صحافة دولية

إيكونوميست: لماذا تنتشر بالعالم العربي بيوت فارهة للأغنياء؟

إيكونوميست: في العالم العربي بيوت كثيرة للأغنياء أما الفقراء فلا يملكون شققا- جيتي
إيكونوميست: في العالم العربي بيوت كثيرة للأغنياء أما الفقراء فلا يملكون شققا- جيتي

نشرت مجلة "إيكونوميست" في عددها الأخير تقريرا، تتساءل فيه عن سبب توفر البيوت الباذخة في العالم العربي، في حين لا تتوفر شقق للفقراء.

ويتحدث التقرير، الذي جاء تحت عنوان: "كاليفورنيا على النيل"، قائلا إن "اللوحات الإعلانية تبدو وكأنها تسخر من السيارات التي تزحف وسط زحام الطرقات تحتها، وتحمل صورا لبيوت كبيرة راقية، وفلل فيها حمامات فخمة في مجمعات سكنية، تبدو وكأنها أحياء في نيويورك، مثل بالم هيلز وإيستاون وإليغريا، وكتب على واحدة: (مرحبا بالجانب الأخضر من الحياة)". 

وتعلق المجلة قائلة: "لكن هذه ليست كاليفورنيا بل القاهرة، العاصمة الفوضوية والمزدحمة، فعلى طول الطريق تمتد صفوف من البنايات المتداعية المبنية من الطوب الأحمر، ومعظمها لم يتم الانتهاء من بنائه، وأدوارها مكشوفة، وتظهر منها الأعمدة الحديدية، فالجانب الأخضر يبعد عن هذه أميالا كثيرة، فالقيادة في الطريق الدائري حول القاهرة هي إشارة عن المشكلة المتناقضة، فمصر تشهد ازدهارا في البناء ونقصا في المساكن".

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "على الجانب الآخر، ينشغل المتعهدون في بناء عشرات الآلاف من البيوت في مجمعات سكنية راقية، وتجذب إليها العائلات الشابة بوعود الهرب من المدينة، إلا أن هذه البيوت بالنسبة للكثير من المصريين لا يمكن الحصول عليها، فسعر الفيلا قد يبدأ من 10 ملايين جنيه مصري، أي (560 مليون دولار أمريكي)، أي أن الشخص يحتاج لـ200 سنة كي يدفعها". 

وتقول المجلة: "ليست لدى الفقراء المصريين والطبقة المتوسطة المتلاشية خيارات كثيرة، ومصر لديها نقص في المساكن بحوالي 3 ملايين بيت، وما هو موجود مزدحم، ويبلغ مستوى العائلة المصرية 3.3 طفل، وهناك مليونا عائلة، 9% من مجمل السكان، تعيش في بيت من غرفة أو غرفتين، بالإضافة إلى أن هناك مليون قاهري يعيشون في البيوت العشوائية، التي تعد غير صالحة للسكن؛ بسبب نقص الخدمات والمياه، فيما يعيش الآلاف في المقابر". 

ويفيد التقرير بأن "هذه المشكلة ليست مقتصرة على مصر، ففي الأردن هناك نسبة 26% من البيوت يعيش فيها في كل غرفة شخصان، و 5% يعيش فيها أربعة أفراد، وحتى في الدول الغنية بالنفط يكافح الشباب للحصول على بيت بسعر ملائم".

وتلفت المجلة إلى أن هذه الأزمة تركت آثارا اجتماعية بعيدة، حيث يضطر الشباب لإلغاء الخطوبة، أو أنهم يؤجلون الزفاف لأنهم لا يستطيعون الحصول على بيت الزوجية، فيما تنتشر الجريمة في المناطق العشوائية في القاهرة. 

وينوه التقرير إلى أن "الدول العربية شهدت هجرة من الريف للمدن بحثا عن العمل، وتضاعف عدد سكان القاهرة منذ عام 1996 إلى 23 مليون نسمة، آما العاصمة الأردنية عمان فقد نمت بسرعة بسبب تدفق المهاجرين العراقيين والسوريين، بالإضافة إلى زيادة الولادات التي شهدتها سنوات التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي، ممن سيبدأون بالبحث عن عمل قريبا، ويبدأون في إنشاء عائلات". 

وتذكر المجلة أنه "يعيش في مصر وحدها 50 مليونا ممن هم تحت سن العشرين، وهي بحاجة لبناء حوالي 600 ألف بيت جديد كل عام لمواءمة الزيادة، وقد يوفر السوق هذه البيوت، إلا أن الحكومة تشوه الصندوق، فالفساد وسوء الإدارة للأراضي هما المشكلة، ويواجه المتعهدون تنظيمات متعبة وقوانين عفا عليها الدهر".

