هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بدأ الأردن تسديد فاتورة صفقة القرن. الأزمة الاقتصادية التي اضطرت
آلاف المحتجين للنزول إلى الشارع سببُها الضغوط التي تُمارس على البلاد، وهذا ما
قاله الملك صراحة في لقاء سابق مع عدد من رموز النخبة الأردنية، فالمطلوب من
الأردن أن يوافق على صفقة ترامب للتسوية في فلسطين، بما فيها من تنازل عن القدس
وقبول بنقل السفارة الأمريكية، مقابل الحصول على المعونات والمساعدات.
الملك
كشف هذه الحقيقة صراحة قبل الانزلاق إلى الأزمة، وقبل لجوء المحتجين إلى الشارع.
والمشكلة أن الأردن يعتمد بدرجة كبيرة على المعونات الاقتصادية الخارجية، فعشرة في
المئة أو أكثر من موازنته السنوية تأتي من الولايات المتحدة، بينما تدفع دول أخرى
حليفة لواشنطن معونات أخرى، وتعويض ذلك لا يمكن أن يكون بفرض مزيد من الرسوم
والضرائب، بما يعني ارتفاع الأسعار واتساع رقعة الفقر، وبالتالي الاحتجاجات التي
رأيناها في الشارع.
الأزمة
في الأردن اليوم ليست أزمة قانون ضريبة الدخل، وإن كان هذا القانون هو الذي أخرج
الناس إلى الشارع، وهو الذي أطاح بحكومة هاني الملقي وأنهى حياتها السياسية، وإنما
ثمة أزمة اقتصادية عميقة لها أسباب عديدة أهمها:
أولا:
تراجع الدعم الخليجي المباشر بسبب أزمة حصار قطر المستمرة منذ عام كامل، وبسبب
الحرب على اليمن المستمرة منذ أربع سنوات تقريبا، وتكاليف هذه الحرب، إضافة إلى أن
الأردن يقف على الحياد في كلا الأزمتين، بما يجعل كل الأطراف غير راضية وتريد أن
تضغط عليه بوقف الدعم عنه.
ثانيا:
تقليص الدعم والتمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وهي التي
كانت تشكل مصدرا مهما للعملة الأجنبية التي ترد إلى الأردن، بسبب أنها تقدم
خدماتها لعشرة مخيمات، من بينها أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في العالم، إضافة إلى
أن نسبة تتراوح بين 20% و30% من الأردنيين يتلقون خدمات من «الأونروا» أو يعملون
فيها كموظفين، وهؤلاء جميعا باتوا يعانون من نقص التمويل الذي تسببت به الإدارة
الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب.
ثالثا:
مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، تعاني من نقص في التمويل هي الأخرى،
وهي التي ترعى نحو مليون لاجئ سوري أو أكثر ممن يقيمون على الأراضي الأردنية، وهذه
المفوضية قالت قبل أيام إن عملياتها في الأردن فقط تحتاج خلال العام الحالي لمليار
دولار، وهذه المليار دولار تم تأمين 215.9 مليون دولار منها فقط، ما يعني أن
الاقتصاد الأردني يتحمل منذ شهور وبحكم الأمر الواقع تكاليف رعاية هؤلاء اللاجئين.
رابعا:
قروض صندوق النقد الدولي المشروطة تشكل أزمة متدحرجة أشبه بكرة الثلج، وقد أصبح
الدين العام عبئا اقتصاديا قاسيا، والتعامل معه يشكل وصفة بالغة القسوة، فمع نهاية
عام 2017 أصبح إجمالي الدين العام للأردن 27.2 مليار دينار أردني (38.3 مليار
دولار)، وهو ما يعادل حوالي 95% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. وهذه
المديونية العملاقة تعني بكل بساطة أن كل شخص موجود في الأردن مدين للخارج بأكثر
من ثلاثة آلاف دولار، بما في ذلك الأطفال الرضع، ويتوجب عليه سداد فوائد هذا
المبلغ لحين تأمين المبلغ ذاته وتسديده!
خامسا:
لا أحد يشك أو يجادل في أن الفساد المالي والإداري والسياسي يفاقم من هذه الأزمات
بطبيعة الحال، خاصة أزمة المديونية، وهذا يعني ألا غنى عن المطالبة بمكافحته
والقضاء عليه وقهره، لكنه جزء من المشكلة وليس المشكلة بأكملها.
خلاصة
القول هنا، هو أن الأزمة الداخلية الراهنة في الأردن هي انعكاس لتفاعلات دولية
وإقليمية في الخارج، ولا يمكن أن تكون بمنأى عنها، ولذلك فإن من بين خيارات الحل
للأزمة، وربما تكون الخيارات الوحيدة، البحث في إمكانية التحالف مع قطر وإيران
كمصادر دعم بديلة، وحث الدول المانحة للوكالات الدولية أن تعيد الدعم المتعلق
باللاجئين الفلسطينيين والسوريين.. ما عدا ذلك فإن حكومة الرزاز بانتظار مصير
حكومة الملقي ذاته.
القدس العربي