هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قلّل الأكاديمي
والسياسي السوري المعارض الدكتور برهان غليون من تأثير الضربات الغربية التي تعرض
لها النظام السوري، معتبرا أن روسيا بحاجة إلى "ضربات أقسى حتى تقبل بالتخلي
عن الأسد، واستبداله بقوات عربية".
كما يشير غليون وهو
الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري المعارض، في مقابلة خاصة مع
"عربي21"، إلى أن "الغرب أمام مشكلة في سوريا، وهي استحالة الإبقاء
على الأسد وتأهيله بعد كل ما ارتكبه من جرائم وانتهاكات".
وعن الدور العربي في
الأزمة السورية، لفت إلى أن الدول العربية كانت غائبة تماما عن التأثير"،
وأضاف "عندما حاولت بعض الدول في البداية المغامرة بتأدية دور مستقل نسبيا على
هامش السياسة الأمريكية والغربية، كانت النتيجة سلبية تماما، فقد دخلت في تنازع في
ما بينها من جهة"، وذلك في إشارة إلى الخلافات الخليجية- الخليجية.
وعلى الرغم من اعتبار
غليون أن المعارضة فقدت تأثيرها والرهان الرئيسي على تقديم بديل لنظام الأسد، لكنه
في الوقت ذاته رأى أن ذلك لا يعني أنها فقدانها دورها في المستقبل.
وفي ما يأتي نص الحوار
الكامل:
- في أي سياق تضعون الضربات الغربية الأخيرة للنظام السوري، هل هي فعلا في إطار معاقبة الأسد على الهجوم بالكيماوي، أم في إطار المناكفات و"الحرب الباردة المتجددة" ما بين روسيا والغرب، أم ماذا؟
لا أرى أي عقوبة طالت
الأسد، بالعكس كان زعماء التحالف الغربي، يؤكدون باستمرار أن الضربة ليست للتدخل في
"الحرب الأهلية" ولا لتغيير موازين القوة ولا لتغيير النظام، وإنما لضرب
منشآت السلاح الكيماوي حتى لا يعاد استخدامها من جديد، أي لسحب سلاح الكيماوي من
الأسد، لأن استخدامه المتكرر أصبح مصدر إحراج للمجتمع الدولي وأداة تقويض لصدقية
الولايات المتحدة والغرب، الذي لم يفعل شيئا لوقف حرب الإبادة الجماعية ضد
السوريين.
باعتقادي أن الضربة
موجهة ضد روسيا التي تقف وراء استخدام السلاح الكيماوي، التي تجاوزت حدود التفاهم
معها وأرادت أن تحسم الصراع بالقوة ولصالح موسكو وطهران بالدرجة الأولى واستبعاد
الدول الغربية، وتكبيدها بذلك هزيمة دبلوماسية وسياسية كبيرة.
إن الغرب ممثلا بالدول
الثلاث (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا) التي قامت بالعملية، أراد أن توجه
رسالة لموسكو بأن الحل لا يمكن أن يكون بتقاسم سوريا بين طهران وموسكو، ولا بد إذن
من العودة إلى الإطار الدولي الممثل بالأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ومفاوضات
جنيف، والتخلي عن الطرق الملتوية التي تمثلت في أستانا وسوتشي، وفي اعتقادي أن
الاعتراض الأكبر على الحل الروسي ناجم من الدور الذي أعطته موسكو لإيران.
-هل سترد موسكو بالإيجاب على الرسالة؟
باعتقادي أن الغرب
بحاجة إلى ضربات أخرى أقسى حتى تقبل موسكو التخلي عن حليفها الرئيسي اليوم في
الميدان، وتستبدله بتحالف القوى العربية المقترح من قبل ترامب كبديل عن سحب القوات
الأمريكية، هذه بحد ذاتها معركة كبيرة لن يستطيع الغرب أن يربحها من دون وضع وزنه
في المعركة الإقليمية ضد التوسعية.
- ما بعد الضربات، ربطت الدول الغربية تكرارها في حال استخدام النظام للكيماوي مجددا، هل يعني ذلك أن هذه الدول أعطت الإذن للنظام وروسيا من خلفه لقتل السوريين لكن بالأسلحة التقليدية؟
لاحظ أننا نتحدث اليوم
بعد سبع سنوات من الحرب التي لم يوفر النظام فيها سلاحا من أسلحة الفتك الجماعي
والدمار والحرق لكسب المعركة العسكرية بأي ثمن.
ما يعني أن الإذن لم يعط للنظام والروس الآن، وإنما منذ عام 2012 الذي بدأ النظام يستخدم فيه المذابح الجماعية المنظمة لكسر
إرادة الثوار السوريين.