ويكشف التقرير عن أن دراسة في الأردن وجدت أن المتعهدين يدفعون ثلث قيمة المشروع رسوما وضرائب، مشيرا إلى أن بعض سكان القاهرة يدفعون أجرا شهريا أقل مما يدفعونه للأرجيلة في المقهى المحلي. 

 

وتبين المجلة أنه "تم تخصيص مناطق كبيرة في عمان لبناء وحدات سكنية غالية، مع أن السوق يحتاج إلى شقق رخيصة، وحددت الحكومة مساحة الوحدة السكنية بـ110 أمتار، وهو أكبر مما يحتاجه الناس أو يستطيعون شراءه، ولهذا السبب تراجعت نسبة مبيعات البيوت في الأردن بنسبة 14% العام الماضي، رغم أن المتعهدين بنوا وحدات سكنية بقيمة مليار دينار أردني (1.4 مليار دولار) منذ عام 2015". 

ويشير التقرير إلى أن "التوقعات من وفرة الإسكانات الفارهة لم تتحقق في أماكن أخرى، فصعوبة البناء وكلفته تعنيان أن القطاع المربح في الإسكان المصري هو الأغلى من الموجود على لوحات الإعلان، فقد تناسب الطلب مع العرض، خاصة أن الأغنياء في مصر يرون أن العقار هو القيمة الحقيقية".

 

وتوضح المجلة أن "الحكومة المصرية حاولت جسر الفجوة في السوق، ففي عام 2014 كشفت عن خطة بقيمة 40 مليار دولار مع شركة التعهدات الإماراتية (أرابتك) لبناء مليون وحدة سكينة رخيصة الثمن، لكن المشروع توقف بعد عام بسبب غياب التمويل، وقرر المصريون المحبطون القيام بالأمر بأنفسهم، فالأبراج التي تحيط بالقاهرة مثل الخاتم تعرف باسم العشوائيات، وتم بناؤها بطريقة غير قانونية، واستثمرت العائلات كل ما وفرته طوال حياتها لشراء قطعة أرض والبناء عليها، ثم أضافت طابقا أو اثنين كلما توفر المال، ومعظمهم لم يستطيعوا إكمالها، ومن بين 43 مليون بيت هناك 9 ملايين فارغة، ونصفها غير مكتمل". 

ويجد التقرير أن "هذه المشكلات تتلاقى في حي بولاق، وسط القاهرة، الذي يعيش فيه 400 ألف نسمة، وعاشت هناك عائلات لأجيال في شقة من غرفة واحدة موحشة, ويشتركون في حمام ومطبخ، لكن أسعارها لا يعلى عليها، وبسبب الأجور المحددة فإن بعض سكانها لا يدفعون سوى عشرة جنيهات في الشهر، وتريد الحكومة السيطرة عليها، وهم يعيشون في أغلى الأراضي في القاهرة قريبا من النيل، وخلف فنادق الخمس نجوم". 

وتقول المجلة إن "الحكومة تخطط لجرفها، وبناء حي حديث، وإنقاق 227 مليون دولار، حيث تظهر التصميمات الأولية لمعماري بريطاني حدائق وشوارع مشجرة، لكن السوق المشوهة عادة ما تجعل من الصعب فهم الجانب الاقتصادي، فهناك قلة من الأثرياء المصريين ممن يريدون العيش في وسط المدينة". 

ويلفت التقرير إلى أن "هناك إشارات على بطء في سوق البيوت الفخمة، وبالنسبة لسكان الحي فإن مشروع كهذا يعني اقتلاعهم، وهناك من قبل مبلغا أقل من سعر السوق، وآخرون أسكنوا في إسكان المسرات، الذي يبعد 15 كيلومترا جنوب شرق بولاق، وحصلوا على شقة من غرفتين وسكن مجاني لمدة عام، وبعد ذلك سيدفعون أجرا شهريا بقيمة 300 جنيه مصري لمد ة 30 عاما". 

وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالقول إن "لا مكان للترفيه في الحي، ولا محلات تجارية، باستثناء بقالات تابعة للجيش، حيث تأخذ الرحلة للقاهرة ساعة، وربما كان البيت رخيصا، لكنه ليس مكانا يريد أن يعيش فيه المصريون".

التعليقات (0)