عقد القوميون العرب مؤتمرهم التاسع والعشرين في بيروت يومي 27 و28 تموز/ يوليو الماضي، ومن بعده انعقد المنتدى العربي الدولي من أجل العدالة لفلسطين. وقد حضر المؤتمرين مئات الشخصيات العربية والدولية، وصدر عنهما بيانات مطوّلة حول مختلف القضايا التي تهم العرب والقضية الفلسطينية، كما انتخب المؤتمر القومي أمينا عاما جديدا، وهو الأستاذ مجدي المعصراوي (من مصر)، كما تم انتخاب أمانة عامة جديدة للمؤتمر.
ورغم أهمية هذين الحدثين والمواضيع التي أثيرت في المؤتمرين، فقد لوحظ أنهما لم يحظيا سوى باهتمام متواضع وضعيف من وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والدولية، حتى أن الكثيرين في لبنان لم يعلموا بانعقاد هذين المؤتمرين ولم تنشر نتائجهما، إلا ضمن أطر محدودة وغير مؤثرة.
وفي الماضي كان انعقاد المؤتمر القومي العربي أو المؤتمر القومي - الإسلامي أو مؤتمر الأحزاب العربية يشكل حدثا مهما من خلال الكلمات التي تلقى في جلسات الافتتاح أو النتائج الصادرة عنها.
وأما المنتدى العربي الدولي من أجل العدالة لفلسطين، ورغم حداثة نشوئه، فقد كان الاهتمام به أكبر، وقد لقي بعض الاهتمام الإعلامي من عدد من الوسائل الإعلامية المحلية والعربية.
فما هو سر تراجع الحضور الفاعل للقوميين العرب، سواء من خلال مؤتمرهم السنوي أو في الساحات العربية؟ وأين تكمن المشكلة في تراجع الاهتمام بهذه
المؤتمرات العربية؟ هل المشكلة في ضعف الإعلام؟ أو أنها لم تعد حدثا مهما؟ أو أنها لم تعد فاعلة ومؤثرة في الواقع السياسي والشعبي؟ ولماذا لم تعد بيانات المؤتمر القومي العربي تنال الاهتمام من قبل القوى الشعبية أو السلطات الفاعلة في الدول العربية؟
هذه الأسئلة كانت مدار اهتمام القوميين العرب الذين شاركوا في المؤتمر الأخير، وقد قدمت العديد من المداخلات حول تراجع الاهتمام بالمؤتمر، بل إنه في إحدى جلسات المؤتمر لم يكن عدد الحاضرين يتجاوز العشرين عندما بدأت الجلسة، مما أثار تعجب المتحدثين.
ويبدو أن الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي السابقة كانت مدركة لتراجع دور المؤتمر وفاعليته، ولذا كلفت لجنة من عدد من الشخصيات
القومية لوضع استراتيجية عمل جديدة للمؤتمر للمرحلة المقبلة، من العام 2018 وحتى العام 2040. وهذا المشروع الاستراتيجي يتضمن أفكارا ومقترحات مهمة قد تساهم في تفعيل عمل المؤتمر ودوره، في حال تم تطبيق بعضها.
كما أن عددا من المشاركين في المؤتمر اقترح رفد المؤتمر بأعضاء جدد من النساء والشباب من أجل تفعيل عمله وتعزيز حضوره.
لكن يبدو لمن يواكب عمل المؤتمر القومي العربي وغيره من المؤتمرات العربية؛ أن المشكلة لا تكمن بالأعداد أو نوعية الحضور أو بنص البيان الختامي، بل تكمن الأزمة في عمق واقع التيار القومي العربي الذي فقد ريادته وفعاليته السياسية، بل تراجع عن العديد من الأهداف التي وضعها، ولا سيما الدفاع عن الديمقراطية والحريات العامة والعمل من أجل بناء تيار عربي نهضوي وحديث.
ورغم أن هذه المؤتمرات تضم ممثلين وشخصيات من قوى المقاومة في المنطقة، وهناك شخصيات فاعلة في الواقع السياسي والشعبي العربي ولها اهتمامها وتاريخها في النضال، فإن المشكلة اليوم تكمن في تحديد الأولويات. فهل ندافع عن الأنظمة التي تواجه الإرهاب؟ أم ندافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والتي تغيب عن معظم دولنا العربية إلا في حالات استثنائية؟ ولماذا لا يرتفع صوت المؤتمر العربي عاليا للمطالبة بإطلاق سرح عدد من أعضائه وقيادييه في بعض الدول العربية التي تحظى بدعم المؤتمر في بياناته السنوية؟ هذه الأسئلة لا تطرح في سبيل حشر المؤتمر وأمينه العام السابق أو الجديد وأمانته العامة في الزاوية، بل هي تطرح للبحث عن سبب تراجع دور المؤتمر وفاعلياته.
فهل المشكلة في المؤتمر القومي؟ أو في المشروع النهضوي العربي؟ أو في آليات العمل؟ أو في تحديد الأولويات أو في مواكبة المتغيرات والأحداث وفهم كيفية التأثير في الرأي العام؟
لا يمكن لشخص محدد أو جهة محددة الإجابة عن هذه الأسئلة، وأعضاء المؤتمر القومي في دورته الأخيرة طرحوا العديد من الإشكالات والاقترحات من أجل تطوير الحضور والفعالية، لكن يبدو أنه في نهاية المؤتمر لم يتم التوصل إلى نتيجة عملية، والدليل أن بيان المؤتمر الأخير لم يحظ بأي اهتمام كبير وفاعل.
إذن، نحن أمام مشكلة كبيرة، ومن مسؤولية الأمين العام الجديد والأمانة العامة للمؤتمر، وكل من يهمه مستقبل العمل القومي العربي والقومي الإسلامي، والأحزاب العربية، أن يبحث حقيقة هذه المشكلة وكيفية إيجاد الحلول لها للعودة إلى الحضور الفاعل سياسيا وشعبيا وإعلاميا.