هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
صمتت إسرائيل الثرثارة و المدعية في كل ما يتعلق بمزاعم الديمقراطية و حقوق الإنسان، (و حق لها أن تصمت) و ذلك صدمة مما تخشى أن يكون تراجعا خطيرا أو حتى سقوطا و تهاويا لأحد أعمدة خيمتها في المنطقة و حليفها الأهم فيها، أو من وصفه الرئيس ترامب (our boy) بسبب تداعيات جريمة اغتيال الصحفي السعودي المظلوم جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول .
إسرائيل تخشى أن تتراجع رؤيتها و مكانتها و قدرتها على صياغة سياسات المنطقة و على رأسها محاربة قوى التحرر و المقاومة، أو قوى التطور و الديمقراطية، و تعزيز بعض الأنظمة الديكتاتورية، و على الرغم من هذا الصمت فإنها تستعد و على ما يبدو لمرحلة ما بعد جريمة اغتيال خاشقجي أي تقليل خسائرها قدر الإمكان، و ليس شرطا أن تنجح في ذلك .
يعتقد الكثير من الإسرائيليين بأن صمت حكومتهم وإن بدا في البداية كصدمة المتفاجئ من هول الموقف إلا أنه تحول بعد ذلك إلى دهاء و مكر الجاهلية القديمة في دعم الشريك وقت محنته حتى لو كان مذنبا أو مداناً، أو بشكل أدق (انصر فتاك ظالما أو مظلوما)، فإن فشل الأمر فقد حاولت و إن نجح (فتاك) من الخروج من ورطته حتى و إن كان جريحا ضعيفا فقد يحفظ لك الود و العهد، و قد يكون أكثر تعلقا بك و حاجة لك، وقد أشارت إلى هذه الاستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع الأتباع و الحلفاء محللة الشؤون العربية في صحيفة يديعوت أحرنوت مستشهدة بالحالة المصرية، إضافة إلى فقدان إسرائيل لأي بديل آخر عن ولي عهد مؤتمن .
أشار بعض خبراء الأمن في إسرائيل بصورة واضحة و إن كانت غير مباشرة إلى حجم الخسارة الإسرائيلية من تداعيات قضية خاشقجي في المجال الاستخباراتي أيضا، و تحديدا بعد التأكد من تورط شخصيات سعودية رفيعة المستوى كمستشار الملك الجنرال محمد العسيري و المعتبر على نطاق واسع في إسرائيل أنه رجل الاستخبارات و الاتصال الأول بين المملكة و إسرائيل، و بذا تكون الأخيرة قد فقدت -و بطريقة مدوية و ضمن سيناريو يخجل منه حتى أسوأ المحتلين- أحد أهم رموز التنسيق الأمني و الاستخباراتي الفعال معها، وهو أمر لا يمكن تعويضه بسهولة .
من جهة أخرى لم يستطع الكثير من الإسرائيليين إخفاء غيظهم من تألق الأتراك و على رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان في تعاملهم المهني و الراقي مع قضية اغتيال خاشقجي الأمر الذي جعلهم نجوم العالم رغم كل الجهود السابقة في طمسهم و التآمر عليهم، و من هذا الغيض -من فيض- من الكتابات و التصريحات الإسرائيلية ما ذكره البروفيسور الإسرائيلي تسفي بار إيل في هآرتس في 24-10 من أن أردوغان يقوم بوظيفة المحقق و القاضي و الجلاد، و في نفس الوقت أقر و اعترف بنجاح الأخير في إدارة الأزمة، و ترك الحقائق تتحدث عن نفسها دون الحاجة لمؤثرات سياسية أو لغوية أخرى .
إضافة إلى ذلك فقد أخفت كلمات التمني لمسؤول الاستخبارات الإسرائيلية و الواردة في يديعوت أحرنوت في 24-10 التي قال فيها بالنص " ليت تركيا كانت قد أظهرت نفس الإصرار في التحقيق و جمع المعلومات ضد حماس و كبار مسؤوليها في تركيا، كما أظهرت في حالة ملاحقة الخاشفجي". لقد أخفت هذه الكلمات حسرة و غيظا إسرائيليا على و من تركيا، كما أشارت إلى اعتراف المستوى المهني في إسرائيل بالنجاح و القدرة المهنية العالية من قبل سلطات الأمن و الاستخبارات التركية في متابعتها و فكها لرموز قضية اغتيال الخاشقجي، و هي صفات لا يحب الإسرائيليون أن يتصف بها أحد، عوضا عن أن يصفوا بها هم بأنفسهم أحدا غيرهم .
و قد أوضح هذه الحسرة الإسرائيلية ما نقل في وسائل الإعلام من شكوى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من قيام الرئيس أردوغان بتوجيه ضربة صعبة لما تبقى من علاقات تركية-إسرائيلية، و ذلك من خلال دعم الرئيس أردوغان لهاكان فيدان رئيس الاستخبارات التركية، و الذي يرى فيه الإسرائيليون عدواً لدوداً لهم و متعاطفا مع حماس و حزب الله و إيران .
و هكذا وجدت إسرائيل نفسها و رغما عنها أحد أهم الخاسرين من تداعيات قضية لم تخطر على بالها أو بال أحد و هي قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، فمن جهة فقد سقطت أو تراجعت على الأقل قوة أحد أهم حلفائها في منطقة الشرق الأوسط، و في المقابل ارتفعت أسهم أحد أهم خصومها الذي ما فتئت تحاربه بسرية مكشوفة لا تخفى على عاقل، و هو الرئيس أردوغان، فلرب ضارة نافعة أو ( وعسى إن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ).