هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية مقال رأي للكاتب توماس فريدمان تحدث فيه عن حادثة اختطاف وإمكانية قتل الصحفي المعارض، جمال خاشقجي، التي وضعت الولايات المتحدة في مأزق كبير لا يبدو أن هناك طريقا يلوح في الأفق للخروج منه.
وقال فريدمان في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن هناك ثلاثة تحليلات وتصورات حول قصة خاشقجي، أولها، أنه لا يمكن تخيل أن هذا المفكر الكبير الذي لم يرد سوى أن يرى إصلاحات حكومته بطريقة أكثر شمولا وشفافية، يقتل في ركن مظلم من القنصلية السعودية في إسطنبول من قبل 15 شخصا. تجدر الإشارة إلى أنه قد ورد أن أحد أفراد هذا الفريق السعودي كان محملا بمنشار للعظام، في دليل على الجبن الذي لا يمكن إلا أن يثير الاشمئزاز.
وأوضح فريدمان ثانيا، أنه لا يؤمن قط بأن ما حدث كان عبارة عن "عملية مارقة" وأن الحاكم السعودي الفعلي، ولي العهد محمد بن سلمان، لم يكن لديه معرفة مسبقة بذلك، إن لم نقل إنه اضطلع بدور أكبر بكثير في هذه العملية. بناء على ذلك، وبصفتي مواطنا أمريكيا وليس كصحفي، أشمئز من مشاهدة رئيس بلادي ووزير خارجيته يتحالفان مع المسؤولين السعوديين لإعداد رواية للتغطية على هذه القضية.
في الواقع، تعتبر تداعيات ما حدث على المدى الطويل بالنسبة لكل صحفي، أو ناقد سياسي في المنفى في أي مكان، مخيفة. وعلى أية حال، لا أعتقد أن المسؤولين عن ذلك سيفلتون من العقاب.
وتساءل الكاتب، ثالثا، عن الطريقة التي يجب على الولايات المتحدة أن تفكر بها لتحقيق التوازن بين قيمنا ومصالحنا في المستقبل؟ وتتمثل أفضل طريقة للإجابة عن ذلك، بالنسبة لي، في العودة إلى الأساسيات. في الحقيقة، طالما علمتُ منذ البداية أن أجندة الإصلاحات الخاصة بمحمد بن سلمان كانت بعيدة كل البعد عن النجاح، مع ذلك كنت أدعمها (في الوقت الذي كنت أحث فيه إدارة ترامب على وضع الخطوط الحمراء حول جانبه المظلم) لسبب محدد للغاية. لكن، لم يكن للأمر علاقة ببن سلمان شخصيا، إذ أنه بالنسبة لي، لا أهتم إذا كانت المملكة العربية السعودية يحكمها محمد بن سلمان أو غيره.
في المقابل، كان لذلك علاقة بكيفية تحديد اهتماماتنا الوطنية في المملكة العربية السعودية منذ 11 أيلول /سبتمبر، التي لا تمت بصلة بالنفط، أو الأسلحة أو التصدي لإيران، بل ترتبط بالإصلاح الديني الإسلامي، الذي لا يمكن أن يكون مصدره سوى المملكة العربية السعودية، موطن أقدس المدن الإسلامية، مكة والمدينة.
وأشار الكاتب إلى أنه عن طريق المصادفة البحتة، كانت وظيفته الأولى كمراسل أجنبي في بيروت سنة 1979. وكانت أول قصتين مهمتين تناولتهما هما الثورة الإيرانية وعملية الاستيلاء على الحرم المكي من قبل داعية متطرف سعودي زعم أن أفراد عائلة آل سعود كانوا فاسدين، يلاحقون النساء ويتبعون الغرب. وقد أثارت هذه الحادثة الرعب لدى العائلة الحاكمة السعودية.
بناء على ذلك، ومن أجل تعزيز مؤهلاتها الدينية وحماية نفسها، أجرت المملكة في سنة 1979 إصلاحات دينية كبرى، بدءا من السماح لرجال الدين بفرض قيود دينية أكثر صرامة على المجتمع، ووصولا إلى تصدير الإسلام السلفي السني المتشدد في الخارج من خلال بناء مساجد ومدارس من لندن إلى إندونيسيا، ومن المغرب إلى كابول، وتمويل كل ذلك بفضل عائدات النفط الذي ارتفعت أسعاره.
