معظم الظلامات التي حاقت
بفئات من البشر، في مختلف أقطاب الأرض، كانت بسبب استعلاء شريحة من الناس على
الآخرين، وحتى في الدول التي توصف بأنها متقدمة وديمقراطية، تبيح لكافة أفراد
الشعب أن تكون لهم كلمة في شؤون حكم بلدانهم، نجد أن من يفوزون بحق تمثيل الشعب،
هم من يسمون ب"النُّخَب"، فلكي تدخل البرلمان في بريطانيا أو
الولايات المتحدة أو ألمانيا، لابد أن
تكون صاحب "شأن" وجيب مليان أو مسنودا من قبل أصحاب الشأن والجيوب
المليانة
وقد يكون الاستعلاء
بسبب أن من "يستعلون" ينتمون إلى طبقة اجتماعية أو مهنية معينة، أو
يعتنقون ديانة غير تلك التي يدين بها المُستعلى عليهم، ولكن أبشع أنواع الاستعلاء
وعلى مر التاريخ نجم عن أن شرائح عريضة من الشعوب القوقازية (البيضاء)، كانت ترى
أنها أرفع شأنا من ذوي البشرة السمراء / السوداء، ولم تر من ثم بأسا في اصطياد
الأفارقة، وبيعهم وشرائهم ليعملوا عبيدا في مختلف المجالات
وكانت بريطانيا أول من
قتل، ثم أول من مشى في جنازة القتيل، لأنها كانت رائدة تجارة الرقيق، ثم صارت
رائدة محاربة تجارة الرقيق، وبذريعة الحرب على استرقاق الأفارقة احتلت بريطانيا
أكثر من ثلث مساحة أفريقيا واستعبدت شعوبها بالجملة
والأنكى من ذلك أنها
استقدمت عمالة من سلالات العبيد الذين نقلتهم إلى الأراضي الأمريكية ومنطقة
الكاريبي، ليحفروا الأرض لتمديد خطوط قطارات الأنفاق والقطارات جوالات الآفاق بين
المدن، ثم أعمال رفع الأنقاض وإعادة بناء المدن والطرق بعد الحربين العالميتين
في أيار/ مايو الماضي
تفجرت فضيحة "جيل ويندراش"، وهم الجيل الذي ولد ونشأ في بريطانيا بعد أن
جاء ذووهم من منطقة الكاريبي، وبالتحديد من دول الكومونويلث البريطاني، على متن
السفينة "ويندراش" في عام 1948، وظلوا يعملون ويتناسلون، ثم فوجئوا
بوزارة الداخلية البريطانية تقول لهم أن وجودهم في البلاد غير قانوني، وبالتالي
لابد من إعادتهم إلى أوطانهم الأصلية، رغم أن قانون الهجرة البريطاني لعام 1971
يعطي جميع من دخلوا البلاد مهاجرين قبل ذلك التاريخ، حق البقاء الدائم، وهو الحق
الذي يكفل لمن يتمتع به الحصول على الجنسية البريطانية
وفضحت منظمات مدنية
نفاق حكومة المحافظين الحالية، التي ظلت تذرف الدموع على حال مهاجري الزوارق الذين
تدفقوا على أوربا من أفريقيا خلال السنوات الخمس الأخيرة، ولمدارة الفضيحة ضحت
رئيسة الوزراء تيريزا ماي بوزيرة الداخلية أمبر راد، وأتت ببديل لها من جيل ويندراش،
هو ساجد جاويد ليكون أول شخص غير أبيض يتبوأ هذا المنصب (وهو ما يشبه
"تبييض" الأموال)
ولكن ما من بلد مارس
التمييز ضد السود، واستعبد الأفارقة بأبشع صورة كما الولايات المتحدة، وإلى يومنا
هذا، ورغم كل ما يقال عن كفالة الحقوق المدنية لسود أمريكا، فما يزال هناك ملايين
البيض الأمريكان الذين يعتقدون أنه لا يجوز مساواة السود بالبيض، ولعل فوز شخص مثل
دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة،
لهو أقوى دليل على تجذُّر العنصرية فيها، فلم يكن للرجل برنامج سياسي، ولكن خطبه
التي وعد فيها بتطهير أمريكا من اللاتينو (أهل أمريكا الوسطى والجنوبية)، ووجه
فيها لسود بلاده إساءات مغلَّظة، هي التي أكسبته قلوب وأصوات "العنصريين
الصامتين" الذين اتضح أنهم يمثلون أغلبية الأمريكان "البيض"
سمعت من طبيب أسنان
سوداني تلقى تعليمه وتدريبه وصولا إلى درجة التخصص الدقيق في جمهورية جنوب
أفريقيا، أنه عندما يعاني أحد سكان ذلك البلاد الأصليين من ألم في الأسنان فإنه
يتوقع من الطبيب خلعه بدون سين وجيم، بمعنى أنه لن يقبل قط بتنظيف الضرس وحشوه أو
ترقيعه، أو قتل العصب المسبب للألم
وفي سياق
إعداد تقرير صحفي عن التمييز العنصري الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية،
عثرت على تفسير لنزوع الجنوب أفريقيين لنزع أسنانهم كليا، عند إصابتها بأي آفة
مسببة للألم
كان السود في
الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا فئران تجارب طبية، بمعنى أنه كلما أراد طبيب ما
معرفة أصل علة ما وطرق علاجها، أعمل مباضعه قطعا وجرحا ولصقا في "السود"،
ومن ثم ترسخ في المخيلة الشعبية العامة أن التعامل مع الأطباء لا يجلب سوى الألم
والمعاناة
وسوء الظن
بالطب الحديث متفش في هوامش جميع الدول العربية، حيث تعامل الناس المواطنين
ك"هوام"، ومن ثم يتداول البسطاء مقولة "اسأل مجرب ولا تسال
طبيب"، وكأنها حديث قدسي، بينما هو من فئة الأمثال الشائعة الغبية من شاكلة "إذا سرقت أسرق جمل"،
يعني كن لصا "على مستوى"
ثم توقفت عند
جيمس ماريون سيمز (25 كانون ثاني/يناير 1813 - 13 تشرين ثاني/نوفمبر 1883) الذي يحمل لقب "أبو طب النساء والولادة
الحديث"
سيمز هذا توصل
إلى أساليب جراحية وعلاجية للناسور المثاني المهبلي، المتمثل في ظهور قناةً غير
طبيعية تربط بين المثانة والمهبل، تؤدي إلى تسريب لا إرادي مستمر للبول من المثانة
للمهبل. وغالبًا ما تؤدي إلى عمليات ولادة تستغرق مدة طويلة، حيث يضغط رأس الطفل
على عظم حوض الأم مما يؤدي لتوقف تدفق الدم لجداريّ المثانة والمهبل، فتتآكل
الأنسجة أو تموت مخلِّفةً فتحة تصل بينهما. ويعبر البول من خلال هذه القناة من
المثانة للمهبل بشكل لا إرادي، فتعاني السيدة من أحد أشكال "سلس البول".
ويصحب ذلك التهابات وتهيج بجدار المهبل، بالإضافة لمشاكل اجتماعية ونفسية للمريضة
نتيجة تسريب البول عبر المهبل.
وحقيقة الأمر
هي أن سيمز توصل إلى كشوفاته الطبية عبر ممارسات غير أخلاقية، فقد استخدم فتيات
سود "تبرع" بهن أصحابهن البيض في ولاية ألباما لإجراء تجاربه الجراحية
دون تخديرهن، رغم أن "البنج" كان متداولا وقتها، وبرر ذلك بأن
"إحساس السود بالألم ضعيف، وأنهم قوم غابت عندهم المشاعر الأخلاقية
والاجتماعية"، وهو – اسم الله عليه- سادن في معبد الأخلاق، بدليل أنه استخدم
الأفيون ثلاثين يوما متتالية على مريضة سوداء واحدة ل"يدرس ويحدِّد"
الجرعة المناسبة منه لاحتواء الألم، وكانت النتيجة أنها وغيرها من السوداوات أصبحن
مدمنات للأفيون مما عجل بوفاتهن
ولسيمز هذا عدد من
التماثيل في عدد من الولايات الأمريكية، ويتردد اسمه مقرونا بالإشادة في العديد من المحافل الطبية، وإذا قلت إنه لا
يختلف كثيرا عن الأطباء النازيين الذين استخدموا اليهود كفئران تجارب، قالوا إن
درس وتدريس الطب يتطلب "التضحية"
وفات أوان سؤالهم:
ولماذا لم تكن التضحية بنساء بيضاوات؟ بل ولماذا صدرت التشريعات في العديد من
الدول الغربية بعدم إجراء تجارب الأدوية والأساليب الجراحية على الأرانب وقصرها
على نوع معين من الفئران؟
ومع هذا فهناك عشرات الجمعيات
تدافع عن "حقوق" فئران المختبرات، ولم يكن لنساء أمريكا السود في أواخر
القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين شفيع أو نصير
[email protected]