بورتريه

مي سكاف.. موت في المنفى بعيدا عن ياسمين دمشق (بورتريه)

مي سكاف- بورتريه
مي سكاف- بورتريه

أغدق عليها رفاقها الفنانون السوريون والعرب جميل عبارات العزاء والثناء. من منفاها في باريس، بعيدا عن شوارع دمشق وياسمينها المنثور على الشبابيك وجدران البيوت الدمشقية القديمة، رحلت "في ظروف غامضة" كما يقول رفاقها من الفنانين.


التشخيص الطبي يقول إنها رحلت إثر نوبة قلبية حادة، وفي رواية إعلامية أخرى يقال بأنها جلطة في الدماغ، لكن مواقع التواصل الاجتماعي تقول إنها ماتت قهرا على ما يحدث في سوريا.


كانت في أوج عطائها الفني والإنساني حين دخلت بلدها سوريا في فضاء ثورات الربيع العربي، وحين رأت الثورة تشتعل وجدت نفسها تلقائيا في صفوفها الأمامية.


المعارضون أغدقوا عليها ألقابا عدة من بينها: "الفنانة الثائرة" و"الفنانة الحرة" و"أيقونة الثورة"، فيما كان أكثر التعليقات تكرارا على المواقع والصفحات الموالية لدمشق عبارة "إلى جهنم".


درست مي سكاف، نجمة الأدوار الصعبة في الدراما السورية، والمولودة في عام 1969 في دمشق، لعائلة مسيحية، الأدب الفرنسي في جامعة دمشق.


بدأت موهبتها الفنية في الظهور في الجامعة حيث كانت تشارك زملاءها الطلبة في تقديم أعمال مسرحية في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق.


لفتت اهتمام المخرج السينمائي ماهر كدو، الذي اختارها لبطولة فيلمه "صهيل الجهات" في عام 1991، ظهورها اللافت في الفيلم شجع المخرج السينمائي عبد اللطيف عبد الحميد إلى اختيارها لفيلمه "صعود المطر".


بدأت ظهورها التلفزيوني تحت إدارة المخرج نبيل المالح في مسلسل "أسرار الشاشة"، وصنعت لنفسها علامة خاصة في دور "تيما" في مسلسل "العبابيد".


بعد دورها في مسلسل "البواسل" مع المخرج نجدت أنزور، شاركت في مسلسل "بيت العيلة"، بعد ذلك ظهرت في عمل مختلف، في مسلسل بعنوان "لشو الحكي".


وعرفت مي سكاف بوصفها ممثلة الأدوار المركبة في الدراما التلفزيونية، فاشتهرت في مسلسلات"الفوارس" و"ربيع قرطبة" و"طوق الإسفلت" و"أوركيديا"، وأعمال درامية مختلفة ناهزت الأربعين عملا.


أسست في عام 2004 معهد "تياترو لفنون الأداء المسرحي" في صالة صغيرة في ساحة الشهبندر لدعم الممثلين الشباب، ونظرا لضيق المكان نقل المعهد إلى ساحة القنوات.


في عام 2017  عادت إلى السينما من خلال فيلم قصير تم تصويره في باريس بعنوان "سراب".


عرفت سكاف بمواقفها المعارضة من خلال اعتراضها الأخلاقي على النظام السياسي في سوريا حتى في عهد الرئيس حافظ الأسد، وبدأت بمواجهة مباشرة مع نظام بشار الأسد، عندما قامت بالتوقيع على ما يعرف بـ"إعلان دمشق" الذي أطلق في عام 2005 وهددت من السلطات السورية حينها بـ"قطع لسانها".


عرفت بمواقفها المؤيدة للثورة السورية منذ بداياتها في عام 2011، وعلى إثر ذلك اعتقلت بعد مشاركتها في مظاهرة سلمية مع عدد من المثقفين في دمشق، وبعد عدة أيام أطلق سراحها، وتم تحديد موعد لمحاكمتها بعد أن نظمت أجهزة الأمن ضبطا أمنيا في حقها وأحالته إلى نيابة "محكمة الإرهاب" التي أحالته بدورها إلى قاضي التحقيق لمحاكمتها بتهمة الاتصال بإحدى القنوات الفضائية ونشر أنباء كاذبة.


اضطرت إلى مغادرة سوريا بشكل سري من الأردن ثم هاجرت لفرنسا برفقة ابنها عام 2013 وفور مغادرتها استولت قوات النظام على منزلها في جرمانا بريف دمشق.


ومن باريس قادت عدة مظاهرات منددة بحكم الرئيس الأسد، عرفت سكاف طيلة سنوات الثورة بعدم انجرارها لـ"فزاعة الإسلاميين" التي استخدمها النظام والغرب وبعض الحكومات العربية. قالت إن من ساعدها ووقف بجانبها في محنتها في سورية قبل خروجها من البلد هم المسلمون الذين هتفوا باسمها في مظاهرات حماة.


وعلى نحو مفاجئ، واستنادا إلى عدم شكواها من أي مرض، توفيت سكاف في العاصمة الفرنسية باريس، وأشار فنانون وكتاب سوريون إلى أن سكاف توفيت "في ظروف غامضة"، بانتظار نتائج التحقيق، دون أن يقدموا مزيدا من التفاصيل حول ملابسات الوفاة.


وكانت والدة مي سكاف قد توفيت قبل شهر ونصف، وقبلها بـ4 أشهر توفيت شقيقتها المصابة بمرض السرطان.


ومنذ اللحظة التي أعلن فيها عن وفاة سكاف، بدأت ماكينة النظام الإعلامية، على وسائل التواصل الاجتماعي، بالنيل من الفنانة الراحلة، عبر بث الشائعات، أو نشر عبارات التشفي حد الدعاء عليها بـ"دخول جهنم".


وتشكل الخلافات السياسية في الوسط الفني السوري أزمة لم يستطع عدد من الفنانين السوريين تجاوزها منذ سنوات، إذ بدا الاصطفاف السياسي واضحا بين المؤيدين للنظام والمعارضين له، فيما فضل بعضهم الوقوف على الحياد وعدم الدخول في دوامة السياسة.


آخر ما عرف عن تفاصيل وفاة سكاف، أنها توفيت في منزلها، بدون أن يكون معها أحد، ويقال إن ابنها كان هو من نقلها إلى المستشفى، الأمر الذي دفع بكثيرين إلى اعتبار جميع "الاحتمالات" واردة في سبب الوفاة، تبعا لما قاله الفنان السوري المعارض فارس الحلو، على حسابه على "الفيسبوك".


وقال الحلو، إنه على الرغم من أن الاحتمال الأساسي، أن تكون "الوفاة طبيعية"، إلا أن "الاحتمالات تبقى واردة"، خاصة وأن الفنانة الراحلة، قضت في بيتها "ولم يكن هناك أحد بجانب الفقيدة".


السلطات الفرنسية فتحت تحقيقا للكشف عن ملابسات وفاة سكاف، وقامت بختم بيتها بالشمع الأحمر، ويجري تشريح جثتها للوقوف على السبب الحقيقي لوفاتها، كتصرف احترازي للاحتفاظ بالأدلة الجنائية الممكنة، وعدم العبث بأي ما يمكن أن يؤثر على مجريات التحقيق.


رحلت مي سكاف في باريس، في الغربة، مخالفة أمنيتها بالعودة إلى وطنها حيث كانت تتمنى أن تموت في سوريا وتدفن في دمشق حسبما عبرت في أيار/مايو الماضي عبر صفحتها على "فيسبوك".

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم

خبر عاجل