وأفاد الكاتب أنه كان لذلك تأثير سلبي كبير على التعليم وحقوق المرأة وحريتها السياسية في جميع أنحاء العالم العربي الإسلامي. فضلا عن ذلك، ألهمت النسخة الأكثر تطرفا من هذه الأصولية؛ الجهادية السلفية، منفذي هجمات 11 أيلول /سبتمبر وظهور تنظيم الدولة. وبالنسبة لي، مثلت أحداث 11 أيلول / سبتمبر أسوأ أمر حدث للولايات المتحدة.
في هذا الصدد، بالإمكان مناقشة الرد الصحيح على الهجمات التي عصفت بأفغانستان، والعراق، والحرب العالمية على الإرهاب، ووزارة الأمن الداخلي، أو أجهزة الكشف عن المعادن المنتشرة في كل مكان، بيد أنه لا يمكننا مناقشة تكاليف ذلك. لقد خسرنا آلاف الأرواح ونحو 2 تريليون دولار في محاولة وقف التهديد الذي يشكله المتطرفون المسلمون؛ من تنظيم القاعدة إلى تنظيم الدولة. خلافا لذلك، كان من الممكن أن تسد هذه التريليونات من الدولارات العديد من الاحتياجات الأخرى في مجتمعنا.
وبين فريدمان أن جذور أحداث 11 أيلول /سبتمبر تعود إلى مسألتين مرعبتين؛ إحداهما المساومة بين الأسرة الحاكمة السعودية والمؤسسة الدينية في المملكة، حيث تحظى كل منهما بمباركة الأخرى. أما المسألة الثانية فتمثلت في صفقة الولايات المتحدة مع السعوديين، التي تثير السخرية ومفادها: "أبقوا مضخات النفط الخاصة بكم مفتوحة، وأسعاركم منخفضة ولا تزعجوا الإسرائيليين كثيرا، ويمكنكم أن تفعلوا ما تريدون. أنشروا الكراهية في مساجدكم، وقوموا بترويج أية نظريات مؤامرة ترغبون بها، وعاملوا المرأة بالطريقة التي تختارونها".
وأضاف فريدمان أنه في 11 أيلول / سبتمبر، تلقينا ضربة موجعة نتيجة كل ما كان يحدث من تبعات لذلك القرار. ولهذا السبب، كنت منذ ذلك التاريخ ومن خلال هذا العمود الذي أكتبه، أنتقد بشدة الزعماء السعوديين لعدم إصلاح نسختهم من الإسلام، وهو أمر يتطلب التحديث الاقتصادي والاجتماعي أيضا. لقد كان من المتوقع أن يعتقلوا المتطرفين الدينيين، لكن القادة السعوديين لم يسبق لهم أن أشركوهم في حرب أفكار عامة.
إن هذا ما جعلني أولي اهتمامي لمحمد بن سلمان وأكون أكثر تفاؤلا برغبته المؤقتة في الدخول في حرب أفكار مع المتدينين المتشددين. في هذا السياق، كان بن سلمان قد قال علنا: "لا تكتبوا أننا نريد إعادة تفسير الإسلام، بل نحن نريد إعادة الإسلام إلى سابق عهده، أي إلى جذوره". كما جادل علنا بأن الإسلام في أصوله كان متسامحا مع الأديان الأخرى ويشمل تمكين المرأة والانفتاح على الأفكار الجديدة. وبدا أنه يهدف إلى استبدال الإسلام الأصولي السعودي، ورجال الدين التابعين له، كمصدر أساسي لشرعية نظامه، بالقومية السعودية الأكثر علمانية، التي مما لا شك فيها تعادي إيران وقطر.
واستدرك الكاتب أنه ربما كان كل شيء مجرد خطة وهمية لتغطية عملية بن سلمان للاستيلاء على السلطة وكسب الدعم الغربي. إن الكثير من الشباب السعوديين الذين تحدثت إليهم ظنوا أنه كان جادا فيما قاله وأرادوا منه تحقيق المزيد من الإصلاحات. وفي الوقت الذي بدا فيه أن أخطر ما تقوم السعودية بتصديره وله تأثير على الولايات المتحدة والعالم بأسره هو الجهادية الإسلامية، كانت أقوال وأفعال بن سلمان تبشر بخير.
وكما أشار المفاوض الأمريكي المخضرم في الشرق الأوسط، دنيس روس، مؤخرا في مقال نشر في صحيفة "واشنطن بوست"، فإن "تعيين محمد بن عبد الكريم العيسى رئيسا لرابطة العالم الإسلامي قد بعث برسالة قوية جديدة تؤكد على التسامح ورفض تعاليم الإسلاميين الراديكاليين. إن زيارته إلى متحف ذكرى الهولوكوست بالولايات المتحدة، والتزامه بالحوار بين الأديان ودعواته للسلام تشكل جميعها خروجا كبيرا عن نهج أسلافه".
