هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تحاول الولايات المتحدة والقوى اليمينية الإسرائيلية كما والأمريكية الدينية (الإنجيلية) الانتهاء من القضية الفلسطينية بأي ثمن. فقرار الولايات المتحدة غلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة الأمريكية هذا الأسبوع، ثم قرار إيقاف الدعم الأمريكي للأونروا إضافة لتوقف الولايات المتحدة عن دفع بعض الالتزامات لمستشفيات عربية قائمة في القدس تعبير عن هذه السياسة. و لم يخرج اعتراف ترامب بالقدس الموحدة (والتي تشمل القدس الشرقية المحتلة عام 1967)عاصمة لإسرائيل عن سياق السعي الوهمي لتصفية القضية الفلسطينية.
ما لا تعيه هذه القوى أن المسألة الفلسطينية ترمز اليوم كما وسترمز غدا لمواجهة الاحتلال وسلوكياته ولمواجهة الظلم والسعي نحو العدالة. فأن كانت القوى الصهيونية تعتقد بقدرتها على مسح الذاكرة والمستقبل وتمويه درجة الظلم في المسألة الفلسطينية فهي واهمة.
فبالرغم من كل الأخبار السلبية التي تعكس واقع النظام العربي الضعيف أمام الخارج إلا أن الخبر الجيد أن القضية الفلسطينية لن تحل إلا عندما تفشل الصهيونية بصفتها حركة عنصرية تسعى لمصادرة حقوق سكان البلاد الأصليين وأراضيهم ومنازلهم.
إن سعي الصهيونية تجاه الفلسطينيين هو نفسه تجاه العرب بحيث تسعى لإبقاء العالم العربي مهمشا وخاضعا للقوى الخارجية. الفكر الصهيوني بالأساس يتميز بعنصريته وإقصائيته، وهو في هذا لا يختلف عن فكر العنصريين البيض في جنوب أفريقيا قبل أن تتحول جنوب أفريقيا، بفضل مقاومة الظلم والعنصرية، للديمقراطية وتلغي التفرقة العنصرية.
إن نزع فتيل الفوضى والحروب في منطقتنا لن يكون ممكنا عبر الاستسلام لرغبات ترامب وتهور نائبه بينس وأحلام كوشنير و بعض الرسميين العرب، فالاستسلام للرغبات والإملاءات سيخلق المزيد من عدم الاستقرار والفوضى والحروب.
لهذا فإن قطاعا من السياسيين العرب ثم المثقفين العرب أخذ على عاتقه التماهي مع صفقة القرن المبهمة بلا معرفة حقيقية بالصهيونية وأهدافها ومراميها. لقد دفع الموقف المتماهي مع القوة بعض المثقفين العرب لتقمص مروية الصهيونية الركيكة حول العودة لأرض الميعاد. بل يذهب البعض بعيدا في اعتبار أن لإسرائيل الحق بالأرض و الاستيطان، فيتبنى منطق المستعمر ومنطق الاستيطان ويبدي الإعجاب بالقوة الإسرائيلية.
لكن قضية فلسطين لم تتغير من حيث مكانتها الجوهرية بين شعوب البلدان العربية والإسلامية بل وفي طرق تفكير كل من يحترم حقوق الإنسان في العالم. بعض المثقفين العرب ألغى القضية الفلسطينية من قاموسه لأنه اختزلها بشخص ياسر عرفات و أبو مازن أو حتى إسماعيل هنية والبعض الآخر يعتقد أن فلسطين هي حماس أو فتح فيعمم على قضية فلسطين كل السلبيات حسب موقفه السياسي وتوجهه. القضية الفلسطينية انعكاس لسعي المظلومين في أرضهم وفي كل مكان في العالم العربي والإسلامي للتحرر من السيطرة غير العادلة على مقدراتهم وحقوقهم.
المدرسة الاستسلامية العربية والمتماهية مع السعي الأمريكي والإسرائيلي تغض النظر عن سجناء الرأي المنتشرين في العالم العربي وتغض النظر بنفس الوقت عن التعذيب وأحكام الإعدام بحق العشرات من النشطاء والمفكرين والشخصيات السياسية والدينية والثقافية العربية. ليس غريبا أن تقبل هذه المدرسة بالظلم الصهيوني، بينما تختبئ وراء المواجهة مع إيران بينما تتقبل انتهاك حقوق الإنسان العربي في كل مكان. المدرسة الاستسلامية تجد أن التحالف مع الصهيونية أسهل لها من التفاهم مع الأغلبية الشعبية في بلادها.
