هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في خطوة لم يتصورها أحد، تحالف نشطاء لخوض الانتخابات العامة في لبنان في تحد نادر للعائلات السياسية من مختلف الطوائف وأمراء الحرب، الذين يقول هؤلاء النشطاء إنهم أوصلوا البلاد إلى حد الخراب.
ويضم التحالف الفضفاض صيدلانيا، وإحدى المدافعات عن حقوق المرأة، وشخصية تلفزيونية شهيرة، ويسعى لتحقيق اختراق له أهميته، وإن كان محدودا، في الانتخابات التي تجري يوم الأحد للمرة الأولى منذ تسع سنوات.
لم يسبق أن شهدت الانتخابات اللبنانية هذا العدد الكبير من المرشحين المستقلين، بينهم عشرات من خارج الأحزاب التي تهيمن على البلاد. ويقف هؤلاء في مواجهة نخبة سياسية لم يطرأ عليها تغيير يذكر منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
ويأمل المرشحون المستقلون أن يسهم نظام جديد للتصويت في خلع بعض أفراد الحرس القديم على الأقل، ويريدون الاستفادة من الغضب الذي غذى موجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة في العام 2015.
ويقول جيلبير ضومط، الذي يخوض الانتخابات في بيروت أمام عضو مجلس النواب الحالي نديم الجميل، ابن أحد أبرز أمراء الحرب في لبنان: "نسبة الفشل اللي الطبقة السياسية موجودة فيه بعديه ما صار يمكن من (عام) 43 لليوم فها القد وضعنا سيئ. فا فشلهم هو فرصة لإلنا. تاني شيء كأن في مجتمع نضج عم نسميه مجتمع مدني.. في مجتمع نضج وبطل بده يلعب لعبة الخوف".
كان النظام القديم القائم على العائلات ذات النفوذ وقادة المليشيات السابقين يسعى لإعادة تجديد نفسه مرة أخرى قبل هذه الانتخابات، وأفسح آباء الطريق أمام أبنائهم أو أقاربهم.
ويواجه المرشحون الجدد عوائق هائلة في المنافسة البرلمانية، وربما يفوزون بعدد محدود يعد على أصابع اليد من المقاعد في أفضل الأحوال.
ومع ذلك، فحتى هذه النتيجة ستمثل سابقة. وهم يعتقدون أن الوقت حان للبناء على حالة الإحباط الشعبي التي أطلقت شرارة حركة الاحتجاج عام 2015، عندما تراكمت أكوام النفايات في الشوارع شهورا.
وبدت النفايات رمزا لنظام فاسد لاقتسام السلطة يعجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية، وساعدت نشطاء بيروت فيما بعد على أن يبلوا بلاء حسنا على نحو غير متوقع في الانتخابات البلدية، رغم عدم فوزهم.
وقال ضومط (42 عاما)، وهو مستشار لم تهدأ حركته في شوارع بيروت الشرقية التي يغلب عليها المسيحيون منذ أسابيع: "ما في شك إن إحنا متفقين إنه تغيير كل القضايا ونسيب كل الأشياء... والشيء بده تراكم، ما فيه شك، ما حدا مش هتصير في 24 ساعة. بس خلينا نقول إن الانتخابات هي إحدى المحطات، مجرد ما فيه ضغط وفيه ناس عم تيجي من خارج الوراثة والأحزاب والتقليد السياسي، هي ضربة قاسية لأنها بتغير لهم كل أدائهم".
وينافس ضومط على مقعد مخصص للمسيحيين الموارنة في مجلس النواب، الذي توزع مقاعده البالغ عددها 128 مقعدا بين الطوائف الدينية العديدة.
وهو واحد من مرشحي التحالف الواسع، الذي يضم 66 مرشحا في تسع دوائر انتخابية. وتسعى تكتلات أصغر أيضا لمحاربة المؤسسة في الدوائر البالغ عددها 15 دائرة إجمالا.
وقال ضومط: "فا نحنا 66 مرشح بتسع دواير بتسع لوايح.. هذا الشيء ما كنا متوقعينه. وباعتقد في قرف عند الناس جدا عالي بيسمح لنا انه فعليا يكون في مجموعة من النواب بقلب المجلس عم بتحط نمط سياسي، وبنرجع نعرف السياسة أن إحنا الناس محورها".
وعمل البعض سنوات لعلاج إخفاقات الدولة. وصعد آخرون للأضواء بعد أزمة النفايات أو من أضواء شهرة أخرى مثل الإعلامية بولا يعقوبيان.
غير أن دائرة ضومط تعد معقلا قديما لعائلة الجميل وحزب الكتائب الذي أسسه جد نديم عام 1936، ويقوده الآن ابن عمه سامي.
وكان بشير الجميل والد نديم اغتيل في بيروت عقب انتخابه رئيسا للبنان خلال الغزو الإسرائيلي عام 1982. وتغطي صور والده جدران مكتبه.