وقد أكد هذا الإذن
المعطى للنظام بشكل سافر ووقح، ترك المجرم ينفد بجرمه عندما قرر الرئيس الأمريكي
باراك أوباما عدم احترام الخط الأحمر الذي رسمه له، واستمر الأسد بعد سحب الجزء
الأكبر من سلاحه الكيماوي باستخدام هذا السلاح، إلى جانب حصار التجويع والقصف
بالبراميل المتفجرة على المدنيين لترويعهم ودفعهم إلى النزوح بالملايين عن مدنهم
وقراهم لتحطيم الحاضنة الشعبية للثورة.
منذ البداية كان لدى
الأسد رخصة مفتوحة بالقتل بأي الوسائل ومن دون حدود لمنع الثورة الشعبية من
الانتصار، باسم ضمان استمرار الدولة، كما كانوا يقولون، والمقصود بها ليس شيئا آخر
سوى أجهزة القمع العسكرية والأمنية التي تشكل جزءا من آلة السيطرة والقمع التابعة
للنظام الدولي، أي الغربي في المنقطة.
من هنا، أعتقد أن
الضربة الغربية لمواقع الأسد الكيميائية كانت، بالمعنى الحرفي للكلمة، من قبيل رفع
العتب عن الدول التي تواطأت مع ما ينبغي أن يسمى جريمة العصر، وهي اغتيال ثورة
وإبادة شعب خوفا من فقدان أحد أذرع نظام السيطرة الدولي في المشرق.
- كيف تنظر إلى تأثير هذه الضربات على مسار الحل السياسي في سوريا، وهل تعتقد أن ما جرى سيدفع بالحل السياسي قدما، أم إن ما جرى لا يعدو عن كونه تكريسا للواقع العسكري وتقاسم مناطق النفوذ في سورية؟
اعتقد أن الغرب
وروسيا، بالرغم من توتر علاقتهما والصراع العميق القائم بينهما على ملفات عديدة،
متفقون على عدم السماح بتسليم سوريا لقوى ثورية لم تعد تحظى بتقدير المجتمعات
الغربية، ومن باب أولى عندما تبدو وكأنها قوى إسلامية الطابع وربما جهادية.
وبالرغم من أن نظام الأسد قد سقط من عين الدول
الغربية، التي كانت تدعمه ووقفت دائما وراءه وغفرت له الجرائم الشنيعة التي ارتكبها خلال العقود الماضية، إلا
أنها لن تتخلى عنه قبل أن تضمن إمكانية الانتقال إلى نظام خاضع لسيطرتها. مما يعني
أنها ستستمر بالتمسك به بالرغم من كل شيء، طالما كان لا يزال مفيدا في القضاء على
القوى العسكرية غير النظامية التي تتنازع على الأرض السورية بما فيها المليشيات
الإيرانية.
ما عدا ذلك لا أعتقد
أن لدى هذه الدول أي سياسة لما بعد الأسد أو لسوريا والمنطقة المشرقية عموما،
وأضعف ما في سياسة الغرب، وعلى رأسه واشنطن، في المشرق هو أن سياسته بقيت تخضع
لمنطق رد الفعل لا الفعل.
ووراء منطق رد الفعل
يكمن في الواقع غياب أي مشروع مقنع ومقبول للمنطقة في نظر الدول الغربية.
حتى الآن كان الغرب
ينظر إلى المنطقة من منظار ضمان أمن إسرائيل والحفاظ على صادرات النفط، واستقطاب
العوائد النفطية على شكل مشتريات سلاح واستثمارات، ولا يرى هذا الغرب بل ولا
يلاحظ، ولو بأقل من القليل، وجود شعوب لها حاجات ومطالب وتطلعات ومصالح ومستقبل
تعيش فيها، وعندما كان يحدق أكثر في إنسانها لم يكن يرى فيه سوى ما يحيل إلى عالم
السياحة الصحراوية أو المتوسطية، والبدوي الذي يجر الجمل أو النادل الذي ينظف
طاولة المطعم على البحر.
اليوم لا يدفع الغرب
غاليا ثمن هذه النظرة "الغبية والعمياء" وسياسة إنكار وجود الشعوب
وإجرام الحاكمين الذين ربوا على هذه النظرة واستبطنوها في علاقاتهم مع مجتمعاتهم،
التي تعاملوا معها كحقل للصيد والنهب والسلب، لا أوطانا فيها شعوب، ولهم حقوق وعلى
من يحكمهم واجبات، ولكن يدفع وسوف يدفع أكثر في المستقبل ثمن عجزه عن تجاوز هذه
الصورة المأساوية للعرب والمشرقيين، التي أضاف إليها صورة الإرهابي الحامل لفيروس
القتل في إرثه البيولوجي.