إن تبرير الاستسلام أمام إسرائيل والصهيونية عبر حجج ركيكة كترديد المقولة الصهيونية "بأن الفلسطينيين باعوا الأرض" لا يمكن أن يصمد أمام الحقيقة بجوانبها المختلفة. فاليهود بمن فيهم اليهود الفلسطينيون العرب لم يملكوا عشية قيام إسرائيل عام 1948 إلا 6? من الأرض الفلسطينية، وان خروج النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين من مناطق القتال والمجازر أمر مبرر في كل الحروب، لكن غير المبرر أن لا يسمح لهم بالعودة بعد انتهاء الحرب والقتال.
بل إن المروية الحقيقية تؤكد وقوع تطهير عرقي و22 مجزرة أدت لخروج من خرج في تلك الحرب التي انتهت بهزيمة الجيوش العربية. من غير المبرر إسكان شعب مكان آخر في ذات المنازل والمواقع والساحات ثم مصادرة كل الأملاك والأراضي والأوقاف والمنازل كما وقع عام 1948. و من غير المبرر، تحت كل الظروف، إحلال شعب مكان شعب كما يقع منذ عام 1948 ليومنا هذا عبر الاستيطان والمصادرة الدائمة والتهويد والإبعاد.
على مر الزمن، قاتل العرب والفلسطينيون الصهيونية، وسقط في معارك وحروب المقاومة عشرات الآلاف من العرب والفلسطينيين. النكبة، التي هزم فيها العرب عام 1948 كانت أولى الحروب وانتهت باحتلال معظم فلسطين وتهجير الشعب الفلسطيني، ثم وقعت حرب 1956 وهي الحرب التي شنتها إسرائيل مع بريطانيا وفرنسا لمجرد أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر تجرأ على تأميم قناة السويس وتحويلها لشركة وطنية مملوكة للمصريين. تلك الحرب أوضحت للرأي العام العربي طبيعة وظيفة إسرائيل في الإقليم في مواجهة النهوض العربي.
واستمر سير الحروب. فحروب العرب مع إسرائيل لم تتوقف منذ قيامها، وانتفاضات الفلسطينيين ومقاومتهم لم تنقطع، يكفي أن نستذكر معركة الكرامة التي قامت بها حركة «فتح» عام 1968 أو حرب 1973 العربية الإسرائيلية أو اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان 1978، أو حرب 1982 عندما اجتاحت إسرائيل بيروت، أو حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل، أو الانتفاضة الفلسطينية الأولى سنة 1978 والثانية عام 2000. ويكفي ان نستذكر حروب غزة الثلاث، والهبات المختلفة في الضفة الغربية والقدس.
في العام 2018، تتراكم محاولات تصفية القضية الفلسطينية، لكن القضية الفلسطينية مازالت عنصراً مؤثراً وفي حالات كامنة للأسباب التالية: فعلى الأرض الفلسطينية يوجد من الفلسطينيين أضعاف ما كان موجوداً عام 1948، فهناك 6 ملايين فلسطيني تتوزعهم الجغرافيا الفلسطينية في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق دولة إسرائيل.
وبسبب النضال الفلسطيني والتعاطف الدولي والعربي الشعبي نجحت مجموعات المقاطعة الفلسطينية في إلغاء احتفالات كبرى في إسرائيل وفي تراجع مغنيين عالميين عن أداء برامجهم في إسرائيل. ففي قمة قوتها تجد إسرائيل أن قضية الحقوق والعدالة تحرك الناس كما وتحرك عدد يزداد حضورا من يهود العالم ممن يجدون في الصهيونية وسلوكها والترامبية ووسائل كوشنير مع العالم العربي تمهيد لإعصار كبير ولمشكلات أعمق مع العرب والمسلمين في كل مكان.
في المقابل، يوجد ستة ملايين يهودي على الأرض الفلسطينية التاريخية. لكن جزء كبير من الستة ملايين يهودي إسرائيلي يعانون بسبب صراع مستمر مع الفلسطينيين على الأرض، فجيشهم وبوليسهم وأجهزتهم تلاحق الشبان والنساء والأطفال في شوارع فلسطين، كما أن المتدينين اليهود في الدولة الإسرائيلية في حالة صراع مفتوح مع العلمانيين من اليهود، وهذا ينعكس اكبر انعكاس على يهود العالم التي يؤدي تعصب المتدينين اليهود في إسرائيل لإخراجهم من تعريف اليهودي. كما أن قانون القومية اليهودية يرفع من درجة عنصرية إسرائيل وتناقضاتها الذاتية مع ذاتها ومع الفلسطينيين وغير اليهود من سكانها. القومية اليهودية لم تعد فكرة مجدية فمعظم يهود العالم لا يريدون القدوم لإسرائيل.
لقد تحولت إسرائيل لسجن كبير للفلسطينيين ولكنها بنفس الوقت لا تعي بأنها صنعت وراء الجدران والحروب والعسكرة والظلم سجنا كبيرا لليهود الذين يدفعون ثمن سياسات إسرائيل وصهيونيتها.
عن جريدة القدس العربي اللندنية