سلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية في
تقرير لها الضوء على مساعي المملكة العربية
السعودية المتمثلة في منع كل النقاشات
التي من الممكن أن تتناول الحديث عن
الحرب التي تخوضها في
اليمن.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته
"
عربي21"، إنه، بالاعتماد على دعم الولايات المتحدة وعلى عمليات "الابتزاز
السريّة"، تضمن السعودية مواصلة تزوّدها بالأسلحة من قبل حلفائها الأوروبيين.
ففي التاسع من شهر آب/أغسطس المنصرم، استهدفت قنبلة حافلة تقل أطفالا، في طريق
عودتهم من مخيم صيفي في محافظة صعدة شمال اليمن.
وقد أدت هذه الحادثة إلى مصرع 51 شخصا وإصابة
79 آخرين، وذلك وفقا للأرقام التي قدمها المنقذون. وقد أثارت صور الأطفال الناجين،
الذين غطت الدماء أجسادهم، موجة استنكار عالمية.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا السخط كان موجها للتحالف
العسكري الذي تقوده المملكة، والذي ينشط في اليمن منذ سنة 2015، لدعم الرئيس
المنتخب عبد ربه منصور هادي. وقد سبق وأن طرد المتمردون الحوثيون هادي من السلطة.
وتجدر الإشارة إلى أن عمليات قصف قوات التحالف قد تسببت في سقوط آلاف الضحايا من
المدنيين.
وذكرت أن كلا من منظمة الأمم المتحدة والولايات
المتحدة وفرنسا قد طالبوا بضرورة فتح تحقيق في هذه الحادثة. ومن جهتها، أعلنت
إسبانيا عن إعادة مراجعة مشاريع بيعها للأسلحة للرياض. أما بالنسبة لواشنطن، فقد
تفاقم شعور الإحباط لديها حين كشفت قناة "سي آن آن" أن القذيفة التي
تسببت في هذه المذبحة هي قنبلة موجهة بالليزر من صنع أمريكي، سلمتها الولايات
المتحدة إلى حليفها السعودي.
وفي نهاية شهر آب/أغسطس، صرح قائد القوات
الجوية الأمريكية، الجنرال جيفري هاريجان، قائلا: "يجب علينا الاعتراف
بشعورنا بالإحباط. علاوة على ذلك، يجب علينا التوقف عن إتباع سياسة التحفظ والتحدث
عن تفاصيل هذه الواقعة".
وانخرطت المنظمات غير الحكومية المدافعة عن
حقوق الإنسان، المطالبة منذ سنوات عديدة بوقف بيع الأسلحة لكل الأطراف المتدخلة في
حرب اليمن، في هذا الملف. وتعتقد هذه المنظمات أن العواصم الغربية قد تقتنع، بعد
حمام الدم الذي شهدته صعدة، بضرورة اتخاذ موقف صارم تجاه حليفها العربي وإجباره
على إعادة النظر في تدخله العسكري في اليمن.
وأوردت الصحيفة أنه على الرغم من إعلانها منذ
بداية شهر أيلول/ سبتمبر الماضي إلغاء عقد بيع القنابل للرياض، إلا أن مدريد قد
تراجعت عن ذلك فيما بعد. ويعود سبب ذلك إلى الضغوط التي مارستها الرياض حيث هددتها
بإلغاء عقد شراء خمس فرقاطات (سفن بحرية) ستجني من ورائها إسبانيا أموالا طائلة.
أما في برلين، فقد انتهكت الحكومة الألمانية الامتناع الاختياري عن تصدير الأسلحة
للبلدان المتورطة في الحرب في اليمن الذي أعلنت عنه في بداية السنة الحالية.
وتطرقت الصحيفة إلى أن مواقف الرياض من هذا
الملف تعود إلى بداية شهر آب/ أغسطس. وللتذكير، كانت الرياض قد ردت بطريقة عنيفة
على التغريدة التي نشرتها وزيرة الخارجية الكندية، التي انتقدت فيها اعتقال
المدافعين عن حقوق الإنسان في المملكة. وقد ضمت سلسلة العقوبات التي فرضتها
المملكة على هذا البلد طرد السفير الكندي وتجميد الاستثمارات السعودية في كندا،
فضلا عن تعليق رحلات طيران الشركة الوطنية السعودية بين البلدين.
وعموما، يطغى هذا التشنج المتكرر على مواقف كل
من الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وابنه محمد بن سلمان. ويحظى محمد بن سلمان
برتبة ولي العهد، إلا أنه يتصرف كما لو كان الملك، خاصة بسبب الدور الهام الذي
يلعبه في البلاد. ومن جهتهم، أمر هذان الطرفان بالتدخل العسكري في اليمن، الذي
تقوده السعودية بالاشتراك مع الإمارات. ويعتبر هذا التدخل نقطة بداية لدبلوماسية
جديدة أكثر عنف تهدف لوقف توسع التأثير الإيراني في الشرق الأوسط.
ونقلت الصحيفة عن رجل أعمال مقرب من السلطة
السعودية أن "العاصمة السعودية قررت منع أي طرف من التدخل في حربها في اليمن.
وبما أنها تحظى بدعم الولايات المتحدة، سمحت الرياض لنفسها بفعل ما يحلو لها.
علاوة على ذلك، كان بلوغ سعر برميل النفط 80 دولارا بمثابة عامل عزز من حرية تصرف
المملكة على المستوى الإقليمي، خاصة في ظل عدم تذمر البريطانيين والفرنسيين من
ذلك".
وأوضحت أنه في بداية شهر أيلول/سبتمبر، قدمت
الرياض بعض التعهدات إلى حلفائها. فبعد أن صرحت في البداية أن الهجوم الذي استهدف
صعدة لا تخالف القانون الدولي، اعترفت الرياض في مرحلة ثانية بارتكابها جملة من
الأخطاء. وقد وعدت المملكة بمعاقبة المسؤولين وبمنح تعويضات لعائلات الضحايا. في
المقابل، ظل احتمال أن يكون الاعتراف بالمسؤولية مرفقا بإصلاحات على مستوى
الإجراءات المتعلقة بفتح قوات التحالف النار على المدنيين والتخفيف من وطأة معاناة
الشعب اليمني، أمرا مستبعدا نوعا ما.
وأشارت الصحيفة إلى أن مسؤولا غربيا كان قد
اعترف بأن "شكوكا عديدة تساور الحلفاء الرئيسيين للرياض، ذلك أنهم يعترفون
بأنه لا انتصار في هذه الحرب. ومع ذلك، يواصل هؤلاء الحلفاء إيلاء الأهمية الكبرى
لصفقات بيع الأسلحة".