- وصفت في مقال الأسد بأنه ستار يتخفى وراءه اللاعبون الحقيقيون، وأشرت إلى أن الغرب شريك فيما يجري في سوريا، وعلى هذا المشهد السوداوي إلى أين تمضي سوريا، وما الحل للخروج من كل هذا؟.
الأسد الابن، ومن قبله
الأب، مثله مثل العديد من الطغاة الذين يتحكمون بمصير شعوب عربية ونامية كثيرة، هو
صنيعة النظام الدولي الغربي وممثله في سوريا.
لم يجنده هذا النظام
الدولي كما يجند العملاء، ولكنه قولبه كما كان يريد له أن يكون، وعلمه بالتجربة
والخطأ، وبالدبلوماسية والضغوط أيضا، ما الذي ينبغي عليه أن يفعله إذا أراد أن
يستمر في الحكم، أي لقمه جدول أعماله ووضعه تحت المراقبة.
وقد تعلم الوكيل ما
ينبغي عليه فعله وكيف ينال استحسان الغرب ورضاه ودعمه، وصار أداة طيعة في يده، وفي
سوريا، من فرط الدلال الذي لقيه على سياساته وخدماته التي لا تقدر بثمن، سواء أكان
ذلك بتحييد الشعب السوري وإخضاعه وضمان أمن وسلام إسرائيل أو ضبط
"الاستقرار" الإقليمي لصالح استمرار تصدير النفط من دون عوائق، والتعاون
مع الجميع في مكافحة حركات الاحتجاج والمعارضة السياسية ومقاومة القهر والاحتلال
وفي مقدمها الحركة الفلسطينية وإجهاضها، وتحويل الدولة إلى أجهزة أمن في خدمة
السياسات الدولية والمتاجرة بالإرهاب، أقول من فرط الدلال الذي حظي به الأسد طار
صوابه، وأصبح يتصرف كما لو كان مطلق اليد في المنطقة المحيطة به، وليس مطلق
الصلاحية فحسب.
وقد دفعه هذا الدلال
إلى ارتكاب أخطاء لا تغتفر من قبل هذا النظام الغربي، من أكبرها اغتيال رفيق
الحريري، وتعبئة الحركات الجهادية في العراق في منتصف العقد الأول من هذا القرن،
ضد النفوذ الغربي والأمريكي خاصة بالاتفاق مع طهران، بعد أن شعر أن الغرب يهم
بالتخلي عنه، ومن أهمها أيضا، في السنوات الأخيرة، الاستخدام المتكرر للأسلحة
الكيماوية ضد المدنيين السوريين.
الغرب اليوم أمام
مشكلة عويصة، استحالة الإبقاء على الأسد وتأهيله بعد كل ما ارتكبه من جرائم
وانتهاكات، وفي الوقت نفسه العجز عن إيجاد البديل بسبب تخبط سياسات دوله،
وانقسامها منذ بداية الثورة السورية، ورفضها التعاون مع قوى الثورة والمعارضة
لتغيير النظام.
وقد شجع خوف الغرب من
التغيير الأسد على الإمعان في الإجرام على أمل كسب المعركة ضد الشعب الثائر،
وتحقيق الانتصار الناجز الذي لا يزال يسعى إليه وهو يهرب منه.
لكن نتائج هذا
الإجرام، غير المسبوق في تاريخ الصراعات السياسية على السلطة، قطعت عليه طريق
إعادة التأهيل.
إن المشكلة الحقيقية
التي تواجه الغرب اليوم هي إيجاد البديل، وهناك صراع متعدد الأطراف على ذلك، بين
الغرب الذي يريد بديلا قريبا من الأسد ونظامه، لكن من خارج عائلة الأسد، ويتصارع
من أجل ذلك على قيادة عملية التبديل مع روسيا، وبين طهران وموسكو حول وقف الحرب أو
الاستمرار فيها، وبين روسيا والغرب معا من جهة وقوى الثورة والمعارضة، أو ما تبقى
منها، التي تطمح إلى انتقال سياسي يضمن الحد الأدنى من الاعتراف للشعب السوري بحقه
في تقرير مصيره وانتخاب ممثليه، أي انتقال ديمقراطي في الوقت نفسه.
ولا تزال هذه المعركة
المعقدة والمتعددة الأطراف والرهانات مستمرة منذ سنوات، وسوف تحتدم أكثر في الأشهر
القادمة بعد نجاح النظام الدولي، ممثلا بالتفاهم الروسي الغربي في تحييد الفصائل
المقاتلة وإخراجها من الصراع.
- نود أن نسأل عن رؤيتك للدور العربي في تكريس المأساة السورية، وخصوصا أن بعض الشخصيات المهمة العربية خرجت مؤخرا بتصريحات تؤكد قبولها ببقاء الأسد؟.