وقال الكاتب إنه في الوقت الراهن باتت أيدي حكومة بن سلمان ملطخة بدماء خاشقجي. ولذلك لسائل أن يسأل؛ هل يجب علينا جميعا أن نتغاضى عن ذلك كما يفعل الرئيس ترامب؟ لتكون الإجابة هي لا بالطبع، أو بالأحرى لا يمكننا القيام بذلك.
ففي البداية، أعتقد أن وعد بن سلمان بتحقيق الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والديني، قد انتهى. لقد جعل بن سلمان نفسه شخصية عالمية يعرفها أغلب الناس مما يصعّب عليه الآن مهمة تبرئة نفسه من قضية اختفاء جمال، وعلى الأغلب قتله. وقد يكون محمد بن سلمان قادرا على التمسك بالسلطة في المملكة العربية السعودية، ولكن برنامج الإصلاح بأكمله يتطلب الاستثمار الأجنبي المباشر.
الجدير بالذكر أن الأموال كانت تتدفق إلى الرياض لعدة أشهر، لكن بعد ما حدث، ستتفاقم الأمور وتزداد سوءا. ونظرا لأنني قمت بتغطية مذبحة مظاهرات ساحة تيانانمن، فأنا أعلم أن أحداثا مماثلة لا تؤثر على تدفق الأموال لفترة طويلة، لكن المملكة العربية السعودية ليست الصين. وفي فترة حكم بن سلمان، كانت قرارات حكومته جنونية، وذلك في نظر الكثير من المستثمرين الذين يرغبون في المراهنة هناك على المدى الطويل. أما اليوم، فتعتبر الأحداث سيئة للغاية، وهو ما سيضعف أي أمل في إجراء أي إصلاحات في المستقبل.
وأضاف فريدمان أن هناك أمورا أخرى أكثر تعقيدا، حيث أنه حتى في حال تم وضع بن سلمان جانبا، وكنا نظن أن هناك 100 سعودي من أفراد العائلة المالكة يتمتعون بالقوة والمكر والثبات الذي تحلى به ولي العهد، لإعطاء المرأة الحق في القيادة، وسحب الشرطة الإسلامية من الشوارع وإعادة فتح دور السينما، فسنكون مخطئين. إن كل هذه الإصلاحات كان لها خصوم محافظين كثر، ذلك أن السعودية ليست الدنمارك. مع ذلك، ومن دون إجراء إصلاحات اجتماعية واقتصادية ودينية شاملة، يمكن أن تصبح السعودية دولة فاشلة ضخمة. والجدير بالذكر أن أحد أكبر مصدري الشباب لدى تنظيم الدولة هي المملكة العربية السعودية.
وأشار الكاتب إلى أنه في حال كنت تعتقد أن محمد بن سلمان هو الوحيد الذي لديه جانب مظلم، فلا بد من إلقاء نظرة على بعض خفايا المملكة، حيث ستجد بعض الناس هناك من ذوي اللحى الطويلة الذين لا يتحدثون الإنجليزية والذين لديهم آراء جنونية عن الشيعة واليهود والمسيحيين والهندوس وأمريكا والغرب، وهم في الوقت الراهن يصفقون جميعهم لمقتل جمال خاشقجي المفترض.
لذلك، لا بد من طرح تساؤل وهو: ما الذي علينا فعله؟ في الحقيقة، ليس لدي إجابة بسيطة عن هذا السؤال، ذلك أن ما يحدث يعد فوضى عارمة، وكل ما أعرفه هو أننا يجب أن نجد طريقة لتوجيه اللوم لمحمد بن سلمان عن كل ما يحصل، دون أن نبدو وكأننا نهاجم الشعب السعودي كله ونزعزع استقرار البلاد. كما علينا أن نتأكد من أن عملية الإصلاح الاجتماعي والديني في المملكة العربية السعودية تحرز تقدما، بغض النظر عمن يحكم البلاد، باعتبار أن ذلك يمثل مصلحة أمريكية مهمة.
وفي الختام، أفاد فريدمان أنه لا يمكننا معالجة الغباء، إذ أنه عندما يقوم حليفك بأمر غبي مثلما فعل السعوديون على ما يبدو في إسطنبول، فليس هناك حل سهل لذلك. مع ذلك، قد يبدأ ترامب بتعيين سفير في المملكة العربية السعودية.
الكاتب: توماس فريدمان هو كاتب عمود لدى صحيفة فورين أفيرز. فاز بثلاث جوائز بوليتزر. وهو مؤلف سبعة كتب؛ منها "من بيروت إلى القدس".