وقد حاول الجميل، المتوقع أن يحتفظ بأصوات العائلات الكبرى المرتبطة بحزب الكتائب القديم، استقطاب شباب الناخبين.
وقال إن الوجوه الجديدة أمامها فرصة؛ لأن الناس تريد البدائل، لكن سياسات هؤلاء لا تفي بالمطلوب.
وأضاف أنهم يفتقرون للمواقف الموحدة أو الواضحة، بما في ذلك ما يخص قضايا لها أهمية بالغة مثل الترسانة القوية لدى حزب الله الشيعي المدعوم من إيران.
وقال: "المجتمع المدني اليوم ببيروت أكيد عنده فرصة، بس برأيي يمكن بعد الخيار اليوم راح يكون خيار سياسي أكتر من ما راح يكون خيار اجتماعي تقني أو خيار مجتمع مدني تقني.. راح يكون خيار سياسي؛ لأنه بعدنا اليوم بالدولة اللبنانية أو بالصراع السياسي الخيارات خيارات سياسية، وهوني بأرجع أقولك أن المجتمع المدني ما قدر يتميز بخطاب سياسي".
وأضاف: "بكرة المجتمع المدني راح يفوت على المجلس النيابي، وسيصير جزءا من المؤسسة (بالإنجليزية)، طيب لما راح يصير جزء من المؤسسة (بالإنجليزية) ما راح ينجز فيه اكتر ما حزب الكتائب أنجزه آخر سنتين.. ما راح يقدر يواجه اكتر ما نحنا واجهنا .. وإذا دخل راح يقدر يقدم شيء راح يضطر يجي يتشارك مع هاي المؤسسة (بالإنجليزية)".
وقال إنه لا يرى في نفسه وريثا سياسيا، لكنه لا يرى فيهم ما يسيء إذا ما خدموا لبنان.
وقال: "ما معناه أن الوراثة هي تلقائيا (بالإنجليزية) انه الواحد يكون سيئ. إذا واحد قدر يكون وريث ويقدر يطور المجتمع أنا برأيي أن هذا هيكون أكبر إنجاز للبلد".
وأصبح الجميل (35 عاما) عضوا في البرلمان في 2009، عندما أفسحت أمه، صولانج، الطريق له.
وخارج بيروت، ستشهد هذه الانتخابات أيضا أسرا تسلم الراية من جيل إلى آخر.
وسوف يتنحى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط والسياسي الماروني سليمان فرنجية جانبا لصالح ابنيهما. كما يخوض صهرا الرئيس ميشال عون السباق للفوز بمقاعد المارون.
ويحل قانون التمثيل النسبي الجديد محل نظام كان يمنح الفائز كل المقاعد، وهو ما أدى إلى تسارع التحالفات بين الأحزاب الحاكمة. ويقول منتقدون للقانون الجديد إنه أعد ليناسب الكيانات ذات الثقل تقليديا، برغم أنه قد يفتح المجال أمام دخول وجوه جديدة.
وقال مهند الحاج علي، من مركز كارنيجي الشرق الأوسط، إن الحركات الاحتجاجية بعد 2015 أخفقت في إفراز قوى سياسية حقيقية يمكن أن تتحدى النظام القديم.
وقال: "يعني هوني لازم الواحد يقول إن التحدي اللي صار بـ2015 لم يتبلور بالشكل المفروض.. يعني لم تنتج هذه الحركات أي قوى سياسية حقيقية على الأرض ممكن تشتغل".
وأضاف: "فلذلك لازم العالم (الناس) يعني تتصل بهاي الناس وتشوف شو فعلا عايزين يعني رغم انه هناك بعض العقبات ممكن يواجهوا عقبات من أحزاب تقليدية ولكن لازم يخاطر الواحد وإلا ما راح يصير في تغيير".
ويتهم نشطاء بعض المستقلين بالتحالف مع مسؤولين مقربين من المؤسسة لتعزيز فرصهم.
ولا يواجه من يخوضون الانتخابات لأول مرة سباقا متكافئا. وقال الحاج علي إن الأحزاب القائمة تتمتع بأنصار، وتوزع وظائف حكومية، وتملك مستشفيات ومحطات تلفزيونية، أو تتلقى تمويلا إقليميا.
وفي المنطقة التي يتنافس فيها ضومط والجميل ثمة بعض الفرص للمستقلين فيما يرجع جزئيا إلى أنها دائرة انتخابية ثرية نسبيا يمكنها أن تتحمل تكلفة رفض المؤسسة.
وقال الحاج علي إنه بالنسبة للطبقة العاملة "شريان الحياة لهم يمر عبر هذه الأحزاب التقليدية". وأضاف أن من يريد منافسة النخبة عليه أن يقدم بدائل قابلة للتطبيق.