هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تعتبر المنظومة الاقتصادية المصرية من المنظومات المتفردة والعجيبة وفي أحيانا كثيرة المريبة، فرحلة تلك المنظومة من عصر الاقتصاد المركزي المخطط في عهد عبد الناصر إلى اقتصاد السوق الحر مع بداية الألفية الثانية حملت الكثير من البرامج الإصلاحية وبرامج إعادة الهيكلة والخصخصه وغيرها
وعلي مر العقود والسنين لم تنعكس أرقام النمو وتحليلات الاقتصاديين علي حياة أفرادها أو علي مستوي معيشة سكانها، فاستمر السيناريو الحزين جيلا بعد جيل ومن سيئ لأسوأ .
ولأن منظومة الثورة لم تختبر اقتصاديا وتم إقصاؤها سياسيا بانقلاب عسكري في يونيو 2013 ، فقد جاء عهد السيسي حاملا معه تساؤلات كثيرة ورؤي متضاربة ، ومع بداية عام 2015 ارتفع معدل النمو من2.2% في 2014 إلي 4.2%، لكي يحمل رسالة إيجابية مختلطة بأخري سلبية عديدة منها زيادة معدلات البطالة إلي 13% وتعديها نسبة40% بين الخريجين ، كما شهدت البلاد معدلات كبيرة للتضخم كنتيجة لتقليل الدعم علي السلع الأساسية مما زاد من الصورة الضبابية المتضاربة للمنظومة الاقتصادية المصرية ومستقبلها.
ومع توقيع قرض الثلاث سنوات مع صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار في نوفمبر 2016 دخلت البلاد في مرحلة جديدة من التحديات الاقتصادية الخطيرة والغير مسبوقة ، حيث ألزم القرض الحكومة بإنفاذ سياسة مالية جديدة خطيرة ومتهورة ولقد كان من الجلي والواضح أن سياسات الصندوق كانت موجهة نحو تحسين صورة الاقتصاد الكلي Macroeconomics مع تجاهل تأثير هذه السياسات علي الاقتصاد الجزئي Microeconomics والمرتبط بصورة مباشرة بحياة المواطن ومستوي معيشة الأفراد.
واليوم ومع قرب إنتهاء الربع الثاني من عام 2018 يخرج علينا البنك المركزي المصري معلنا زيادة الإحتياطي من النقد الأجنبي إلي 44 مليار دولار مسجلا معدلا قياسيا جديدا ، وزيادة معدلات النمو من 4.7 في 2018 إلي 5.3% في 2019 وكذلك توقع هبوط معدلات التضخم من 21% في 2018 إلي 14% في 2019، فما هي دلالات هذه الأرقام وكيف يمكن أن نفسر تلك الحالة الفريدة التي نشهد فيها مؤشرات متتالية لتعافي المنظومة الاقتصادية ليصاحبها تدن مستمر وغير مسبوق في مستوي الحالة المعيشية للأفراد؟
الاقتصاد المسموم: النظرية والمفهوم
كان جمال عبد الناصر يدعي دائما أنه يبني اقتصادا اشتراكيا يضع الطبقة العاملة علي أول أولياته ، وأنه يعمل من أجل رفع مستوي الكادحين في البلاد ، ولم يختلف عبد الفتاح السيسي عن هذا الطرح ولم يخرج عن إطار إرسال نفس الرسائل ولكن بصورة تناسب المنظومة الاقتصادية التي يعمل من خلالها ، فهو يطالب الجميع بالصبر ويعدهم بالرخاء ويحكي لهم قصص المشاريع العملاقة الناجحة والقصة مستمرة .
ولكن حقيقة الأمر أن الكلام لم يطابق الواقع في تلك المنظومة أبدا ، فغالبية السياسات والاستراتيجيات والإصلاحات إذا ما صحت التسمية منذ عهد عبد الناصر وإلي السيسي باتت تركز علي تحسين صورة الاقتصاد الكلي في عيون العالم من أجل تحسين العلاقات والحصول علي المزيد من القروض والمساعدات ، فمنذ عهد عبد الناصر الذي وعد المصريين بسفينة الفضاء والقاهر والظافر إلي عهد أوهام السيسي وفنكوش القناة وعلاج الإيدز ومصر التي ستكون من أغني دول المنطقة ، والمأساة مستمرة .
إن الاقتصاد المسموم هو ذلك النوع من المنظومات الاقتصادية الذي لا تنعكس أرقام ومؤشرات اقتصاده الكلي علي مستوي معيشة الأفراد ولا يخدم التوزيع العادل للثروات داخل المجتمع .
لقد بات من المؤكد أنه لا يمكن الوصول إلي أي نوع من الرخاء الاقتصادي الحقيقي تحت وطأة حكم الأنظمة القمعية وفي ظل غياب العدل وحرية التعبير ، ولقد أثبتت الدراسات علي تنوعها بأن هناك علاقة وثيقة بين غياب الديمقراطية وسيطرة الحكم العسكري وبين إنتشار الفساد والسياسات الإحتكارية للأسواق.
وإذا أردنا معرفة التأثيرات الكارثية للاقتصاد المسموم فيجب علينا أن نلقي نظرة على بعض المؤشرات الدولية..
أولا: احتلت مصر المركز 117 في مؤشر الفساد في 2017 ويشاركها في نفس المركز توغو والغابون.
ثانيا: طبقا لتقرير منظمة فريدم هاوس لعام2017 - Freedom House Report 2017، تعتبر مصر دولة غير حرة ويحكمها السيسي من خلال نظام قمعي عسكري
ثالثا: عندما يأتي الأمر لحقوق الإنسان فإن الصورة أسوأ وأمر، طبقا لتقا
رير منظمة هيومن رايتس واتش ومنظمة العقو الدولية وماسلون بلا حدود وغيرهم .
رابعا: تذيلت مصر قائمة تصنيف التعليم في المدارس الإبتدائية في العالم ، ناهيك عن خروج البلاد من التصنيف العالمي للجامعات وفقا لتقرير Global Competitiveness Report of the World Economic Forum
خامسا: طبقا لمؤشر لجيتم الدولي للرخاء في عام2017LEGATUM Prosperity Index وهو من أهم المؤشرات الدولية فيما يتعلق بمستوي معيشة الأفراد ، فقد تم تصنيف مصر في المركز 120 من بين 149 دولة في العالم.
سادسا :تقريرجودة الحياة لعام2018 – Quality of life Index 2018 يشير إلي احتلال مصر للمركز 59 من بين 60 دولة مما يجعلها من أسوأ الأماكن للحياة علي الأرض.
النتائج و الاستنتاج
جميع المعطيات والمؤشرات تشير إلي دعم نظريتي المطروحة حول مفهوم الاقتصاد المسموم والنموذج المصري التطبيقي ، فإنني أزعم في هذا المجال أنه من الضروري والهام أن ننظر فيما وراء الأرقام المعلنة والمؤشرات الاقتصادية المتدوالة عندما نتعرض بالدراسة والتحليل لمنظومة الاقتصاد المسموم بصورة عامة ولمنظومة الاقتصاد المصري بصورة خاصة ، وذلك بغرض استشراف الحالة المستقبلية لهذه المنظومات وإمكانية تعافيها أو انهيارها.