هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
زيارة تاريخية بالغة الأهمية لزعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربن إلى الأردن، وهو المرشح القوي ليكون رئيس الوزراء القادم خلفاً لزعيمة حزب المحافظين الحالية، التي ستتولى عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي وستواجه أعباء هذا الخروج بكل ما فيه من احتمالات الانزلاق إلى أزمة اقتصادية.
كوربن رغم أنه التقى مع نائب رئيس الوزراء الأردني رجائي المعشر، ورغم أنه أجرى التنسيق اللازم للزيارة قبل القيام بها، إلا أنها لم تكتسِ طابعاً رسمياً، وإنما كانت شعبية من الطراز الأول، زار خلالها أهم مخيمين للاجئين في العالم، الأول مخيم الزعتري، وهو أكبر تجمع للاجئين السوريين في الكون. والثاني مخيم البقعة الذي يضم أكثر من 100 ألف لاجئ فلسطيني، وهو أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في العالم، ممن ينتظرون العودة إلى بلادهم في ذلك المخيم منذ أكثر من سبعين عاماً.
كوربن وعد اللاجئين الفلسطينيين الذين التقاهم بأن يعترف بدولة فلسطين بمجرد فوز حزب العمال البريطاني برئاسة الحكومة، في ما يأتي «وعد كوربن» بعد سنوات قليلة على القرار التاريخي الذي اتخذه البرلمان البريطاني في أكتوبر 2014 بالاعتراف بدولة فلسطين، وهو القرار الذي أيده 274 عضواً مقابل معارضة 12 فقط من أعضاء البرلمان، وهو مؤشر قوي على التوجه السياسي العام في بريطانيا لمناصرة الشعب الفلسطيني.
جيرمي كوربن هو أحد المناصرين التاريخيين للشعب الفلسطيني، وهو يساري متواضع يتنقل في شوارع لندن باستخدام دراجة هوائية لا يزيد ثمنها عن 100 جنيه استرليني، ولا يرتدي مطلقاً البدلات الأنيقة المعروفة لدى الغربيين، ويُعتبر أحد أهم مناصري الضعفاء والفقراء والمساكين في العالم. كما لمع نجمه عندما أصبح أحد رموز الحركات المناهضة للحرب على العراق في عام 2003، وهي الحرب التي شاركت فيها بريطانيا إلى جانب الولايات المتحدة، رغم أن حزب العمال كان آنذاك هو الحاكم في لندن.
كوربن يُمثل دليلاً مهماً وقوياً على ظهور تيار جديد ومتصاعد في العالم الغربي، يدعم الحق الفلسطيني، ويُدرك الظلم الإسرائيلي الواقع على هذا الشعب منذ سبعين عاماً، كما أن تصدره لزعامة حزب العمال البريطاني يشكل مؤشراً أيضاً على أن الحزب قد تغير، فحزب العمال الذي كان يقوده توني بلير ليس هو ذاته الذي يقوده اليوم جيرمي كوربن.. شتان شتان بينهما.
وبالعودة إلى زيارة كوربن المهمة والتاريخية إلى الأردن، فإن أهم ما فيها أنه كان واضحاً وجلياً بأن كوربن كان يرغب بالتضامن مع اللاجئين، سواء من ضحايا الاحتلال الاسرائيلي في مخيم البقعة، أو من ضحايا الحرب في سوريا في مخيم الزعتري، وكان في الوقت ذاته يريد أن يبعث برسالة تضامن قوية مع الأردن، الذي يواجه ضغوطاً كبيرة من أجل تقديم تنازلات سياسية تتعلق بالقضية الفلسطينية، ولذلك فان الرسالة الواضحة للأردن كان مفادها أن العالم الغربي لا يصطف كله وراء ترامب ومشروعه التصفوي للقضية الفلسطينية، ومشروعه المشبوه لتغيير معالم المنطقة.
جيمي كوربن رجل مهم في السياسة البريطانية، وليس رقماً عابراً ولا هامشياً، فهو زعيم المعارضة، وهو رئيس حكومة الظل، وهو المرشح الأقوى لخلافة تيريزا ماي، فضلاً عن أن بريطانيا بقيادة تيريزا ماي أيضاً لا تتوافق مطلقاً مع السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، ولذلك فقد أعلنت لندن بشكل واضح أنها لا تنوي نقل سفارتها إلى القدس كما فعلت واشنطن، وجددت التأكيد بأنها لا تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ولن تفعل ذلك ما لم يتم الاتفاق على وضع المدينة المقدسة في مفاوضات سياسية، وليس بفرض الأمر الواقع.
زيارة كوربن إلى الأردن جاءت أيضاً في الوقت الذي كان فيه الملك عبد الله الثاني في طريقه إلى واشنطن للقاء ترامب، وهي بالتالي تشكل دعماً مهماً للملك الأردني في مواجهة الضغوط الأمريكية بشأن القدس واللاجئين والقضية الفلسطينية، كما جاءت بعد فترة وجيزة من الاحتجاجات التي شهدها الأردن وهي احتجاجات ظاهر الأمر أن سببها اقتصادي، وباطن الأمر وحقيقته أن سببها سياسي، إذ ثمة أطراف تريد الضغط على النظام في الأردن لتقديم تنازلات تتعلق بصفقة القرن وقضية الولاية على القدس المحتلة.
والخلاصة هي أن زيارة كوربن إلى الأردن تستحوذ على أهمية كبيرة، وتشكل تحولاً مهماً في السياسة البريطانية، كما أنها بتقديم وعد على لسان كوربن سيذكره التاريخ وستتذكره الأجيال القادمة من اللاجئين الفلسطينيين الغلابة، سواء أصبح كوربن رئيساً للوزراء أم لا.
صحيفة القدس العربي