للأسف العرب كانوا
غائبين عن الصراع الذي لا يقتصر على تقرير مصير سوريا ما بعد انهيار النظام الأسدي، وإنما على تقرير مصير الشرق الأوسط بأكمله.
وحتى عندما حاولت بعض الدول في البداية المغامرة
بتأدية دور مستقل نسبيا على هامش السياسة الأمريكية والغربية، كانت النتيجة سلبية
تماما، فقد دخلت في تنازع في ما بينها من جهة، وأضعفت المعارضة بتنازعها على
قيادتها أو فرض خياراتها عليها، وفاقمت من أزمة القيادة السياسية للشعب السوري من
جهة ثانية بتعميق انقسامها بدل أن تساعدها على توحيد صفوفها.
- أخيرا وبعد كل ما حدث، هل ترون أن أطراف الصراع السوري (المعارضة، النظام) فقدت التأثير كليا بعد تحول الصراع إلى صراع خارجي، وما الذي على المعارضة فعله؟.
لم تفقد المعارضة
التأثير فحسب، ولكنها فقدت الرهان الرئيسي الذي هو ببساطة تقديم بديل لنظام الأسد،
على مستوى النزاع ككل، وفي المناطق التي سيطرت عليها خلال سنوات طويلة.
وهذا هو السبب التي
أخرجها من الصراع وفرض عليها أن تكون عالة على القوى الدولية والإقليمية التي
تدعمها، لكن إخراجها من الصراع في هذه المرحلة الأولى لا يعني أنها فقدت دورها في
المستقبل.
مهما تفاقمت صراعات
الدول الأجنبية وتضخمت رهاناتها الجيوسياسية على حساب السوريين، ومهما سعت إلى
استبعاد أو إخراج المعارضة من الصراع، لا يمكنها أن تطمس حقيقة النزاع وأصله وجوهره
من حيث هو صراع شعب مضطهد ومستعبد ضد حكم طاغية أفقدته السلطة المطلقة والطويلة
صوابه، وأصبح عبدا لهوس السلطة وشهوة القتل وسفك الدماء.
إن هذه الحقيقية، أي وجود حقيقة القضية السورية،
لا يمكن تجاهلها إلى الأبد، وهي التي تفسر حجم التضحيات التي قدمها الشعب السوري
كما تفسر إرادة المقاومة المستمرة والاستعداد الدائم لدى السوريين لتقديم المزيد
منها من أجل تحقيق هدفهم السامي والأسمى، ألا وهو التخلص من نظام العبودية والقتل،
والتطلع العميق إلى الكرامة والحرية.
لذلك مهما ضعفت
المعارضة ستبقى هي الورقة الرئيسية في الصراع، وهذا ما يفسر تدافع الدول الأجنبية
ونزاعها على السيطرة على أجزائها وكسورها، والسعي إلى اقتسامها وتشكيل المنصات
الوهمية والأقل وهمية.
باختصار، لا يوجد حل
من دون السوريين، ولا يمكن للسوريين أن يستعيدوا وحدتهم وتفاهمهم من دون الإطاحة
بنظام الأسد الذي أسس قوته واستمراره على مبدأ تقسيم الشعب سياسيا وطائفيا وفكريا، الذي أصبح اليوم أنقاضا تستخدمها القوى الأجنبية لإخفاء وجه صراعها القبيح على
الفريسة السورية.
كما لا يوجد أي أمل في
وضع حد لنزاع القوى الأجنبية هذا من دون بروز قوة تمثل السوريين وتعبر عن تطلعاتهم
وتثمر تضحياتهم العظيمة من أجل الحرية، أي من دون عودة الشعب السوري إلى المقدمة
واستعادة وحدته وسيادته وإزاحة الاحتلال الذي يشكل الأسد اليوم أعلى راياته
المشرعة على أنقاض البلاد وشعبها.
ليس هناك حل لما يسمى
اليوم الأزمة أو الكارثة السورية التي لا تصيب السوريين وحدهم، ولكن عواقبها تتجاوز
ذلك إلى تهديد الاستقرار الإقليمي والعالمي، من دون إرضاء تطلعات السوريين
المشروعة والمحقة، ومن هنا تنبع قوة المعارضة ومصدر الحاجة إليها.
ولا يغير تهافت
أشكالها وتجسيداتها اليوم من هذه الحقيقية، فهي لا تكمن في أشخاص وأطر سياسية
وإنما في وظيفة سياسية وجيوسياسية لا يمكن لأحد أن يتجاوزها، وهي تعني اليوم قيادة
معركة السوريين نحو الحرية والاستقلال، في ظروف معقدة، صعبة ومتغيرة.