب
العربي في جزيرة العرب والخليج، وعليه يكون الأمير أو من حوله قد دقوا مسمار
الانهيار للنظام الملكي أو على الأقل إضعافه وكسر جناحه، وهنا ينطبق التشابه
والتماثل بين بشار ومحمد، الأول كسر سورية والثاني كسر الدولة السعودية ولو بقيا
في سدة الحكم.
آخر
القول: اللهم احم بلاد العرب وثرواتهم من جهل الجاهلين وطغيان الحكام إنك على
كل شيء قدير.
عن صحيفة الشرق القطرية