هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعلن مساء الاثنين الفائت عن زيارة مفاجئه لنتنياهو الى المملكة الاردنية؛ استبقت جولة كوشنر وغرينبلات المعلنة الى المنطقة التي تضمنت مقترحا بريطانياً كشف عنه موقع القناة 14 اليمينية الاسرائيلية باستضافة وزراء خارجية كل من فرنسا وألمانيا والسعودية ومصر والاردن مع جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ موحية بانسداد متوقع من الممكن ان تواجهه جولة كوشنر يسعى وزير الخارجية البريطاني جونسون تجنبه.
زيارة نتيناهو الى الاردن لم تخرج من حيث المبدأ عن سياق التمهيد لجولة كوشنر والمترافق مع هاجس انسداد الافق امام القناة التي يمثلها مستشار الرئيس الامريكي ومبعوثه للسلام جيسون غرينبلات؛ الا أنها لاتخلو من هاجس اكبر ارتبط بطموحات اردنية لتحسين تموضعه السياسي في الاقليم بما يسمح له التحرر من القيود الامريكية والاسرائيلية والمترافقة مع ضغوط عربية غير معلنة.
فلقاء نتنياهو بالعاهل الاردني ارتبط بمسارات سياسية متعددة محلية اردنية واخرى اقليمية؛ اذ لم تستبق زيارة نتنياهو المفاجئة للاردن لقاء كوشنر بالمللك عبد الله الثاني فقط بل استبقت ايضا تحركات اوروبية تجاه عمّان ستتوج بزيارة المستشارة الالمانية ميركل؛ والاهم من ذلك انها جاءت بعد ازمة اقتصادية اردنية خانقة واحتجاجات تبعها انفتاح سياسي واقتصادي اردني على دول الخليج العربي على رأسها قطر والكويت والسعودية والامارات العربية في ان واحد؛ موفرة بذلك شروط موضوعية تمكن الاردن من تحسين تموضعه بعد المنحة الخليجية والقطرية والكويتيه.
خفض التوتر ومحاولات احتواء نزعة الاردن لتحسين التموضع الاقليمي يمكن تلمسها من طبيعة الوفد المرافق لنتنياهو عند لقائه العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني اذ رافقة رئيس جهاز المخابرات الخارجية (الموساد) يوسي كوهين والسكرتير العسكري اليعازر توليدانو والمستشار السياسي المتقاعد يوناتان شيشتر ورئيس أركان مكتب رئيس الوزراء يوآف هورويتز وممثل مجلس الامن القومي والمستشار الاقتصادي البروفسور آفي سيمون.
لقاء كما هو واضح لم يغفل الجانب الاقتصادي رغم طغيان الوجه الامني على الوفد؛ عاكسا بذلك محاولة اسرائيلية لإجهاض توجهات الاردن لتحسين تموضعه في المنطقة وربطه بمشروع السلام الامريكي الصهيوني الساعي لتجاوز الحقوق الفلسطينية؛ محاولة لا تخفي الرغبة الامريكي والاسرائيلية بربط الاردن وفلسطين بالمشاريع الامريكية والاسرائيلية في المنطقة والتي تقف على راسها صفقة القرن التي خلقت حالة من الاحتقان والتأزم في الاقليم.
لقاء نتيناهو بالعاهل الاردني تضمن دعوة لازالة العوائق امام توسيع النشاط التجاري والاقتصادي بين الاردن والضفة الغربية متعاطيا بذلك مع الازمة البيولوجية للقيادة الفلسطينية والمترافق مع مقاومة كبيرة للمشروع الامريكي؛ بل وذهبت الجهود الاسرائيلية ابعد من ذلك بتفعيل المشاريع الاقليمية الاقتصادية بين الكيان الاسرائيلي والاردن وعلى راسها ناقل البحرين الممول من البنك الدولي الذي فرض شروطا تعجيزية على الاردن مؤخرا هددت استقراره.
جهود نتنياهو وتحركاته تهدف لتفعيل لاجراءات الوقائية لتخفيض التوتر في الضفة الغربية ونقل جزء من العبء الى الاردن مستفيدا من احتياجاته مسار يماثل المسار الامريكي الداعي لبناء ميناء بحري في سيناء يخدم قطاع غزة وبتمويل خليجي (اماراتي- سعودي) تسهم في احتواء التصعيد في قطاع غزة الذي حذر منها الامين العام للامم المتحدة غوتيرس موخرا ؛ حلول في مجملها مشتقة من مشروع صفقة القرن؛ الا انه يطغى عليها صفة الاستعجال وتخفيض حدة الاحتقان في المنطقة.
فالسياسة الاسرائيلية ومعها الامريكية خلال العام ونصف الماضي واجهة انسدادا في الافق مع كل من رام الله و عمّان؛ و رفعت وتيرة التوتر في الاراضي الفلسطينية المحتلة لا في قطاع غزة والضفة الغربية بل وفي اراضي الـ 48 ؛ لتنتقل وبشكل تدريجي الى الاردن ومصر والاقليم باكمله؛ ما يجعل من الهدف المرحلي الممثل بخفض التوتر مسألة حيوية كما تجعل من عملية استباق الجهود الاردنية لتحسين التموضع مسالة مستعجلة تفوق في اهميتها صفقة القرن بحد ذاتها؛ فالاقليم ملتهب ويخفي الكثير من المفاجآت.
ختاما فان زيارة نتنياهو وان كان فيها اعتراف ضمني بدور الاردن وصعوبة تجاوزه ومحوريته الا انها استبقت زيارة غرينبلات وكوشنر الى المنطقة فالاعتراف بانسداد قناة غرينبلات وكوشنر وضيق الافق المرتبط بها؛ قابلها في الجوهر رغبة نتنياهو باستباق اي محاولة لتحسين التموضع في الاردن يوسع هامش المناورة والمقاومة للضغوط الامريكية والاسرائيلية بل والعربية الخليجية مستقبلا وهو الهاجس الاكبر لنتنياهو وحكومته.